قائد سابق في الجيش الإسرائيلي يكشف عن التطهير العرقي في غزة: دلالات التوقيت وتأثيره

بقلم لبنى مصاروة

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في ديسمبر قبل 9 سنوات، كان قد منع وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، موشيه “بوجي” يعالون، مجموعة المحاربين القدامى الإسرائيليين، مؤسسي منظمة “كسر الصمت”، من المشاركة في أنشطة مع الجيش الإسرائيلي، وذلك بسبب انتقادهم لسلوك الجنود في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

كان يعالون قد اتهم المنظمة اليسارية آنذاك بأن لها “دوافع خبيثة”، قائلاً: “إن إسرائيل تدعم الجنود والقادة المقاتلين الذين يخرجون ويقاتلون من أجلها، وسوف نعرف كيف نحمي كل جندي إذا اضطهد أو حاول أي عنصر الإضرار بهم أثناء زياراتهم للخارج”.

انطلاقاً من هذه الخلفية، فقد جاء اتهام يعالون، الذي شغل منصب قائد فرقة الضفة الغربية في الجيش الإسرائيلي ورئيس القيادة المركزية للجيش – للجيش بارتكاب جريمة التطهير العرقي في غزة بمثابة مفاجأة.

علق يعالون في مقابلة مع قناة إسرائيلية بالقول: “ليس هناك بيت لاهيا، ولا يوجد بيت حانون، فالجنود الإسرائيليون يعملون في جباليا ويقومون بتطهير المنطقة من العرب”، وأضاف: “الطريق الذي ننجر إليه هو الاحتلال والضم والتطهير العرقي في قطاع غزة، ونقل السكان، سمها ما شئت، وإعادة إقامة المستوطنات اليهودية”.

أثارت تصريحات يعالون هذه غضباً في جميع أنحاء إسرائيل، فانتقد إيتمار بن غفير، الانتقادات الموجهة إلى ما يسميه “الجيش الأكثر أخلاقية” في العالم، وكتب بن غفير على موقع اكس: “إن تصريحات يعالون المشوهة والكاذبة خطيرة للغاية وتساهم بشكل مباشر في تشويه صورة دولة إسرائيل في عيون العالم”.

أما عضو البرلمان عن حزب الليكود الحاكم، نسيم فاتوري، فقال أنه “يجب أن يدخل يعالون المستشفى ويقدم للمحاكمة بتهمة الخيانة”، فيما اتهم وزير الدفاع السابق يوآف غالانت يعالون بالكذب وقال: “كلمات يعالون كذبة تساعد أعداءنا وتضر بإسرائيل”.

علق الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ على تصريحات يعالون أيضاً فقال: “إن الادعاء بأن جنود جيش الدفاع الإسرائيلي يرتكبون إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً ليس فقط خاطئاً ومنفصلاً تماماً عن الواقع، ولكنه يضر أيضاً بجنودنا وقادتنا وبالجهود الأمنية والسياسية لدولة إسرائيل في زمن الحرب”.

بات من الواضح أن إسرائيل تشعر بالقلق إزاء صورتها والتهديد بالمساءلة القانونية، فقد حاولت بالفعل تقويض تقرير منظمة العفو الدولية من خلال وصفه بأنه متحيز، ولكن ذلك لا ينفي أنه لم تعد لدى إسرائيل وسائل لتحسين صورتها اليوم، خاصة مع استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة والاعتداءات في الضفة الغربية، والآن في سوريا أيضاً!

رغم رد الفعل العنيف، إلا أن يعالون لم يتراجع عن تصريحاته، بل وكررها في اليوم التالي خلال مقابلة مع القناة 12 الإسرائيلية، ولكنه عدل كلامه مدعياً أن كلامه عن أن الجيش الإسرائيلي ليس “الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”، لم يكن موجهاً للجيش، بل للسياسيين في البلاد الذين قال أنهم “يدفعون الجيش الإسرائيلي إلى ارتكاب ما يعرف بجرائم حرب”.

لم يكن المذيع في المقابلة يريد الحديث عن الفظائع التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، حيث قُتل ما لا يقل عن 45 ألف فلسطيني، وتم تهجير جميع السكان عدة مرات، بل حاول بدلاً من ذلك مناقشة مدى عظمة الجنود الإسرائيليين وكيف يجرؤ يعالون على الاعتراض على ذلك!

صورة إسرائيل المشوهة

في تعليقه على تصريحات يعالون، كتب المحلل السياسي ميرون رابوبورت، بأن يعالون لم يسعَ إلى تسليط الضوء على محنة الفلسطينيين المحاصرين، لكنه كان مهتماً بالحفاظ على ما يسمى بـ “الطابع الديمقراطي” لإسرائيل، ولذلك إذا ضمت إسرائيل قطاع غزة وبدأت في إعادة الاستيطان فيه، فإن الحدود بين كون إسرائيل ديمقراطية لليهود ودكتاتورية للفلسطينيين ستصبح غير واضحة.

إنها ملاحظة ذكية بطبيعة الحال، نظراً إلى أن عدداً كبيراً من اليهود الإسرائيليين ليس لديهم مشكلة مع التطهير العرقي في غزة أصلاً، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته القناة 12 الإسرائيلية الشهر الماضي، أن ما يقرب من 40% من السكان اليهود في إسرائيل يؤيدون إعادة التوطين في غزة.

يبدو أن المشكلة الوحيدة التي تواجهها إسرائيل مع تصريحات يعالون هي أنه تحدث علناً عن التطهير العرقي، وهو ما سارعت وسائل الإعلام العالمية إلى تغطيته، فبالنسبة للسياسيين الإسرائيليين، فإن تركيز وسائل الإعلام على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة هو أمر لا يريدون التورط فيه في ظل وجود قضايا مستمرة ضد إسرائيل وقادتها في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.

الحقيقة أنه لا يمكنهم تجنب الأمر، فبعد تقرير مفاجئ أصدرته مؤخراً، أصبحت منظمة العفو الدولية أول منظمة دولية كبرى لحقوق الإنسان تعلن أن إسرائيل تنفذ إبادة جماعية في غزة وأن حربها على القطاع يتم تنفيذها “بقصد محدد وهو تدمير وجود الفلسطينيين في غزة”.

بات من الواضح أن إسرائيل تشعر بالقلق إزاء صورتها والتهديد بالمساءلة القانونية، فقد حاولت بالفعل تقويض تقرير منظمة العفو الدولية من خلال وصفه بأنه متحيز، ولكن ذلك لا ينفي أنه لم تعد لدى إسرائيل وسائل لتحسين صورتها اليوم، خاصة مع استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة والاعتداءات في الضفة الغربية، والآن في سوريا أيضاً!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة