بقلم كاثرين هيرست
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
حينما كانت طفلة، قامت عبير بطمة بغرس أول شجرة زيتون في بستان عائلتها بالقرب من بيت لحم، لكنها اليوم كما العديد من الفلسطينيين في قرية بتير في الضفة الغربية المحتلة، تتذكر بشكل مؤلم ذلك اليوم الذي اقتلع فيه الجنود الإسرائيليون تلك الشجرة.
فعلى مدى عقود، كافحت العائلات الفلسطينية من أجل رعاية أراضيها وجني محاصيلها الواقعة في “المنطقة ج” التي تشكل ما يقرب من 70% من مساحة الضفة الغربية، وهي أكبر المناطق الثلاث التي أفرزتها اتفاقيات أوسلو، وكان من المفترض أن يتم “إعادتها تدريجياً إلى الفلسطينيين”.
لا تزال المنطقة تحت السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي ما يضطر المزارعين إلى الحصول على تصاريح للوصول إلى أراضيهم والعناية بأشجارهم.
وعندما أنهت أمطار الخريف الأولى من هذا العام شهوراً من الجفاف وكانت الأغصان مثقلةً بالفاكهة، مُنعت عائلة بطمة من الاعتناء ببستانها.
وبالرغم من ذلك، قالت بطمة إن إعادة زراعة شجرة الزيتون تلك علمتها المفهوم الفلسطيني للصمود، موضحةً: “عندما اقتلعوا الشجرة، قمنا بإعادة زراعتها، لقد كان هذا شكلاً من أشكال المقاومة”.
ووفقاً لبطمة فإن إعادة زرع الشجرة أكدت من جديد فهمها أن أزمة المناخ بالنسبة للفلسطينيين ليست ظاهرة طبيعية، بل هي ظاهرة سياسية.
وتعتبر عبير والعديد من دعاة حماية البيئة الفلسطينيين، أنه لن يكون من المنطقي حضور قمة الأمم المتحدة للمناخ المعروفة باسم Cop28، والتي تعقد في دبي هذا الأسبوع، بالنظر إلى كل ما يحدث في غزة.
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة المحاصر والذي أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 16 ألف فلسطيني، قامت الحكومة الإسرائيلية بتقليص وفدها إلى قمة المناخ.
لكن من المرجح أن تعرض مجموعة من الشركات البيئية الإسرائيلية الناشئة عددًا كبيرًا من تقنيات التكنولوجيا الصديقة للبيئة في القمة.
وقالت بطمة: “سيقومون بالترويج لأنفسهم كشركات محترفة في إعادة التدوير والطاقة النظيفة وإدارة المياه والزراعة المستدامة والمباني الصديقة للبيئة، لكن بالنسبة للواقع تعالوا وانظروا إلى ما يحدث في فلسطين”.
الأشجار أصبحت كالأسلحة
وبالنسبة للعديد من المدافعين عن البيئة، تعتبر الاعتداءات على الزراعة الفلسطينية جزءًا من استراتيجية إسرائيلية أوسع للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والسيطرة عليها، إلى جانب محو الهوية الفلسطينية، ولتحقيق هذه الغاية، يُنظر إلى الأشجار كسلاح في الأراضي المحتلة.
فبعد النكبة وما تخللها من عمليات التطهير العرقي وتدمير المجتمعات الفلسطينية عام 1948 على يد العصابات الصهيونية، قام الصندوق القومي اليهودي بزراعة غابات من أشجار الصنوبر على أنقاض القرى الفلسطينية.
وكشف تقرير صدر عن الجمعية الإسرائيلية لحماية الطبيعة عام 2013 عن الأثر المدمر لمشاريع التشجير على التنوع البيولوجي المحلي.
وقال كاميل مرو، منسق مبادرة الإصلاح العربي: “لقد كانت حملة لتغيير التنوع البيولوجي في فلسطين حرفيًا”.
وأضاف: ” قدّرت إسرائيل أن إحدى الطرق التي يمكنها من خلالها محو ذاكرة فلسطين لاستكمال التطهير العرقي هي ارتكاب إبادة بيئية”.
وتواصل مشاريع الصندوق القومي اليهودي القضاء على النباتات والحيوانات واستبدال المجتمعات المحلية، مثل المجتمعات البدوية في النقب، التي تم تهجيرها بشكل متكرر لإفساح المجال أمام غابات الصندوق القومي اليهودي.
التعطيش كاستراتيجية
كما استخدمت إسرائيل المياه منذ فترة طويلة كسلاح لتهجير المجتمعات الفلسطينية قسراً.
ففي عام 1954، بدأت شركة المياه الوطنية الإسرائيلية بتحويل مياه نهر الأردن لري بساتين الحمضيات الإسرائيلية في منطقة النقب، ما أدى إلى جفاف النهر واستنفاد البحر الميت، وهو ما خلق أزمة مياه خلص تقرير للكنيست عام 2002 إلى أنها كانت “عملية من صنع البشر بالكامل”.
وفي حزيران/ يونيو 1967، وبعد أن سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة، عززت قبضتها على جميع موارد المياه والبنية التحتية في الأراضي المحتلة.
وتقول منى الدجاني، مسؤولة الأبحاث في مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية :” في المنطقة (ج)، في مسافر يطا، في تلال جنوب الخليل، أو في وادي الأردن، يمثل العطش استراتيجية لتركيع هذه المجتمعات ودفعها إلى الرحيل”.
وخلص بحث أجراه معهد المحيط الهادئ إلى أن إسرائيل كانت أحد المحركات الرئيسية لتصاعد العنف المرتبط بالمياه عام 2022.
ووسط الهجوم الأخير على غزة، تسبب قطع إسرائيل للمياه والكهرباء عن القطاع المحاصر، والاستهداف المتكرر لمحطات تحلية المياه في تفاقم مشكلة المياه الحالية.
وبينما يتعين على الفلسطينيين التقدم للحصول على تصاريح لبناء خطوط الأنابيب، قامت شركة المياه الوطنية الإسرائيلية، ميكوروت، بحفر الآبار واستغلال الينابيع لضخ إمدادات غير محدودة من المياه إلى المستوطنات اليهودية، وبيعها مرة أخرى للسكان الفلسطينيين مقابل مبالغ باهظة، وفقًا لمنظمة العفو الدولية المختصة بحقوق الإنسان.
كما أخضعت إسرائيل الوصول إلى مياه الأمطار للرقابة، بعدما حظرت تجميع مياه الأمطار في جميع أنحاء الضفة الغربية.
وفي المحصلة، فقد مارست إسرائيل “الفصل العنصري في المياه” وفقاً لمنظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان، حيث يستهلك الإسرائيليون ثلاثة أضعاف الكمية التي يستهلكها الفلسطينيون في الضفة الغربية.
غير أن إسرائيل ترفض مثل هذه الادعاءات، بحجة أن السبب وراء ممارساتها يرجع إلى “ندرة المياه” مدعيةً أن لديها الكثير من الإصلاحات التقنية، ومن بينها خطة مدتها خمس سنوات من قبل “صندوق المناخ الأخضر” لإعادة استخدام مياه الصرف الصحي لأغراض الزراعة المستدامة.
وقالت بطمة: “بدون الاحتلال لدينا ما يكفي من المياه لخدمة المجتمعات الفلسطينية، ولكن مع الاحتلال الإسرائيلي نعاني من نقص المياه”.
دبلوماسية مناخية فعالة
وقد ألقت أسابيع من الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر بظلالها على محادثات المناخ.
فعلى الرغم من قيام السلطة الفلسطينية بتشييد جناحها الأول في المؤتمر، لم يكن هناك سوى 10 شخصيات فلسطينية حاضرة في بداية المؤتمر.
وقالت هديل خميس، الخبيرة في مجال تغير المناخ في السلطة الفلسطينية “نحن هنا جميعًا معًا، كل العالم معًا لمكافحة تغير المناخ، لكن في الواقع، ما الذي نتفاوض من أجله وسط الإبادة الجماعية؟”
لكن مسيرة مؤيدة لفلسطين كسرت حاجز الصمت في المؤتمر يوم الأحد في أول احتجاج فلسطيني على الإطلاق داخل الإمارات العربية المتحدة.
وعقب منعهم من رفع العلم الفلسطيني، رفع النشطاء البطيخ عالياً وهتفوا “لا عدالة مناخية دون حقوق الإنسان”.
ووفقًا للناشطين، فقد وفر المؤتمر منذ فترة طويلة منصة لاستراتيجية التخضير التي تنتهجها إسرائيل، ولكن منذ التوقيع على اتفاقيات أبراهام بوساطة أمريكية، أصبح المؤتمر مساحة لمواصلة جهود التطبيع تحت ستار أمن الطاقة.
وبموجب الاتفاق الموقع مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان لاحقًا، وقعت إسرائيل والدول العربية المطبعة عددًا كبيرًا من مذكرات التفاهم لتنفيذ مشاريع الأعمال الزراعية والمياه والطاقة المتجددة.
ووصفت الشبكة الفلسطينية هذه المشاريع بأنها شكل من أشكال “التطبيع البيئي” الذي يلعب دورًا محوريًا في جهود إسرائيل لإضفاء اللون الأخضر على قمعها للفلسطينيين.
وبالنسبة للدجاني، التي وثقت النضال من أجل الأرض والمياه في مرتفعات الجولان المحتلة، فإن دبلوماسية المناخ في مؤتمر Cop28 هي مجرد أداء صوري بعيد كل البعد عن المعاناة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون في الواقع حيث الاستهداف المتواصل للبيئة والبنى التحتية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)