ترجمة وتحرير موقع بالعربية
في مشهد من الاستعراض الذي يعشقه بشدة، ظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال قمة شرم الشيخ للسلام وكأنه يحتفل بانتصار شخصي بعد عامين من الحرب المدمّرة على غزة، جامعًا بين الحفاوة الدبلوماسية والضوء الإعلامي وجائزة نوبل المقترحة، بينما تسعى العواصم العربية إلى إبقائه مهتمًا بالتفاصيل الشائكة التي تلي وقف إطلاق النار.
استعراض القوة في الشرق الأوسط
بدأ ترامب جولته الشرق أوسطية من الكنيست الإسرائيلي، قبل أن يحطّ في منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر، حيث استقبله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسط استعراض للطائرات الحربية المصرية، ليقول ترامب عند هبوطه: “الحرب في غزة انتهت… والآن يبدأ الإعمار.”
تأخر ترامب نحو ثلاث ساعات عن موعده، لكن القادة انتظروا، وكان في استقباله السيسي الذي سبق أن رفض محاولات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، لكن هذه المرة، تغيّر المشهد؛ فقد أشاد ترامب بالرئيس المصري وشكره على “جهوده في استخدام علاقاته مع حماس لإنجاز اتفاق وقف إطلاق النار”.
وإلى جانب ترامب، وقّع كل من السيسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وثائق الاعتراف باتفاق وقف إطلاق النار.
”انتصار دبلوماسي“ أم فخ سياسي؟
وصفت ميريسا خورما، الزميلة غير المقيمة في معهد بيكر، القمة بأنها “جولة انتصار لترامب”، مضيفة: “يستحق ترامب الإشادة لإتمام الاتفاق، لكننا كنا نعلم جميعًا أن الأمر احتاج فقط إلى الضغط على نتنياهو.”
بدت القمة، التي ضمّت قادة من دول الخليج وأوروبا وآسيا، مصممة لتكون مسرحًا يسطع فيه نجم ترامب، فقد خاطب الحاضرين بتفاخر وسخرية في آنٍ واحد، مثنيًا على “الدول الغنية في الخليج”، وموجّهًا تحية لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ومادحًا نظيرته الإيطالية جورجيا ميلوني بوصفها “امرأة جميلة وشابة”.
وفي موقف آخر، سخر من النرويج وانتقد إسبانيا بصوت منخفض، مشيرًا إلى أنه “أنهى بعض الحروب الصغيرة” بالإشارة إلى قادة أرمينيا وأذربيجان.
وفي مفاجأة لافتة، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف ترشيح ترامب علنًا لجائزة نوبل للسلام المقبلة.
أما خلف الأضواء، فكانت هناك خشية عربية من أن يفقد ترامب اهتمامه بالقضية بمجرد إعلان وقف النار، وحول ذلك قال دبلوماسي عربي لـ ميدل إيست آي: “كان ذلك فخًا دبلوماسيًا لضمان ألا تستأنف دولة الاحتلال الحرب، ولإبقاء ترامب منخرطًا في المراحل التالية.”
مرحلة جديدة تبدأ في غزة
وبحلول وصول ترامب إلى مصر، كانت المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة قد أُنجزت تقريبًا، حيث انسحب جيش الاحتلال من وسط القطاع مع بقائه مسيطرًا على نحو 58% من أراضيه، فيما أُفرج عن آخر 20 أسيرًا من المحتجزين لدى المقاومة مقابل أسرى فلسطينيين.
وقال ترامب أمام الصحفيين: “بدأت المرحلة الثانية كما نراها… يمكنكم البدء في تنظيف المكان.”
ترك ترامب القضايا الصعبة – كمسألة نزع سلاح حماس، وانسحاب جيش الاحتلال الكامل، ومستقبل الحكم في غزة – لوقت لاحق، ووفقًا لمسؤولين أميركيين وعرب، فإن مشاورات بين أطراف عربية وأوروبية وأميركية ستبدأ قريبًا لوضع ترتيبات قوة دولية تدخل إلى القطاع.
وفي خطوة أثارت الجدل، أعلن ترامب أن واشنطن وافقت على انتشار قوات أمن تابعة لحماس في غزة “لمنع الجريمة”، دون ذكر ترتيبات أمنية مع السلطة الفلسطينية.
إعمار غزة… من سيدفع الفاتورة؟
تحدث ترامب بحماس عن “الكثير من الأموال التي ستتدفق إلى غزة”، متوعدًا بالإعلان العلني عن أسماء الدول المانحة ومبالغ مساهماتها، لكن ميريسا خورما حذرت قائلة: “ليس واضحًا أن دول الخليج ستدفع شيكًا على بياض لإعادة الإعمار.”
فبينما تختلف قطر والإمارات حول من سيحكم القطاع، تعاني السعودية من عجز مالي متزايد بسبب مشاريع “رؤية 2030” لولي العهد محمد بن سلمان.
ورغم حديث ترامب عن “الناس في غزة”، تجاهل في خطابه لفظ “الفلسطينيين”، كما لم يتطرق إلى “المعاناة والمجازر”، بحسب خورما، التي أكدت: “لم يكن الفلسطينيون على الطاولة عندما صاغ ترامب نقاطه العشرين.”
غزة… جرح مفتوح رغم الاتفاق
خلف الكواليس، لا تزال غزة مدينةً مدمّرة بالكامل بعد عامين من قصف دولة الاحتلال، حيث قُتل أكثر من 67 ألف فلسطيني في حرب وصفتها الأمم المتحدة بأنها إبادة جماعية، وبينما يستعرض ترامب أضواء المجد، تبقى الأنقاض شاهدة على المأساة الإنسانية الأكبر في هذا القرن، وسؤال الإعمار بلا إجابة واضحة: من سيدفع، ولمن؟
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)