بقلم ريتشارد ساندرز
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لا يمكن أن يقدر كتاب “الطوفان: غزة وإسرائيل من الأزمة إلى الكارثة”، والذي حرره جيمي ستيرن وينر، بثمن، فهو مرجع مهم للخبراء والمبتدئين على حد سواء، فهو في جزء منه شهادة على رداءة التغطية الإعلامية الغربية لهذا الموضوع.
يعد جميع المؤلفين الثلاثة عشر، ومن أهمهم آفي شلايم، الأستاذ الفخري في جامعة أكسفورد، من المؤيدين الأقوياء للقضية الفلسطينية، كما يشكل الكتاب في معظمه بياناً بسيطاً لحقائق صريحة يجهلها العديد من القراء الغربيين.
بداية، فإن الفصول التي كتبها شلايم وزملاؤه الأكاديميون كولتر لويرس وخالد الحروب ترسم خريطة لتاريخ غزة وحماس، وتوضح ارتباط تصدر حركة حماس الوثيق بفشل سلفها العلماني في النضال الفلسطيني، وهي حركة فتح بقيادة ياسر عرفات، التي هيمنت على منظمة التحرير الفلسطينية.
لقد نبذ عرفات العمل المسلح عام 1988 واعترف بدولة إسرائيل عام 1993 كجزء من اتفاقيات أوسلو، وفي المقابل لم يحصل على شيء، بل قام الإسرائيليون بتسريع بناء المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية!
واليوم، باتت السلطة الفلسطينية التي أنشأتها اتفاقيات أوسلو ولا تزال تسيطر على الضفة الغربية بموجب ذلك، تحظى بازدراء الفلسطينيين باعتبارها فاسدة ومتواطئة.
أما حماس، التي صعدت إلى الصدارة نتيجة لموجة من التفجيرات الانتحارية في التسعينيات، فكانت بمثابة نقيضها الرافض للتسوية، حتى عام 2005، بعد فشل الانتفاضة الثانية، شرعت هي أيضاً بشكل مبدئي في السير على طريق التسوية، وتوقفت عن التفجيرات الانتحارية ووافقت على المشاركة في الانتخابات.
وبعد ذلك، أصبح تاريخ حماس حافلاً بسلسلة من الانتصارات غير المتوقعة على الإطلاق، ولكنها مع ذلك لم تجعلها أقرب إلى تحقيق أهدافها.
تبرير القتل
من أجل تبرير المذبحة في غزة، هناك معلومتان تتكرران في وسائل الإعلام الغربية وكلاهما خاليتان من الصحة ولم يتم الطعن في أي منهما على الإطلاق.
“كجزء من خطة الحصار الشامل على غزة، أكد المسؤولون الإسرائيليون في مناسبات متعددة أنهم يعتزمون إبقاء اقتصاد غزة على حافة الانهيار دون دفعه إلى حافة الهاوية” – البرقية المسربة عن السفارة الأمريكية في نوفمبر 2008
الأولى هي أن حماس تستخدم السكان المدنيين كدروع بشرية، ولكن كما يشير الكاتب المقيم في لندن، طلال هنجري، في فصله عن حركة التضامن الفلسطينية في المملكة المتحدة، فإن العاملين في حقوق الإنسان أنكروا صحة ذلك، بل على العكس من ذلك، فقد وجدوا أدلة قوية على أنها ممارسة يستخدمها الإسرائيليون بانتظام.
أما الثانية، فهي أن حماس تصر على تدمير إسرائيل، وفي الواقع، منذ عام 2005، كما يقول حروب، أشارت حماس مراراً وتكراراً إلى استعدادها لقبول دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967، على الأقل على أساس مؤقت.
علاوة على ذلك، فقد تم إضفاء الطابع الرسمي على موقف حماس في وثيقة المبادئ والسياسات العامة لعام 2017، والتي وصفت الدولة الفلسطينية “على غرار الرابع من يونيو 1967” بأنها “صيغة إجماع وطني”.
قد تكون إسرائيل وحلفاؤها قلقين من صدق حماس في ذلك، ولكن كما يشير لويرس في الكتاب، فإن “إسرائيل أو الولايات المتحدة لم تفكران في أي وقت من الأوقات خلال السنوات الخمس عشرة الماضية بجدية في اختبار عرض حماس للتفاوض على نهاية سلمية للصراع”.
خلافاً لكل التوقعات، فقد فازت حماس في انتخابات عام 2006 في غزة والضفة الغربية وشكلت حكومة وحدة وطنية،
ولكنها تحركت في يونيو 2007 بشكل استباقي ضد خصومها في قطاع غزة بعد تحذيرها من انقلاب تدعمه الولايات المتحدة من جانب فتح، حيث شجعها انهيار قوات السلطة الفلسطينية على السيطرة الكاملة.
“كان الموت خلاصهم الوحيد”
مثل فتح سابقاً، وجدت حماس نفسها فجأة في مواجهة تحدٍ للجمع بين الحكم والمقاومة، فقد فرض الإسرائيليون الحصار على غزة على الفور، وفي الكتاب كان هناك فصل قوي حول “الإبادة الاقتصادية” في غزة من تأليف الأكاديمية بجامعة هارفارد، سارة روي، حيث يعرض بالتفصيل السياسة الإسرائيلية لما تسميه “تقويض التنمية”.
وفقاً لنص البرقية المسربة عن السفارة الأمريكية والتي نشرتها وكالة ويكيليكس في نوفمبر 2008، فإنه “كجزء من خطة الحصار الشامل على غزة، أكد المسؤولون الإسرائيليون في مناسبات متعددة أنهم يعتزمون إبقاء اقتصاد غزة على حافة الانهيار دون دفعه إلى حافة الهاوية” .
يرى لويرس أن العنف الإسرائيلي كان في كثير من الأحيان يهدف إلى إحباط أي إمكانية للتفاوض والتسوية، حيث أشارت برقية للسفارة الأمريكية تعود إلى عام 1979 إلى أن “الإجراءات الإسرائيلية في لبنان تهدف إلى إضعاف موقف الفلسطينيين المعتدلين ودفعهم إلى مواقف متطرفة من شأنها أن تمنع الولايات المتحدة فعلياً من التعامل معهم”.
“لقد تم تحويل التنافس على الحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة إلى معركة حول شرعية دعم تلك الحقوق” – ميتشل بليتنيك- منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام
هذا النمط هو الذي استمر بعد ذلك، وفي الكتاب يقدم كل من شلايم ولويرس وحلوب أدلة دامغة على أن حماس أظهرت في كثير من الأحيان استعداداً أكبر للتوصل إلى حلول وسط والالتزام بوقف إطلاق النار مقارنة بالإسرائيليين.
يتناول أحد الفصول في الكتاب من تأليف “RJ” مسيرة العودة الكبرى في عامي 2018 و2019، عندما تظاهر الفلسطينيون في قطاع غزة بالآلاف من أجل حق العودة إلى أراضيهم، ليتم سحقهم على يد القناصة الإسرائيليين خلف الحواجز على بعد عدة مئات من الأمتار، مما أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص.
ومع انتخاب حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل عام 2022، يبدو أن حماس قد وصلت إلى طريق مسدود، فقد كتب حروب: “كان مصير مليون طفل أن يتعفنوا في معسكر اعتقال غزة، وكان الموت خلاصهم الوحيد”، وأضاف: “في 7 أكتوبر، قررت حماس إلقاء حجر النرد”.
واقع مظلم
كان نجاح حماس المذهل في اختراق الحاجز واجتياح القواعد العسكرية الإسرائيلية بمثابة انتصارها غير المتوقع، فلم يسعَ أي من المساهمين في الطوفان إلى تبرير ذبح المدنيين الذي أعقب ذلك، لكن الفصل الذي كتبه أحمد الناعوق عن وفاة 21 فرداً من عائلته الكبيرة في تفجير واحد يشكل إدانة قوية لوحشية الرد الإسرائيلي.
أما في فصله بعنوان “إلى الهاوية”، فقد كتب الأكاديمي الأمريكي، ناثان جيه براون، أنه “لو كان لدى حماس خطة لمتابعة نجاحها بأي شيء أكثر جوهرية من مفاوضات الرهائن، فقد ظل هذا الأمر أكثر سرية من الهجوم نفسه، إلا أن التكتيكات مرتبطة بالصلاة على ما يبدو وليس باستراتيجية أو خطة معينة”، ومثله يرى أن التدمير الإسرائيلي الوحشي لقطاع غزة لا ينطوي على أي خطة على الإطلاق.
مثل ما قبل 7 أكتوبر على أية حال، فما زال الفلسطينيون يواجهون الواقع المرير مع عدو عنيد ومؤسسة سياسية غربية غير مبالية بمصيرهم، وهذا ما يتجلى من خلال الفصول التي كتبها المدير المشارك السابق لمنظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، ميتشل بليتنيك، وهانجاري، حيث رسما صورة محبطة لكيفية استمرار استخدام مزاعم معاداة السامية لشيطنة ونزع الشرعية عن حركة التضامن الفلسطينية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
كتب بليتنيك: “لقد تم تحويل التنافس على الحقوق الفلسطينية في الولايات المتحدة إلى معركة حول شرعية دعم تلك الحقوق”، حيث وصفت السكرتيرة المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، أعضاء الكونغرس الذين يدعون إلى وقف إطلاق النار بأنهم حفنة “بغيضة ومشينة” معتبرة أنه “لا يوجد جانبان هنا” على حد وصفها.
من فصلها، تقدم عضو البرلمان الأوروبي الأيرلندية، كلير دالي، صورة ثاقبة عن كيفية قيام الرئيسة غير المنتخبة للمفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بالاستحواذ على موقف الاتحاد الأوروبي تجاه أحداث 7 أكتوبر، حيث قدمت لإسرائيل دعماً كبيراً متجاوزة بذلك صلاحياتها في الدستور الأوروبي.
يقول ناثان جيه براون: “هناك طريق طويل من التفكك واليأس ما زال ينتظرنا في الأفق البعيد”، ومن الصعب ألا نعبر عن خوفنا من القادم!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)