قمة الصين والعرب.. ما الذي تطمح إليه الصين من منطقة الخليج ؟

جاء في مقال نشره موقع “ميدل إيست آي” للكاتبين كارلوتا ريناودو، وزينو ليوني، عن زيارة الرئيس الصيني، شي جينبينغ، إلى المملكة العربية السعودية، والتقارب الخليجي الصيني، أن القمة الصينية العربية قد تتمخض عن اتفاق تجارة حرة، وصفقات نفط باليوان، وعضوية في كتلة “بريكس بلس”، والتي من شأنها أن تعزز العلاقات الخليجية الصينية وتزيد من التحدي الذي تواجه به الهيمنة الأمريكية.

وأوضح المقال أنه منذ بداية جائحة كوفيد 19، لم يغادر الرئيس شي جين بينغ الصين إلا مرة واحدة عندما زار كازخستان وأوزبكستان في سبتمبر/ أيلول 2022، ومن المقرر أن يقوم هذا الأسبوع برحلة ثانية، حيث سيهبط في الرياض ليلتقي بنظرائه السعوديين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وأضاف الكاتبان أن المملكة العربية السعودية قررت، بمناسبة زيارة شي جين بينغ، استضافة أول قمة صينية عربية على الإطلاق، والتي من المقرر أن تنعقد في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول. وبالرغم من عدم تقديم أي تفاصيل أخرى إلا أن بطاقات الدعوة وجهت إلى زعماء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يتساءل الكثيرون عما يمكن توقعه من هذه القمة.

وجاء في المقال أن الإعلان عن انعقاد قمة صينية عربية أمر مهم خاصة وأنها تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين الرياض وواشنطن حالة من التوتر، إذ يمكن اعتبارها شهادة على التحول الحاصل في ديناميكيات القوة داخل منطقة الخليج، ومهمة جداً من حيث تقييم المصالح التي سيتم التداول بشأنها، ونقاط التلاقي التي سوف يتم التأكيد عليها، فما الذي تريده الصين؟ وماذا عن الممالك الخليجية؟ وبالذات، ماذا عن المملكة العربية السعودية؟

ويعتقد الكاتبان أن أهداف الصين ودول الخليج تتلاقى في العديد من المجالات، حيث يتوقع لها أن تفرز أوجه جديدة للتآزر.

وعرج المقال على تاريخ المحادثات بخصوص اتفاق تجارة حرة بين مجلس التعاون الخليجي والصين والذي مر بطريق طويل ومليء بالمطبات، حيث بدأت المحادثات في العام 2004، ثم ما لبثت أن توقفت في عام 2009، واستؤنفت مرة أخرى في عام 2016، لتتوقف ثانية في عام 2017، عندما وصلت الانقسامات بين دول مجلس التعاون الخليجي ذروتها بتفجر الأزمة الدبلوماسية مع قطر.

ولكن في عام 2021، استعادت ممالك الخليج الروابط فيما بينها، وعادت تعمل ككتلة واحدة من جديد، وفي الوقت الحالي، لا يتكتم زعماء الصين ودول مجلس التعاون الخليجي على ذلك، ويبدو أن الوقت قد حان أخيراً لإنضاج ما لم يزل منتظراً منذ وقت طويل، ألا وهو إبرام اتفاق تجارة حرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. وكان سفير الصين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة قد قال مؤخراً إن المفاوضات بشأن اتفاق التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي دخلت “المرحلة الأخيرة والحرجة”، وإن الجانبين “توافقا فيما بينهما على معظم الأمور”.

وبحسب المقال فمن المتوقع أن يجلب ذلك فوائد متبادلة كبيرة، حيث كان من المحتمل أن تحل الصين في عام 2020 محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي، إذ تقدر قيمة التجارة المشتركة بما يقرب من 161.4 مليار دولار، ومن المروض أن يزيد اتفاق التجارة الحرة منسوب التجارة الدولية بين الصين والكتلة الخليجية. 

نفط مسعر باليوان

خلال الست سنوات الماضية، كانت المحادثات تجري بين بكين والرياض حول إبرام عقود نفط مسعر باليوان، ولعل القمة توفر منصة لنقاشات مركزة على هذا الموضوع.

يعتقد الكاتبان أن جهود الصين لتدويل اليوان تجد في الرياض شريكاً جذاباً، وذلك أن بكين تشتري أكثر من 25 بالمئة من صادرات المملكة النفطية، وفيما لو تم تسعير هذه الصفقات باليوان، فمن الممكن أن يساعد النفط السعودي الرينمنبي الصيني على تعزيز مكانته في سوق العملات العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمثل هذا التحرك أن يشكل سابقة ويدفع بالبلدان النفطية الأخرى نحو اللحاق بالركب وتسعير صادراتها باليوان.

ولكن من المهم النظر إلى هذه السيناريوهات بشيء من الحذر؛ فلم يزل الدولار، ومنذ أمد بعيد، هو العملة الرسمية للتعامل داخل سوق الطاقة، فالمملكة العربية السعودية تستخدمه منذ عام 1974، وذلك بعد اتفاق تم إبرامه مع إدارة الرئيس نيكسون الذي أوجد الصيغة التي تعرف على نطاق واسع بصفقة “النفط مقابل الأمن”، حيث يرتبط الريال السعودي بالدولار، بمعني أن أي ضعف يطرأ على العملة سيكون له أثر مباشر على الرياض أيضاً.

وذكر المقال أن المملكة قد تتردد في مراكمة كميات كبيرة من الرينيمبي الصيني، إلا أن العقوبات التي فرضت على روسيا أثارت المخاوف من جديد بشأن المنظومة التجارية التي يهمين عليها الدولار، مما يقود إلى احتمالية البحث من قبل بلدان مثل المملكة العربية السعودية عن سبيل لتقليص اعتمادها على تلك العملة. 

تبدي الصين استعداداً لتدويل اليوان من خلال منح حوافز مغرية للمملكة، على سبيل المثال من خلال الاستثمار بمبالغ ضخمة في المشاريع الضخمة الطموحة التي يرغب السعوديون في إنجازها، فمن المؤكد أن تجدد النقاش حول صفقات نفطية بعملة البيترويوان (عملة الصين للتجارة النفطية) يحمل مؤشراً على أن أعراف النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة آخذة في التراجع بشكل متزايد بفعل بدائل جديدة باتت متوفرة.

واعتبر الكاتبان أن توسيع كتلة البريكس – وهو التجمع الذي تنتمي إليه الاقتصاديات الصاعدة في العالم: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا- يشكل أفقا آخر تنسجم من خلاله غايات مجلس التعاون الخليجي مع مصالح بكين، حيث أعلن وزير خارجية الصين وانغ يي مؤخراً عن فكرة “بريكس زائد”، كإطار يسمح بانفتاح المنظمة والترحيب بانضمام أعضاء جدد.

وفي حينه سارعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى التعبير عن اهتمامهما ورغبتهما في الانضمام، بالإضافة إلى المحادثات حول اتفاق تجارة حرة وحول صفقات نفط يتم إبرامهما بالبترويوان، حيث يمكن أن تشهد القمة الصينية العربية محادثات حول “بريكس بلس” أيضا.

حينما كشف محمد بن سلمان في عام 2016 عن خطة الإصلاح المعروفة برؤية 2030، صرح قائلا: “لقد أصبح لدينا حالة من الإدمان على النفط في المملكة العربية السعودية”.

التنويع

غدت كلمة “الرؤى” عبارة مألوفة في منطقة الخليج، بحيث أن كل واحدة من الممالك الست رسمت لنفسها خطة استراتيجية لتنويع مصادر الإيرادات، والابتعاد شيئاً فشيئاً عن الاقتصاد القائم على النفط، حيث أطلقت قطر “الرؤية الوطنية للعام 2030″، بينما أعلنت الكويت عن “رؤية 2035″، وسلطنة عُمان عن “رؤية 2040″، وأعلنت البحرين عن “الرؤية الاقتصادية 2030″، والإمارات العربية المتحدة عن “نحن الإمارات 2031”.

وذكر المقال أن من القطاعات الأساسية في عمليات التنويع هذه قطاع التجارة البحرية، الذي سيشهد إنشاء بنى تحتية للموانئ، وتطوير قطاع يعتمد بقوة على التكنولوجيا الحديثة. وفي هذا المجال، لا يوجد أفضل من مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، بما تشتمل عليه من بنى تحتية وفرص تكنولوجية، لمساعدة دول الخليج على التعافي من “إدمانها على النفط”.

وفي هذا المجال، تلعب تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية دوراً أساسياً في مساعدة الإماراتيين والسعوديين على تطوير “الموانئ الذكية” لديها، وتعزيز كفاءاتها التشغيلية. 

ففي أبو ظبي، تقوم مؤسسة الكهرباء الذكية الصينية “إن دبليو تي إن” بإنشاء مرفق لإنتاج العربات الكهربائية، وفي الجوار، في مدينة دبي، المركز الحضري العصري، حيث تم للمرة الأولى إطلاق السيارة الطائرة التي صنعتها شركة جبينغ إيروهت الصينية، وهي سيارة تتميز بالقدرة على تفادي الازدحام المروري، والتي بحسب الخبراء ستكون جاهزة للاستخدام خلال ما يقرب من خمسة أعوام على الأكثر.

التوترات الأمريكية السعودية

يعتقد الكاتبان ريناودو وليوني أن القمة الصينية العربية جاءت في زمن تدهور العلاقات بين واشنطن والرياض، خاصة أن قرار المملكة الأخير خفض إنتاج النفط، ورفع أسعار الخام، وهو ما اعتبر في الولايات المتحدة بمثابة صفعة على الوجه من قبل حليف قديم.

كما أن استضافة الرياض لقمة صينية عربية يبعث برسالة إلى الأمريكيين، مفادها أن المملكة العربية السعودية تنوي بكل وضوح سلوك طريق أكثر استقلالاً في صناعة قرارها.

وهو طريق من شأنه أن يجعل الرياض تتردد في السماح للولايات المتحدة بالتحكم بتحالفاتها، بل على العكس من ذلك، ما من شك في أن الخليج من خلال هذه القمة إنما يمهد لتحصيل مزيد من الفوائد من وجود الصين في المنطقة.

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد كتب في صحيفة “ذي نيويورك تايمز”، في شهر يوليو/ تموز، أنه سوف يسافر إلى الشرق الأوسط لفتح “صفحة جديدة واعدة فيما يتعلق بدور ووجود الولايات المتحدة في المنطقة”.

 وزعم كذلك أنه من أجل التفوق على الصين، فإن الولايات المتحدة تحتاج لأن تشتبك مع بلدان مثل المملكة العربية السعودية، وحتى الآن لا يبدو أن تلك الجهود أثمرت ما يمكن أن يعول عليه.

واختتم الكاتبان مقالها بالقول إنه ليس واضحاً بعد كيف سترد واشنطن في المستقبل، قد يكون من الضرورة بمكان صياغة سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط إذا ما أرادت أن تستعيد النفوذ الذي يبدو واضحاً أنها فقدته.

مقالات ذات صلة