بقلم ماركو كارنيلوس
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبل 32 عاماً، تم اغتيال الأمين العام لحزب الله آنذاك، عباس الموسوي، بغارة إسرائيلية، فاحتفلت الصفحات الأولى للصحف الإسرائيلية بالحدث باعتباره آخر الهزائم للحركة اللبنانية.
على النقيض من ذلك، فقد أثبتت العقود الثلاثة الماضية أن مثل هذا التفاؤل كان خاطئاً تماماً، فقد كان رد فعل حزب الله دموياً في أماكن أخرى، وأصبح أقوى بكثير مما كان عليه في أوائل التسعينيات.
ليس هناك ما يشير إلى أن مقتل حسن نصر الله في بيروت في 27 سبتمبر قد يعجل مرة أخرى بزوال حزب الله حتى الآن، فما تفتقده إسرائيل والديمقراطيات الغربية عموماً في تحليلاتها، هو أن مفاهيمها العامة حول النصر أو الهزيمة لا يمكن تطبيقها بسهولة على منظمة يدرب أفرادها على عقيدة الاستشهاد، كما هو الحال مع حزب الله.
لقد حاول حزب الله دائماً استخدام العوامل غير الملموسة، مثل الوقت، لصالحه، فإبقاء العدو ينتظر ويترقب أمر مربك، فعدم معرفة كيف ومتى سيتم الانتقام هو في حد ذاته شكل من أشكال رد الفعل
يستوي الأمران عند حزب الله، فإذا فاز الحزب، فسوف يحتفل بهذا الحدث، وإذا خسر، فسوف يحتفل باعتبار ما حصل شهادة في صراع أكبر ضد الظلم والهيمنة الغربية والمعايير المزدوجة في العلاقات الدولية، وهذا ما يسمى مقاومة.
أما أخطاء حزب الله، فتتركز بشكل رئيسي حول الاعتقاد بأن إسرائيل ما زالت ملتزمة ببعض قواعد الاشتباك، وهو خطأ فادح، فبعد 7 أكتوبر عام 2023، لم تعد إسرائيل تلتزم بأي قواعد اشتباك، كما أثبتت عملياتها العسكرية في غزة ولبنان واليمن وإيران!
إضعاف حماس وحزب الله
في ظل تواطؤ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، استخدمت إسرائيل قدراتها الاستخباراتية والعسكرية لتوجيه ضربات قاسية للغاية ضد أعدائها، ولكن لا يزال من غير المعروف إلى أي مدى تسببت انفجارات أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي لإسرائيل بالحصول على معلومات عالية المستوى حول تحركات وهياكل السلطة للقيادة العليا لحزب الله.
ما من شك في أن إسرائيل تمكنت خلال العام الذي مر من إضعاف حماس وحزب الله، فقد خلقت حالة من الارتباك والفوضى في كلا المنظمتين، ولكن ليس من المؤكد أنها نجحت في إخضاعهما وإلى الأبد، فمن الممكن قتل الناس، ولكن ليس الأفكار والمظالم التي تحركهم.
أما فيما يتعلق بكيفية وتوقيت رد فعل حزب الله على الضربات الأخيرة التي وجهتها إسرائيل، لا ينبغي لنا أن ننسى القاعدة المعيارية التي ظلت ثابتة لعقود من الزمن في المنظمة، وهي أن حزب الله لا يربط نفسه بما تتناقله وسائل الإعلام الغربية ولا بتوقعات الطبقات السياسية والأجهزة الأمنية في الدول التي يواجهها بما فيها إسرائيل.
لقد حاول حزب الله دائماً استخدام العوامل غير الملموسة، مثل الوقت، لصالحه، فإبقاء العدو ينتظر ويترقب أمر مربك، فعدم معرفة كيف ومتى سيتم الانتقام هو في حد ذاته شكل من أشكال رد الفعل، وسمة من سمات الحرب غير المتكافئة بالنسبة للمنظمات التي جعلت من المقاومة المحرك الرئيسي لنشاطها، فحرب الاستنزاف هي دائما الخيار الأفضل في التعامل مع إسرائيل.
ضربة قاتلة
إضافة إلى ذلك، فإن رد فعل محور المقاومة تجاه إسرائيل لم يُظهر حتى الآن أي تآزر وتنسيق كبير، حيث تنفذ حماس عمليات إطلاق الصواريخ، كما يفعل حزب الله والحوثيون والميليشيات الشيعية العراقية.
يتعين على إسرائيل أن تفكر مرتين قبل أن تغامر بقواتها البرية في جنوب لبنان، فقد تجد جيشاً مرتبكاً ومحبطاً من حزب الله، ولكنه أيضاً جيش زاد بشكل كبير من قدراته القتالية، خاصة بعد الخبرة المكتسبة في القتال خلال الحرب الأهلية السورية الطويلة، كما أن قوات النخبة التابعة لحزب الله، والمنتشرة على طول الحدود، فهي سليمة إلى حد كبير
أما طهران، فقد نفذت عمليتها الخاصة بعد الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في أبريل الماضي، فهم يتصرفون في الغالب بشكل منفصل عن بعضهم البعض، ولم يسبق أن اشتبكوا مع إسرائيل معاً في نفس الوقت، وليس من الواضح ما إذا كان هذا إظهاراً متعمداً لضبط النفس أم نتيجة لصعوبات فنية ولوجستية.
بغض النظر عن كل هذه الاعتبارات، فقد وجهت إسرائيل ضربة مدمرة لحزب الله، لكن هذا “النجاح” لن يكون له أي معنى إذا لم ينجح أيضاً في تحييد التهديد الذي يواجه مجتمعاته الشمالية، فإذا كان الهدف الرئيسي لإسرائيل هو إعادة مواطنيها في الجنوب والبالغ عددهم 60 ألفاً إلى ديارهم، فسوف يكون لزاماً عليها أن تشن عملية برية في جنوب لبنان.
وفي أحسن الأحوال، سوف يحاول حزب الله إعادة إنشاء المنطقة العازلة التي كان يتمتع بها بين عامي 1982 و2000، ولكن في حالة قيام إسرائيل بعملية برية، فإن حزب الله يستطيع إلحاق خسائر كبيرة بالجيش الإسرائيلي.
صبر استراتيجي
يتعين على إسرائيل أن تفكر مرتين قبل أن تغامر بقواتها البرية في جنوب لبنان، فقد تجد جيشاً مرتبكاً ومحبطاً من حزب الله، ولكنه أيضاً جيش زاد بشكل كبير من قدراته القتالية، خاصة بعد الخبرة المكتسبة في القتال خلال الحرب الأهلية السورية الطويلة، كما أن قوات النخبة التابعة لحزب الله، والمنتشرة على طول الحدود، فهي سليمة إلى حد كبير.
من ناحية أخرى، قد يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه في وضع مربح للجانبين، فإذا لم يحدث أي شيء آخر، فقد يتمكن من ادعاء تحقيق نصر مهم ضد حماس وحزب الله من خلال تحقيق تدهور كبير في أصولهما وقيادتهما.
أما إذا اندلعت حرب شاملة مع كل محور المقاومة، فيمكن لنتنياهو أن يدعي أنه وصل إلى أهم نجاح استراتيجي إسرائيلي في العقود الأخيرة، وهو التصعيد الذي يمكن أن يجر الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى صراع مفتوح مع إيران.
قد يضمن مثل هذا السيناريو لنتنياهو أن يبقى في السلطة لسنوات قادمة، وهناك طريقة واحدة فقط لتجنب مثل هذا الاحتمال، وهو أن يظهر محور المقاومة صبراً استراتيجياً أكبر بكثير مما أظهره حتى الآن.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)