قنينة ماء بدل جهاز تنفس: طفلة غزّية تصارع الربو تحت حصار خانق

بقلم مها الحسيني 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

بشق الأنفس، تمكن الأطباء من إنقاذ الطفلة مايان بأعجوبة من نوبة ربو هددت حياتها، فيما أخذت والدتها مرام مناع تتوسل إليهم لتوفير العلاج المناسب لمنع عودة النوبات لابنتها.

كانت الأم الفلسطينية تنظر بقلق إلى ثلاثة أطفال آخرين بجانب سرير ابنتها في مستشفى ميداني وسط غزة، وعندما عاد الطبيب أخيرًا، كان يحمل قارورة بلاستيكية فقط، صُنعت على شكل فاصل مؤقت، متصل بجهاز استنشاق أقوى بكثير من قدرة طفل في مثل عمر مايان على التعامل معه.

قال الطبيب للأم: “هذا كل ما لدينا”، فمع منع الاحتلال دخول جميع البضائع والمساعدات، بما في ذلك الإمدادات الطبية، إلى غزة لأكثر من شهرين، يلجأ الأطباء الآن إلى بدائل يائسة للأجهزة الطبية المعتمدة التي نفدت.

وتقول مناع إن ابنتها، مايان، البالغة من العمر ثلاث سنوات، تعاني من الربو منذ ما يقرب من عامين، غير أن حالتها “ساءت بشكل كبير” منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأضافت مناع، البالغة من العمر 33 عامًا، لموقع ميدل إيست آي: “في البداية، كان من الصعب نقلها، كنت على اتصال بطبيب في مستشفى النصر بمدينة غزة، لكن الوصول إلى المستشفى كان مستحيلًا، فنحن نعيش في المنطقة الوسطى، والفصل بين الشمال والجنوب حال دون وصولها إلى هناك”.

وبعد حوالي أسبوع من بدء عدوانه على غزة، أصدر جيش الاحتلال أول أوامره بالطرد، مطالبًا سكان مدينة غزة وشمالها بالتوجه جنوب وادي غزة، وبعد أسابيع، أغلق الجيش شمال القطاع بالكامل وبدأ باستهداف أي شخص يحاول العبور من الجنوب أو الوسط إليه.

وقد أدى هذا الإجراء إلى عزل عدد لا يحصى من المرضى عن أطبائهم والمستشفيات التي يعالجون فيها وحرمهم أي فرصة للحصول على الرعاية الصحية المناسبة.

“أشعر بالعجز”

خلال إحدى نوبات الربو التي أصابت مايان، بدأت تفقد وعيها، وبدأت الرغوة تخرج من فمها، وفقًا لوالدتها، التي تتذكر ذلك قائلة: “اضطررتُ إلى نقلها بسرعة إلى أقرب مستشفى، وصلنا في اللحظة الأخيرة، في الوقت المناسب تمامًا لوضعها على جهاز التنفس الصناعي”.

كانت مايان تعتمد على بخاخات فينتولين، ولكن مع تدهور حالتها، أصبح العلاج مجرد حل مؤقت، حيث قالت والدتها “أنا كأم، أشعر بالعجز في خضم مشقة الحرب، فلا خيارات أمامي سوى البخاخات والمضادات الحيوية ومسكنات الألم المؤقتة، وحتى المضادات الحيوية والبخاخات التي كانت تُساعدها باتت الآن بالكاد تُجدي نفعًا، حالتها تتدهور باستمرار.”

وحتى بعد وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني، عندما انسحبت قوات الاحتلال من معبر نتساريم وأعادت فتح الحركة لفترة وجيزة بين شمال غزة وجنوبها، لم تستطع مناع إعادة ابنتها إلى مستشفى النصر في مدينة غزة.

“عندما تمرض مايان، لا تستطيع اللعب أو الحركة على الإطلاق، حتى أدنى جهد يُفقدها أنفاسها” – مرام مناع، أم فلسطينية

تعرض المستشفى لاقتحام وقصف من قبل قوات الاحتلال فلم يعد يعمل عقب الدمار الذي لحق بنظام الرعاية الصحية في غزة وقصف المستشفيات، واستهداف الطاقم الطبي، وانقطاع الإمدادات الأساسية بسبب حصار الاحتلال المطول.

واعتبارًا من أبريل/نيسان، أُجبر قصف الاحتلال المتواصل 27 مستشفى في أنحاء قطاع غزة على الخروج من الخدمة، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة.

كما أدى الحصار إلى إفراغ رفوف المستشفيات من الادوية والمعدات، حيث نفدت الآن ما لا يقل عن 40% من الأدوية الأساسية و60% من المستلزمات الطبية.

جهاز يدوي

وفي محاولة يائسة لإيجاد حل، لجأت مناع مؤخرًا إلى المستشفى الميداني الأمريكي في دير البلح، وسط غزة، على أمل إيجاد علاج مناسب لحالة ابنتها المتدهورة، وقالت: “أعطوها دواءً للربو مخصصًا لفئة عمرية مختلفة، لمجرد عدم وجود بديل”.

وعندما طلبت فاصلًا لتنفس، عاد الطبيب بآخر مصنوع يدويًا من قارورة ماء بلاستيكية، حيث قالت عن ذلك المشهد “لقد صُدمت، وسألت: ما هذا؟ وعندما أخبروني أنه بديل للجهاز الحقيقي، تمنيت لو تنشق الأرض وتبلعني.”

وتتابع مناع: “ابنتي مريضة الربو تضطر للتنفس عبر زجاجة لتبقى على قيد الحياة، أين حقوقنا كبشر؟ أين حق هذه الطفلة في العلاج والسلامة؟”.

طلبت مناع إحالة طبية لمواصلة علاج ابنتها في الخارج، ولكن مع العدد الهائل من المرضى والجرحى الذين يُعتبرون “أكثر إلحاحًا” من مايان، لم يتمكن الأطباء من إضافتها إلى قائمة الإجلاء الطبي الطويلة أصلًا.

وأضافت: “أخبروني أن حالتها تُعتبر مستقرة مقارنةً بعشرات الآلاف الآخرين الذين ينتظرون السماح لهم بالسفر”.

ووفقًا لمجلة لانسيت الطبية، مقابل كل حالة وفاة مباشرة ناجمة عن الهجمات العسكرية في غزة، هناك حوالي أربع وفيات غير مباشرة ناجمة عن الجوع والمرض وانهيار خدمات الرعاية الصحية.

وحتى الآن، قتلت قوات الاحتلال بشكل مباشر أكثر من 52,500 فلسطيني في غزة، من بينهم أكثر من 15,000 طفل، وجرحت 118,000 آخرين، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.

“تلهث بحثًا عن الهواء”

ومايان هي الأخت التوأم لجوان، التي تتوقف دائمًا عن اللعب كلما أصيبت مايان بنوبة ربو رغم أنها بحالة صحية جيدة.

تجلس جوان بشكل تلقائي بجانب أختها، تراقبها وهي تكافح لالتقاط أنفاسها، وترفض استئناف ألعابها حتى تزول النوبة.

وقالت مناع: “عندما تمرض مايان، لا تستطيع اللعب أو الحركة على الإطلاق، حتى أدنى جهد يجعلها تلهث، فتحاول جوان مواساة أختها بالأحضان والقبلات، إنها تتفهم أن مايان مريضة، وغالبًا ما تتأثر عندما تراها تتألم”.

وأوضحت مناع: “أشعر بالحزن عليهما، فما هكذا ينبغي أن تكون الطفولة، أي أم أو أب يستطيعان أن يشاهدا أطفالهما هكذا، يلهثون بحثًا عن الهواء مرارًا وتكرارًا، و يعجزان عن مساعدتهما؟”

ولمنع النوبات، تُعطي مناع طفلتها جهاز استنشاق كل 15 دقيقة، وقالت: “مايان تختنق، وأضطر لإعطائها هذا الجهاز، أحيانًا كل 10 دقائق، هذا خطر على قلبها، وجسمها النحيل، إنه يفوق طاقتها، لكن لا شيء آخر أستطيع فعله”.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة