بقلم أندرياس كريج
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
عمت الاحتفالات جميع أنحاء قطاع غزة الليلة الماضية، فبعد 15 شهراً من القتال وُلد الأمل بأن تنتهي واحدة من أكثر الحروب وحشية في التاريخ الحديث وهي عدوان الاحتلال على غزة.
وكما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عندما توسطت الدوحة صفقة للإفراج عن دفعة من الأسرى لدى حماس، فقد ظلت قطر أداة فعالة في إبرام الاتفاق، فكيف أصبحت الإمارة الخليجية الصغيرة (علامة مسجلة) في الوساطة؟
في عالم لا يهم فيه الحجم، لا يزال من اللافت للنظر أن فريقًا صغيرًا من الدبلوماسيين من دولة يبلغ عدد مواطنيها 350 ألفًا فقط، بالإضافة إلى عدد من المقيمين يزيد عن مليوني نسمة، تمكن من التوسط في اتفاق آخر في الصراع الأكثر تعقيداً والأطول زمناً في العالم.
وعلى مدار 15 شهراً، التزمت قطر بدورها في مساعي التوصل الاتفاق عبر ممارسة كل نفوذ ممكن لها على حركة حماس، في حين ظلت إدارة بايدن في الولايات المتحدة غير راغبة في استخدام كل ثقلها لدفع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لقبول صفقة.
ولا يمكن أن تتضح أهمية المفاوضات التي تمكن الدبلوماسيون القطريون من إجرائها مع مفاوضي حماس إلا عند فهم سياق الوساطة.
فقد قتل الاحتلال الكثير من قادة حماس في الميدان وفي الخارج، وعُقدت مؤتمرات بحضور وزراء حكومة نتنياهو حول كيفية إعادة احتلال قطاع غزة، وسرب هؤلاء الوزراء أنفسهم إلى وسائل الإعلام أنه لا توجد نية من جانب الاحتلال للانسحاب من غزة، وبغض النظر عن ذلك، ظل الوسطاء القطريون يعملون بلا هوادة في الضغط على الناجين من حماس.
ظل الاتفاق المكون من ثلاث مراحل لإعادة الأسرى الإسرائيليين الذين أسرتهم حماس في 7 أكتوبر 2023، في مقابل الآلاف من الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم بشكل تعسفي في كثير من الأحيان، حاضراً على الطاولة لمدة عام، وعلى الأغلب، فقد انتزعت قطر الموافقة من حماس في صيف عام 2024.
لكن ما تغير هو قدرة قطر على استدعاء علاقتها الوثيقة مع ستيف ويتكوف، المبعوث المعين للشرق الأوسط من قبل الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب لثني نتنياهو عن رفض الاتفاق، لقد أثمر رهان قطر على عامل ترامب.
المبدأ التوجيهي
الوساطة هي جزء من التفكير الاستراتيجي للدولة الخليجية، فالأسطورة الوطنية التي تزعم أن قطر هي “كعبة المظلومين” أو كعبة المحرومين تشكل مبدأ توجيهيا في فن الحكم هناك.
أبدت قطر حرصها على دعوة أولئك الذين عادة ما لا يُسمَع موقفهم إلى طاولة المفاوضات، وأصبحت ألعاب التسوية والفوز المتبادل عنصراً راسخاً في الثقافة الاستراتيجية القطرية، التي تتجذر في الخلافات القبلية التاريخية في شبه الجزيرة العربية، وهو ما يؤدي إلى درجة من البراغماتية الاستراتيجية التي تسمح للقطريين بترك سياساتهم الخاصة خارج غرفة المفاوضات.
فلأكثر من عقد من الزمان، جلس الوسطاء القطريون مع طالبان للتوصل إلى اتفاق بشأن أفغانستان، متجاهلين الاختلافات الجوهرية في النظرة العالمية التي كانت بالنسبة للدبلوماسيين القطريين أكثر من مجرد إقصاء لطالبان، وعلى نفس النحو، ترك المفاوضون القطريون مشاعرهم الجياشة بشأن ظلم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني جانبا عند لقاء الممثلين الإسرائيليين.
إن مبدأ الوساطة، الذي ترسخ في دستور قطر، يشكل الركيزة الأساسية لحكم الدولة بالنسبة للإمارة الصغيرة الغنية بالهيدروكربونات (الطاقة العضوية) والواقعة في بيئة غير آمنة، وهي تمنح الدوحة أهمية ومكانة في النظام الدولي.
سوف يمر الطريق إلى حل طويل الأجل في غزة عبر الدوحة فقط عندما يمكن الانتقال من المرحلة الأولى من الصفقة إلى المرحلتين الثانية والثالثة، وهذا يسمح لقطر بالخروج من حالة اللامبالاة والسلبية التي تحكم سلوك العديد من الدول الصغيرة.
إن قطر، التي تقدم جسراً حاسماً بين القوى العظمى والجهات الفاعلة غير الحكومية، فضلاً عن الجنوب العالمي والشمال العالمي، أصبحت قوة مضاعفة مهمة في عصر التشابك العالمي، وهي قوة توفر الاستقرار في كثير من مناطق العالم.
كما أن الشبكات التي تستطيع قطر نسجها من مشاركاتها المختلفة تسمح للدوحة بتأمين رهاناتها، وباعتبارها “سويسرا الشرق الأوسط”، فقد برزت الدوحة كمركز لا غنى عنه في شبكة الوساطة العالمية، ولن يكون أحد أحمقاً بما يكفي لقتل الوسيط.
ولكن الوساطة بين الأطراف المتنافرة ليست خالية من المخاطر، فقد أثار احتلال قطر لمركز الصدارة في هذا الصراع حسد الجيران والمنافسين، فقد كان الباحثون عن المعلومات يستمتعون بيوم حافل مع استضافة الدوحة لجهات فاعلة مسلحة غير حكومية مثل حماس وطالبان، وإن كان ذلك بناء على طلب الإدارات الأميركية المتعاقبة، ولقد دفعت سنوات من الحملات السردية المسلحة ضد الدولة الخليجية البعض في الدوحة إلى التساؤل عما إذا كانت الوساطة تستحق العناء حقا.
طريق صعب في المستقبل
لقد كان رئيس وزراء قطر، الذي امتلك بصبر عملية الوساطة، عاملاً رئيسياً في حشد الدعم حولها محلياً، والواقع أن الاختراق الذي تحقق بشأن غزة يثبت صحة رؤيته.
وقد قلل كثيرون من شأن دور قطر إلى مجرد رسول ينقل الملاحظات من غرفة إلى أخرى، ولكن خمسة عشر شهراً من الوساطة أظهرت أنها أكثر من ذلك، فهي تتمتع بنفوذ وهي حريصة على استخدامه.
وبالنسبة لأمثال حماس، فإن مكتبهم الافتراضي في الدوحة قد وفر لهم الشرعية والوصول، مما خلق اعتماداً مشتركاً على حسن نية قطر، والذي استخدمه الوسطاء بشكل معاملاتي لانتزاع التنازلات، ومع ذلك، استخدمت قطر فكرة التسهيلات بطريقة تقليدية لتسهيل الصفقات، فوعدت بالمساعدات لإعادة الإعمار أو دفع فدية للرهائن.
إن ثروة الدولة الخليجية من الهيدروكربونات تشكل أيضاً سبباً يدفع واشنطن إلى الاعتماد على قطر، على أمل أن تلعب دوراً بعد الوساطة لضخ الأموال التي تشتد الحاجة إليها في جهود إعادة إعمار غزة.
وبغض النظر عن كل الحماس، فإن تاريخ نتنياهو الطويل في عرقلة وتعطيل الصفقات التفاوضية يعطي أكثر من سبب كافٍ للتشكك والسخرية، ومع ذلك فإن قطر تملك عملية التنفيذ وآلية المتابعة للصفقة، جنباً إلى جنب مع مصر والولايات المتحدة، وسوف يكون ترامب مفتاحاً لضمان تنفيذ الاتفاق.
وهنا، لا ينبغي للدوحة أن تتوسط بين إسرائيل وحماس لتجاوز العقبات فحسب، بل ينبغي لها أيضا أن تحشد إدارة ترامب حول عملية التنفيذ.
لكن التحدي الأعظم سيكون تحويل الاتفاق من تبادل الأسرى والرهائن إلى اتفاق وقف إطلاق نار مستدام ينهي الحرب في غزة، وفي الوقت الحالي، يبدو أن الإرادة السياسية داخل إدارة نتنياهو غير كافية لإنهاء الحرب والانسحاب من جميع أراضي غزة، وسيتعين استخدام نفوذ قطر لدى المحاورين الرئيسيين في إدارة ترامب، وعلى رأسهم ويتكوف، بشكل استباقي لضمان عدم تخفيف البيت الأبيض الجديد للضغوط عن حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.
وبكل الأحوال، فإن الطريق إلى حل طويل الأجل في غزة لن يمر عبر الدوحة إلا عندما تتحول المرحلة الأولى من الاتفاق إلى المرحلتين الثانية والثالثة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)