على مدار أربعين عاماً ظلت المكتبة التعليمية المملوكة لعائلة مُنى مكاناً آمناً وسط تصاعد الترهيب والتطهير العرقي في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين.
وكان الفلسطينيون يستخدمون المقهى المعروف فوق متجر المكتبة في شارع صلاح الدين بالقرب من البلدة القديمة في القدس كمكان للقاء، فالمتاجر مؤسسات وطنية فلسطينية ورمز دائم للمؤسسة الأدبية والسياسية الفلسطينية.
ويوم الأحد، داهم رجال أمن إسرائيليون بملابس مدنية اثنين من فروع المكتبة الثلاثة بعنف، لقد وصلوا عند الساعة 3 مساءً وكأنهم زبائن للمتاجر، وبعد خمس دقائق، أخرجوا فجأة مذكرة تفتيش وأمروا الزبائن بالمغادرة.
وقال أحد الشهود لموقع ميدل إيست آي، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، “أغلقوا الباب وبدأوا في نقل الكتب إلى الأرض، كانوا وحشيين وغير محترمين”.
ولم يتضح بعد إلى أي فرع من قوات أمن الاحتلال ينتمي المقتحمون لكن المؤكد أنهم تركوا رفوف المكتبة خاوية قبل أن يغادروا بعد حوالي 90 دقيقة وقد اصطحبوا مالكي المتجر، محمود منى وابن أخيه أحمد، الذين تم اعتقالهما وأخذ العديد من الكتب إلى جانبهما.
وقال شهود أن سلطات الاحتلال أبلغت عائلة منى بأنها متهمة بـ “السلوك غير المنضبط”، ومع ذلك، علم موقع ميدل إيست آي أن أوامر التفتيش حددت بجرائم إرهابية.
ويوم الاثنين، تجمع العشرات من الفلسطينيين أمام متاجر المكتبة تضامناً مع أصحابها، حيث مثلوا أمام المحكمة وتم تمديد احتجازهم لمدة 24 ساعة.
ويمثل اقتحام المكتبة التعليمية جزءاً من نمط طويل الأمد من محاولات الاحتلال لمحو الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال إغلاق المنظمات المركزية للحياة الفكرية والثقافية في القدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967.
فقبل خمس سنوات، داهمت قوات الاحتلال مركز يبوس الثقافي ومعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، وصادرت الوثائق والمعدات واتهمتهما بـ “تمويل الإرهاب”.
وتحاول دولة الاحتلال أيضاً إغلاق مقر الحكواتي، المعروف أيضاً باسم المسرح الوطني الفلسطيني.
وقبل ثلاث سنوات، أضربت المدارس الفلسطينية في القدس الشرقية رداً على محاولة بلدية القدس التي يديرها الاحتلال فرض الرقابة على الكتب المدرسية الفلسطينية وإدخال مناهج إسرائيلية في الفصول الدراسية.
وفي الوقت نفسه، يحاول ناشطون إسرائيليون يمينيون محو اللغة العربية من لافتات الشوارع في القدس.
وأخبر شهود عيان موقع ميدل إيست آي أن وكلاء أمن الاحتلال الذين داهموا المكتبة التعليمية لم يتمكنوا من قراءة حروف اللغة العربية أو الإنجليزية.
وبعد العثور على نسخة باللغة الإنجليزية من صحيفة هآرتس تظهر صور الأسرى المفرج عنهم من غزة على الصفحة الأولى، زعموا أنهم عثروا على “مواد تحريضية”.
وعندما قيل لهم إن هآرتس صحيفة إسرائيلية، أصيبوا بخيبة أمل، وقال أحد الشهود: “كان الأمر وكأنهم يحاولون العثور على أي شيء ضد المحلات التجارية”.
ويتذكر شاهد آخر: “كان كل منهم يحمل هاتفه، ويلتقط الصور، ويستخدم ترجمة جوجل لمعرفة عنوان الكتاب”.
وأظهر الإسرائيليون اهتمامًا خاصًا بأي كتاب يحمل علم فلسطين أو يحتوي على خريطة فلسطينية، حيث علم موقع ميدل إيست آي أنهم أخذوا رواية “كل ما تبقى” لوليد الخالدي عن القرى التي دمرت في نكبة عام 1948، حيث سُمع الجندي الذي استولى على الكتاب وهو يشرح: “كما ترى، لم تدمر إسرائيل القرى”.
وتحتوي المكتبة التعليمية على مجموعة واسعة من الكتب، بما في ذلك الفلسفة والفن والأدب وعلى قسم عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع أعمال تعبر عن جميع وجهات النظر.
وفي مقال حديث في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس، أوصى محمود منى بكتاب راشي الخالدي “حرب المائة عام على فلسطين”، وكتاب إيان بلاك “الأعداء والجيران”، وكتاب فيليس بينيس “فهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: مقدمة”.
وعندما زارت ميدل إيست آي المكتبة الأسبوع الماضي، كان كتاب القدس: السيرة الذاتية، لسيمون سيباغ مونتيفيوري، المؤرخ البريطاني والمدافع القوي عن إسرائيل، معروضًا بشكل بارز.
ويوفر المتجر كتبًا لمؤلفين إسرائيليين وفلسطينيين والعديد من الكتب المعروضة تأتي من مجموعة الأدب الإنجليزي التقليدية.
ويقع أحد فروع المكتبة في ساحة فندق أميركان كولوني، وهو مكان مفضل للدبلوماسيين والصحفيين.
وصباح يوم الاثنين، أدان حسام زملط، السفير الفلسطيني في المملكة المتحدة، اعتقال محمود وأحمد منى، ووصف المداهمات بأنها “تذكير صارخ بالحملة المستمرة لفرض الرقابة على المعرفة، وقمع حرية التعبير والمعلومات التي تتحدى احتلال إسرائيل لفلسطين”.
ونشر ستيفن سيبرت، السفير الألماني السابق في إسرائيل، على X أن عائلة منى “فلسطينية مقدسية محبة للسلام وفخورة ومنفتحة على المناقشة والتبادل الفكري”.
يذكر أن محمود منى كان قد نشر مؤخرًا كتاب “الفجر في غزة”، الذي شارك في تحريره ماثيو تيلر.