في مقبرة غزة المفتوحة.. أسئلة الغرب تتكاثر والأجوبة تُدفن مع الضحايا

بقلم أحمد نجار

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

تكاد ابنة أختي تفارق الحياة الآن، فقبل أسبوعين استشهدت شقيقتها جوري ذات الستة أعوام بصاروخ أطلقته مقاتلات الاحتلال الجوية بينما كانت نائمة، وقد لُف جسدها الصغير بقطعة قماش بيضاء ليصبح رقمًا آخر في مقبرة جماعية آخذة في الاتساع.

أما شقيقتها فنجت من الانفجار، ولكن بصعوبة بالغة، كما أصيب والدهما وجدهما في الغارة، لكن الصغيرة الجريحة تتلاشى الآن، فقد انخفض مستوى الهيموغلوبين لديها إلى سبعة، وهي بحاجة إلى نقل دم، وتحتاج إلى طعام وأمان مناسبين لكن في غزة، لم تعد هذه الأشياء موجودة.

أجل، في غزة لا يوجد طعام ولا ماء نظيف ولا توجد مستشفيات أو بنوك دم عاملة ولا يوجد أمان، ومع ذلك، أعلنت دولة الاحتلال هذا الأسبوع للعالم أنها “سمحت” بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة كما لو كانت لفتة رحمة تبرر بها المذبحة.

لقد سُمح لخمس شاحنات فقط بالمرور، بينما تقول الأمم المتحدة إن هناك حاجة لما لا يقل عن 500 شاحنة يوميًا لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية.

خمس شاحنات لمليوني شخص، هذه ليست مساعدة، بل إذلال، إنها ستار دخان وغبار في عيون العالم كي يسمح لدولة الاحتلال بمواصلة القتل دون توقف، دون مساءلة، ودون عقاب.

“ليتني مت”

لا يتعلق الأمر هنا بحماية المدنيين، بل بكسر شوكتهم، وقد تحدثت إلى والدتي مؤخرًا، وهي الآن نازحة، مثل كل فلسطيني في غزة تقريباً.

كان صوتها هادئًا، سألتها كيف حالها، فقالت شيئًا لا يزال يطاردني منذ ذلك الحين: “ليتني مت في البداية حتى لا أضطر لرؤية أي شيء من هذا”.

ماذا عليك أن تقول لأمك بعدما تسمع منها ذلك، بعد أن فقدت منزلها، وأحفادها، ووطنها وربما الآن، رغبتها في الحياة؟

وأخيرًا، أصدرت حكومات المملكة المتحدة وفرنسا وكندا بيانًا مشتركًا يطالب الاحتلال بتغيير مساره، لكن تل أبيب لم تتوقف ولم تستمع ولم تكترث، بل واصلت إلقاء القنابل ومنع وصول الغذاء وهي الآن تواصل القتل

وقد حذّر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني: “إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع قيودها على المساعدات الإنسانية، فسنتخذ المزيد من الإجراءات الملموسة ردًا على ذلك”، كما وصفوا ممارسات الاحتلال بأنها “غير متناسبة تمامًا”.

لكنني أريد أن أقول هذا، بوضوح ودون اعتذار: إن سلوكيات الاحتلال في غزة ليست مجرد غير متناسبة فحسب، بل وُصفت بالإبادة الجماعية، وقد فات الأوان بالفعل على عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

وإذا كانت المملكة المتحدة جادة، وإذا كانت كلمات ستارمر أكثر من مجرد ضجيج دبلوماسي، فعليها التوقف عن تسليح الاحتلال، فلا يُعقل أن تُسمي العنف غير متناسب ثم تبيع مرتكبه المزيد من الأسلحة، فعليك ألا تُدين فظاعةً إذا كنت تمول الفظيعة التالية.

حرب البقاء

جسد ابنة أختي ضعيف، ودمها رقيقٌ بشكل خطير، حياتها الآن تعتمد على ما إذا كان العالم سيجد ضميره وما إذا كان سيجده بالسرعة الكافية، فتجويع غزة ليس حادثًا وليس مجرد ضرر جانبي بل هو سياسة، فالتجويع ليس منفصلًا عن القنابل إنه استمرار للإبادة الجماعية.

هذه حرب البقاء نفسها، والجزء الأكثر إيلامًا هو أنها تحدث أمام أعين العالم، بينما يراقب قادة الغرب، ويحسبون، ويبررون، ويماطلون، وهذا ليس مجرد فشل دبلوماسي، بل فشل للإنسانية.

ماذا نفعل بهذا الحزن، وهذا الغضب؟ أتصفح مقاطع فيديو لمدينتي وقد تحولت إلى رماد، أستمع إلى بكاء أخي على الهاتف، أرى صورة لابنة أختي، بشرتها شاحبة، وعيناها باهتتان، أضعف من أن تقف، أسمع صوت أمي، تتمنى لو لم تعش لتشهد هذا.

وأتساءل ما معنى النجاة من إبادة جماعية بينما العالم يتجادل حول الكلمة المناسبة، والحدود التي تم تجاوزها، واللحظة التي “تجاوزناها”.

ابنة أختي في الخامسة من عمرها، وأنا أكتب هذا، وهي جائعة، تتألم، وربما تموت، أريد أن أصرخ في وجه العالم: كيف لا يزال هذا يحدث؟ كيف لا نزال نتجادل حول استحقاق أطفال غزة للطعام؟ كيف لا نزال نتظاهر بأن هذا الأمر معقد؟

خمس شاحنات لمليوني إنسان، طفلة أخرى هي ابنة أختي قد تنتهي حياتها لأننا تقبلنا هذا الرعب كأمر طبيعي.

ربما لا يزال هناك وقت للتحرك، ولكنه ليس كثيرًا، آمل، بكل ما تبقى لي من أمل، أن تتحرك الحكومات بسرعة ليس فقط لحماية ابنة أختي، بل لإنقاذ مليوني شخص آخرين ما زالوا محاصرين في مقبرة غزة المفتوحة.

وإن لم يفعلوا، فستأتي جميع التصريحات والإدانات والقرارات متأخرة جدًا إلى أناس لن يكونوا على قيد الحياة لسماعها.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة