بقلم منال شقير
ترجمة وتحرير مريم الحمد
انطلقت فعاليات قمة المناخ الثامنة والعشرون التي ترعاها الأمم المتحدة في دبي مؤخراً، وذلك بحضور الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة حول تغير المناخ والبالغ عددها 198 دولة.
قبل أشهر من انعقاد القمة، أثار تعيين الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، سلطان الجابر، رئيساً لمؤتمر “كوب 28” ردود فعل عنيفة، خاصة بعدما كشفت وثائق مسربة عن نية الإمارات استغلال الحدث للترويج لشركات النفط والغاز لديها، وهو غضب لا يجب أن يتوقف عند زيف توجه الإمارات نحو الحفاظ على البيئة، ولكن أيضاً لأن الإمارات لعبت دوراً رئيسياً في التطبيع مع إسرائيل وفي تعزيز موقفها السياسي والدبلوماسي في المنطقة العربية رغم فظائعها ضد الشعب الفلسطيني.
المشاريع البيئية العربية الإسرائيلية المشتركة هي شكل من أشكال “التطبيع البيئي”، حيث تعزز الغسل الأخضر الذي تحاول إسرائيل تثبيته في مستوطناتها
وفوق ذلك كله، رحبت الإمارات العربية المتحدة بمشاركة إسرائيل في القمة رغم الدعوات الفلسطينية لمحاسبة إسرائيل على جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
“التطبيع البيئي”
عام 2020 ، قامت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان بتوقيع اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل ، وهي صفقة تطبيع بوساطة أمريكية تسعى إلى تعزيز العلاقات القائمة بشكل رسمي وغير رسمي مع الدول العربية الأخرى، وخلال عامين، وقعت إسرائيل مع دول الاتفاقية عدة مذكرات تفاهم لتنفيذ مشترك لمشاريع بيئية تتعلق بالطاقة المتجددة والأعمال التجارية الزراعية والمياه.
تعامل إسرائيل المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية باعتبارها مكبات لنفاياتها الأكثر خطورة، وهو ما تؤكده توثيقات جماعات حقوق الإنسان، حيث تم نقل الصناعات الأكثر تلويثاً في إسرائيل إلى الضفة الغربية!
في فصل من كتابي الذي نُشر مؤخرًا بعنوان “تفكيك الاستعمار الأخضر: الطاقة والعدالة المناخية في المنطقة العربية”، أتطرق إلى الحديث عن أن المشاريع البيئية العربية الإسرائيلية المشتركة هي شكل من أشكال “التطبيع البيئي”، حيث تعزز الغسل الأخضر الذي تحاول إسرائيل تثبيته في مستوطناتها.
ترى إسرائيل في قمة المناخ فرصة مهمة لتعزيز استراتيجية الغسل الأخضر، ووسيلة للتطبيع وصرف الانتباه عن القمع الناتج عن نظام الفصل العنصري الاستعماري الاستيطاني على الشعب الفلسطيني وما يخلفه من مظالم بيئية، وبعد اتفاقيات التطبيع، صارت القمة ذات أهمية أكبر بالنسبة لإسرائيل، كمساحة لعقد صفقات التطبيع البيئي مع دول عربية أخرى.
على سبيل المثال، وصفت وزارة الخارجية الإسرائيلية المشاركة في قمة المناخ لعام 2022، والتي عقدت في شرم الشيخ في مصر، بأنها “المشاركة الأكثر أهمية منذ بدء المؤتمرات الدولية حول هذا الموضوع”، حيث روجت إسرائيل خلاله لـ 10 شركات تكنولوجيا في مجال المناخ والبيئة، كما وقعت إسرائيل مذكرة تفاهم بوساطة الإمارات مع الأردن لدراسة الجدوى حول مشروعي “الازدهار الأزرق” و”الازدهار الأخضر”.
وتنص بنود الاتفاقية المفترضة على أن يشتري الأردن 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً من محطة تحلية المياه الإسرائيلية، حيث يتم إنشاؤها على ساحل البحر الأبيض المتوسط وهذا المقصود بـ”الازدهار الأزرق”، وكان من المفترض أن يتم تشغيل محطة تحلية المياه بواسطة محطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 600 ميجاوات سيتم بناؤها في الأردن من قبل شركة إماراتية.
إعطاء مساحة لإسرائيل في قمة المناخ في دبي لتروج لصورة خضراء لنفسها، يعد تواطئاً في حرمان الشعب الفلسطيني من الحرية وتقرير المصير والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن العدالة المناخية
وفي يونيو 2023، وفي إطار الاستعداد للقمة، التقى الجابر بوزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بالإضافة إلى مسؤولين أردنيين وأمريكيين في الإمارات، بهدف تحريك مشروع الازدهار، لكن إتمام الاتفاقية تعطل عندما أعلن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن الأردن لن يمضي قدماً في توقيع الاتفاقية، موضحاً أن السبب كان المجازر الإسرائيلية في غزة.
من جانب آخر، لا تزال مشاريع التطبيع البيئي الأخرى بين إسرائيل والدول العربية، بما في ذلك مشروع الطاقة المتجددة، قائمة رغم الاحتجاجات الدولية والإقليمية، وهو مشروع سوف تنفذه شركتان إسرائيليتان في الإمارات والأردن والبحرين والمغرب ومصر وعمان والسعودية.
فلسطين هي قضية عدالة مناخية
لقد بدأ الاستغلال الإسرائيلي للأرض وتدهور الأراضي الفلسطينية والموارد الطبيعية منذ إقامة إسرائيل على 78% من فلسطين التاريخية وطرد أكثر من 750 ألف شخص خلال النكبة.
ويضاف إلى سياسات إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي واغتصاب الموارد الطبيعية، ممارستها للفصل العنصري المناخي ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تعامل إسرائيل المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية باعتبارها مكبات لنفاياتها الأكثر خطورة، وهو ما تؤكده توثيقات جماعات حقوق الإنسان، حيث تم نقل الصناعات الأكثر تلويثاً في إسرائيل إلى الضفة الغربية!
من جانب آخر، فقد أدى الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للبنية التحتية المدنية في قطاع غزة إلى أضرار بيئية كارثية، حيث جعلت المظالم البيئية الإسرائيلية الشعب الفلسطيني غير قادر على التخفيف من مخاطر أزمة المناخ، والتي تؤثر أيضًا على مقاومتهم للمصادرة الاستيطانية الإسرائيلية.
وتعمل علاقات التطبيع البيئي مع إسرائيل على تعزيز جهود الغسل الأخضر لصرف الانتباه عن سياسات وممارسات التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، حيث أن رواية الغسل الأخضر تمثل خدعة إسرائيلية لتظهر كوكيل بيئي أخلاقي.
ومن هنا، فإن إعطاء مساحة لإسرائيل في قمة المناخ في دبي لتروج لصورة خضراء لنفسها، يعد تواطئاً في حرمان الشعب الفلسطيني من الحرية وتقرير المصير والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن العدالة المناخية.
يذكر أن هناك جهوداً متصاعدة لمواجهة الغسل الأخضر الإسرائيلي، مثل وقفة نشطاء المناخ الشباب مثل غريتا ثونبرج، التي هتفت في احتجاج في أمستردام “لا عدالة مناخية على الأراضي المحتلة”.
من جهتي، فقد قمت مؤخراً برفض دعوة لتقديم وجهة نظري إلى المجموعات الشعبية المشاركة في قمة المناخ، احتجاجًا على تواطؤ الإمارات مع نظام الفصل العنصري في إسرائيل، وهو موقف استلهمته من حركة المقاطعة BDS، خاصة وأن سجل التطبيع الإماراتي الإسرائيلي مليء بانتهاكات حقوق الإنسان واستغلال العمال المهاجرين وارتكاب جرائم حرب في اليمن.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)