تذكر السنوات الخمس الماضية من الصيف الحار يعقوب أبو عصب بالسجون الإسرائيلية حيث أمضى 15 عامًا من حياته.
بالنسبة للأسرى الفلسطينيين، فإن الموسم الحار هو بحد ذاته سجن داخل سجن.
يشرح المعتقل السابق، يعقوب أبو عصب، البالغ من العمر 51 عامًا الظروف القاسية التي يعاني منها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية وسط الإجراءات التقييدية التي تفاقم من ويلات الأسرى الذين يعانون من موجات الحر السنوية، خاصة في السجون الواقعة في الصحراء أو بالقرب من الوديان الحارة الرطبة التي تجعل الحياة فيها لا تطاق.
قضى أبو عصب عقوبته الأخيرة البالغة ست سنوات في سجني جلبوع ومجدو في شمال فلسطين المحتلة حيث يقول إن موجات الحر تزداد شدة كل عام.
يعاني الأسرى في السجون الإسرائيلية باستمرار من ضيق في التنفس وانزعاج عام بسبب افتقارها لأنظمة التبريد في ظل العزل داخل زنازين صغيرة مكتظة يصل عدد السجناء فيها في بعض السجون إلى ثمانية.
“يضطر الأسرى للاستحمام خمس مرات في اليوم لحماية أجسادهم من التعرق المفرط أو من الأمراض الجلدية ” – يعقوب أبو عصب، معتقل سابق
كما أن السجون الإسرائيلية مشيدة من الخرسانة التي تحتفظ بالحرارة وتفتقر إلى التهوية المناسبة، فبعض الزنزانات بلا نوافذ، وبعضها يقع تحت الأرض، والبعض الآخر به نوافذ مفردة تطل على مناطق مغلقة لا تسمح بعبور الهواء.
وقال أبو عصب: “يحاول الأسرى خفض الحرارة داخل الزنزانة بأنفسهم، فيضطرون للاستحمام خمس مرات في اليوم على الأقل لحماية أجسادهم من التعرق المفرط أو من الأمراض الجلدية”.
وأضاف: “يلجأون أيضاً لرش الماء على أسرّتهم ووسائدهم لتبريدها قليلاً، لكن تلك البرودة سرعان ما تتلاشى.”
يُسمح للأسرى بمروحة واحدة صغيرة في كل غرفة، لكنها تحرك الهواء الساخن فقط والذي لا يصل إلى الزوايا الأربع للغرفة، ومن المعروف أيضًا أن سلطات السجن تقطع الكهرباء عن الزنازين أثناء النهار، مما يعني أن السجناء لا يمكنهم حتى استخدام المروحة.
كما أن لوح التسخين المستخدم في طهي الطعام وتسخينه يجعل الزنازين أكثر حراً، ونتيجة لذلك، يتجنب بعض السجناء استخدامه في الصيف، ويأكلون الأطعمة الباردة والمعلبة فقط، بحسب أبو عصب.
ويقول: “في الوضع الطبيعي خارج السجن، لا يمكننا التفكير، أو العمل، أو النوم، أو العيش بشكل عام إذا لم يكن لدينا مكيف هواء، لذلك يمكنك تخيل ما يفعله الحرمان من التبريد بالأسرى الذين يعانون بالفعل من ظروف قاسية وأحكام جائرة”.
تصف بيان فرعون، 28 عاما، وهي أسيرة محررة اعتقلت لمدة 40 شهرا في سجن الدامون القريب من مدينة حيفا الساحلية، المعتقل الذي يضم 30 أسيرة فلسطينية بـ “الفرن”.
وتقول: “تشاركنا مروحة واحدة كانت عديمة الفائدة، وللأسف كانت ظروف سجننا أكثر صعوبة من بقية السجون، حيث يقع الحمام خارج القسم ولم يُسمح لنا باستخدامه إلا مرة واحدة يوميًا في ساعات تحددها إدارة السجن.
وكانت توجد الثلاجة الوحيدة المخصصة للأسيرات خارج القسم، وكانت تُغلق يوميًا من الساعة 6 مساءً حتى 7 صباحًا، مما يحرم الأسيرات من الحصول على الأطعمة والمشروبات الباردة.
وتابعت بيان: “بسبب الحرارة الشديدة وحاجتنا إلى الماء البارد، اعتدنا تحويل صندوق الخضار إلى ثلاجة صغيرة عن طريق وضع زجاجات المياه بداخلها، والتي سبق أن قمنا بتجميدها، لتبريد أي شيء نريده بوضعه فوق تلك الزجاجات، لكن بالطبع بعد بضع ساعات يصبح الجو دافئًا مرة أخرى”.
وتعاني العديد من الأسيرات من الجروح الناتجة عن تعرضهن للإصابة بالرصاص أثناء الاعتقال بشكل خاص خلال الحر.
لكن إسراء جعابيص، من القدس، تعاني من حروق عميقة تغطي 50٪ من جسدها، والتي تسبب بها جنود الاحتلال خلال اعتقالها، ما يجعل ارتفاع درجات الحرارة في الصيف مؤلمًا جداً بالنسبة لها.
وكانت قد تعرضت السيارة التي كانت تستقلها جعابيص للانفجار بعد مهاجمتها من قبل جنود الاحتلال قبل اعتقالها في عام 2015 بزعم محاولتها تنفيذ عملية ضد جنود إسرائيليين.
وذكرت بيان أنها كانت تجد جعابيص، التي كانت ترافقها في القسم، وهي تبكي في بعض الأحيان من الألم الناجم عن تأثير الحرارة على جلدها المحترق.
كما تعاني جعابيص من ضيق في التنفس تفاقم مع زيادة الرطوبة في السجن الذي يفتقر كغيره من السجون إلى التبريد والتهوية.
قطعة من الجحيم
هناك أكثر من 5000 فلسطيني يقبعون حاليا في السجون الإسرائيلية، وبينما قد يكون بعض أولئك الأسرى محتجزون في أماكن أكثر حرارة من غيرها، إلا أنهم جميعاً يتعرضون لدرجات حرارة غير مريحة.
قالت أمينة الطويل، الباحثة في المركز الفلسطيني لدراسات الأسرى، إن الزنازين التي يحتجز فيها الأسرى الفلسطينيون مغلقة من جميع الجهات، وتفتقر إلى تهوية مناسبة، في حين أن المراوح الموجودة داخل الغرف تقوم فقط بتدوير الهواء الساخن.
السجناء الأكثر معاناة من الحر يتم احتجازهم في سجون تقع في أماكن متطرفة بشكل خاص، كالنقب، وريمون، ونفحة، وإيشيل، في جنوب إسرائيل، وتضم ما يقرب من نصف العدد الإجمالي للأسرى الفلسطينيين.
ووصف المعتقلون هذه المواقع بأنها “قطعة من الجحيم”، حيث “تشوى أجسادهم في الحرارة الشديدة”.
وأوضحت أمينة أنه تم تسجيل عدة حالات من ضربات الشمس والإغماء وضيق التنفس هذا العام، مضيفةً أن الظروف خطيرة بالنسبة للأسرى المرضى الذين لا يحصلون على رعاية طبية كافية.
وأضافت: “بدلاً من مساعدتهم، تقوم إدارة السجن أحياناً بمعاقبة الأسرى بمصادرة المراوح”.
وفي تموز/ يوليو الماضي، شهدت صحراء النقب درجات حرارة وصلت إلى 50 درجة مئوية، مما جعل الخروج إلى ساحات السجن أمراً مستحيلاً بالنسبة للأسرى.
وذكرت الطويل أن الحرارة الشديدة تؤدي إلى ظهور الزواحف والحشرات والعقارب السامة، والتي يمكن أن تجد طريقها بسهولة إلى أقسام السجن، مما يعرض حياة السجناء للخطر.
لكن مع انتهاء الصيف، يضطر الأسرى الفلسطينيون إلى البدء في الاستعداد لموسم الشتاء، الأمر الذي يجلب معه تحديًا آخر، البرد القارص، إلى جانب الضغط المستمر الذي تمارسه سلطات السجون الإسرائيلية، بغض النظر عن حالة الطقس.