قصة ماثيو هيدجز.. كيف فشلت الخارجية البريطانية في حماية أحد مواطنيها من التعذيب في الإمارات!

عجزت وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية (FCDO) البريطانية عن حماية الأكاديمي البريطاني ماثيو هيدجز، من التعذيب في سجون الإمارات العربية المتحدة عام 2018، بحسب ما أكدت هيئة رقابية برلمانية.

فقد أوصى محقق الشكاوى البرلماني الخارجية البريطانية بالاعتذار لهيدجيز، وتعويضه بمبلغ 1500 جنيه إسترليني، وطالبها بأن توضح في غضون ثلاثة أشهر “كيفية ضمانها التعامل مع ظروف مماثلة بما يتفق مع التوجيهات ذات الصلة”.

وقالت ريبيكا هيلسينراث، الرئيسة التنفيذية لأمين المظالم:” في نهاية المطاف، يتمثل دور الحكومة في حماية مواطنيها، وكان هذا (في قضية هيدجيز) بمثابة فشل ذريع”.

وتابعت بالقول أن “التأثير سيكون عميقًا على السيد هيدجز، وسيتعين عليه التعايش مع ذلك لبقية حياته، يجب ألا يحدث هذا مرة أخرى لأي شخص آخر”.

اعُتقل هيدجز، الذي كان مرشحًا لنيل درجة الدكتوراة من جامعة دورهام عند احتجازه، في الإمارات العربية المتحدة في أيار/ مايو 2018، بتهمة التجسس لصالح الحكومة البريطانية وخضع للحبس الانفرادي لأكثر من خمسة أشهر.

وذكر هيدجز أن المحققين أخضعوه للتخدير بالقوة واستجوبوه لمدد تصل إلى 15 ساعة في اليوم، وأنه أجبر جراء ذلك على التوقيع على اعترافات كاذبة تم على إثرها الحكم بسجنه مدى الحياة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، لكن سراحه أطلق بعد خمسة أيام من صدور عفو عنه.

وزار طاقم القنصلية البريطانية هيدجز لأول مرة في 18 حزيران/ يونيو 2018، بعد مرور أكثر من شهر على اعتقاله، واجتمع به لمدة خمس دقائق.

وأجرى الطاقم الزيارة الثانية، التي استغرقت 30 دقيقة، في 30 آب/ أغسطس 2018، حيث أبلغ هيدجز هيئة الرقابة أن السلطات الإماراتية أملت عليه ما يقوله في ذلك الاجتماع وكانت حاضرة للتأكد من ذلك.

علامات مفقودة

وأكد أمين المظالم أن الوزارة، التي قالت إنها ضغطت للوصول إلى هيدجز أكثر من 50 مرة على المستوى الرسمي و 23 مرة على المستوى الوزاري، اتبعت إرشادات الوصول القنصلي بشكل ملائم في قضيته.

لكن تبين أنه كان ينبغي لمسؤولي وزارة الخارجية التعرف على العلامات التي تشير إلى احتمال تعرض هيدجز للتعذيب وسوء المعاملة، وتصعيد قضيته إلى مستشار حقوق الإنسان للحصول على “المشورة والتوجيه والدعم … بشأن المعايير الدولية لحقوق الإنسان” و “متى ولماذا؟ قد يكون من المناسب التدخل”.

وقالت هيئة الرقابة إن الوزارة كانت تعلم باحتجاز هيدجز في الحبس الانفرادي “معظم الوقت” وأن المكتب لاحظ خلال اللقاء به أنه كان يعاني من نوبات القلق والذعر، وهي علامات تدل على تعرضه للتعذيب وسوء المعاملة وفقًا لقواعد الوزارة الارشادية.

وأشار التقرير إلى أن الوزارة كانت بين عامي 2010 و 2019 على علم بـ 75 حالة من مزاعم التعذيب وسوء المعاملة بحق مواطنين بريطانيين من قبل نظام العدالة الإماراتي، لكنها قالت في المقابل أن المستشار الذي كان يمكن أن ترفع قضية هديجز له كان متعاقداً دون تصريح أمني، الأمر الذي يتعارض مع سياسات الوزارة في رفع القضايا المتعلقة بمزاعم التعذيب أو سوء المعاملة.

في المقابل، أوضحت هيئة الرقابة أن المبادئ التوجيهية للوزارة تسمح بملاحقة مزاعم التعذيب وسوء المعاملة دون موافقة، وأشارت إلى أن مسؤولي الوزارة لم يتمكنوا من رؤية هديجز إلا بحضور من قال إنهم أساءوا معاملته.

ولفتت إلى أن موضوع التصريح الأمني للمستشار لم يكن ليمنع وزارة الخارجية من السعي للحصول على مزيد من المشورة في مجال حقوق الإنسان.

وتابعت الهيئة:” وجدنا أن وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية لم تتصرف وفقًا لتوجهاتها الخاصة في ضوء ما لاحظته في زيارات 18 حزيران/ يونيو و 30 آب / أغسطس، وفي ضوء ما قاله هيدجز وزوجته، وما عرفته عن سياق الإمارات العربية المتحدة”، وقال التقرير “كان ذلك سوء ادارة”.

“تحذير لجميع الرعايا البريطانيين”

وفيما حمَّل هيدجز الإمارات العربية المتحدة المسؤولية عن تعذيبه وإساءة معاملته، أشار إلى أنه وجد أن سلوك مكتب التحقيقات الفيدرالية كان “من أكثر الأمور إثارة للصدمة خلال تلك الفترة”.

وقال: “شعرت بأنه تم التخلي عني تماماً، ولم أصدق أنهم لم يتمكنوا من فهم العلامات الواضحة لتعرضي للتعذيب”.

“هناك حدود جدية لما ستفعله وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية (FCDO) على أرض الواقع لمساعدتك وحمايتك” – ماثيو هيدجز

وأوضح هيدجز أن وزير الخارجية آنذاك، جيريمي هانت، وعد، عندما أُطلق سراحه، بإجراء مراجعة داخلية لتعامل الوزارة مع احتجازه.

وقال:” هذا لم يحدث قط، لذلك لم يكن لدي خيار سوى الذهاب إلى أمين المظالم لتقديم شكوى”.

وتابع:” هذا انتصار بالنسبة لي، لكنه أيضًا تحذير لجميع الرعايا البريطانيين من أن الإمارات العربية المتحدة ترتكب جريمة التعذيب وأن هناك حدودًا خطيرة لما ستفعله FCDO في الواقع لمساعدتك وحمايتك”.

وعلق متحدث باسم الوزارة بالقول:” إن المصالح الفضلى للمواطنين البريطانيين، بمن فيهم المحتجزين في الخارج، هي في صميم عملنا القنصلي ونحن ندعم عائلاتهم حيثما أمكننا ذلك، سنراجع نتائج أمين المظالم ونرد في الوقت المناسب”.

وقالت حكومة الإمارات العربية المتحدة إن هيدجز أدين في محاكمة عادلة وعومل وفقًا للمعايير الدولية أثناء احتجازه.

ويجري حاليًا التحقيق في مزاعم هيدجز بشأن التعذيب ضد الإمارات بالإضافة إلى ادعاءات مواطن بريطاني آخر، علي عيسى أحمد، من قبل قاضي الوحدة القضائية المتخصصة بالجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة لمحكمة باريس.

وقالت روزلين ريني، مديرة حملة المساءلة في منظمة “الحرية من التعذيب” ومقرها المملكة المتحدة، إن أمين المظالم وجد أن الحكومة “أخفقت تمامًا في أداء واجبها في حماية المواطنين البريطانيين من التعذيب”.

وأضافت ريني:” التعذيب جريمة مقيتة تستخدم لإسكات الناس وتحطيمهم، لا ينبغي لأحد أن يعيش في خوف أو أن يتعرض له”. 

وتابعت:” يجب على المملكة المتحدة أن تدافع عن حظر التعذيب وتتمسك به، وأن تتأكد من عدم السماح لمن يرتكبون جريمة التعذيب بالإفلات من العقاب”.

مقالات ذات صلة