وجّه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، اتهاماً لمسؤول بريطاني رفيع بتهديده بسحب تمويل المملكة المتحدة ودعمها للمحكمة، في حال مضي المدعي العام قدمًا بطلب إصدار مذكرات توقيف بحق قادة في دولة الاحتلال.
وجاء هذا الاتهام في إفادة رسمية قدّمها خان إلى المحكمة، يوم الأربعاء، عرض فيها تفاصيل ما وصفه بحملة ضغوط وتهديدات تعرّض لها قبيل إعلان مكتبه، في مايو/أيار 2024، السعي لاستصدار مذكرات توقيف بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، على خلفية شبهات ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة.
وسبق لموقع ميدل إيست آي أن ذكر المسؤول البريطاني المشار إليه في إفادة خان هو وزير الخارجية البريطاني آنذاك ورئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون، الذي أجرى اتصالًا هاتفيًا مع خان في 23 أبريل/نيسان 2024.
وطلب موقع ميدل إيست آي من وزارة الخارجية البريطانية التعليق على اتهام خان، كما سألها عمّا إذا كانت ستفتح تحقيقًا في فحوى الاتصال الذي جرى بين كاميرون وخان خلال فترة تولي الحكومة المحافظة السابقة الحكم.
غير أن الوزارة امتنعت عن التعليق، كما كانت قد فعلت في يونيو/حزيران الماضي، عندما كشف الموقع للمرة الأولى تفاصيل هذا الاتصال الهاتفي.
“مثل قنبلة هيدروجينية”
وتأتي إفادة المدعي العام ضمن ردّه على طلب تقدّمت به دولة الاحتلال إلى دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية، تطالب فيه بإبعاد خان عن التحقيق وإسقاط مذكرات التوقيف.
وبحسب مراقبين، فإن هذه الإفادة تبدو مؤكِّدة لما نشره ميدل إيست آي سابقًا حول محاولات تقويض عمل خان، بما في ذلك الاتصال “المستعر” الذي أجراه كاميرون معه.
وفي إفادته، قال خان إنه تلقى اتصالًا من “مسؤول حكومي بريطاني رفيع” حذّره من أن إصدار مذكرات توقيف بحق قادة دولة الاحتلال سيكون “غير منطقي”، وقد يدفع المملكة المتحدة إلى سحب تمويلها من المحكمة.
وكان موقع ميدل إيست آي قد أفاد، استنادًا إلى عدة مصادر، من بينها موظفون سابقون في مكتب خان اطّلعوا على محضر المكالمة، أن الاتصال المشار إليه كان مع ديفيد كاميرون.
وخلال المكالمة، نقلت المصادر أن كاميرون قال لخان إن التقدّم بطلب مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت سيكون “بمثابة إلقاء قنبلة هيدروجينية”.
ووفقاً للمصادر فإن كاميرون كان قد أضاف أن ملاحقة روسيا قضائيًا بتهمة “شن حرب عدوانية” على أوكرانيا أمر، وملاحقة دولة الاحتلال قضائيًا أمر آخر، بحجة أنها “تدافع عن نفسها” عقب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ولم يرد كاميرون على طلبات ميدل إيست آي للتعليق.
“من حقنا أن نعرف”
وفي أغسطس/آب الماضي، أفادت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن كاميرون هدّد، خلال المكالمة، بأن المملكة المتحدة قد “تنسحب من المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية” إذا مضى كريم خان في مساعيه.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، ذكرت مجلة “نيويوركر” أن خان أبلغ محققين تابعين للأمم المتحدة بأن كاميرون قال له إن “السعي لإصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين إسرائيليين سيكون بمثابة قنبلة هيدروجينية”.
وفي كتاب الصحفي البريطاني بيتر أوبورن، “متواطئة: دور بريطانيا في تدمير غزة”، أورد مصدر مقرّب من كاميرون أن الاتصال مع خان حصل بالفعل، وأنه كان “حادًا”.
غير أن المصدر نفسه قال إن كاميرون لم يُطلق تهديدًا مباشرًا، بل أشار إلى وجود أصوات قوية داخل حزب المحافظين كانت ستدفع باتجاه قطع التمويل عن المحكمة والانسحاب من نظام روما الأساسي، المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي يونيو/حزيران، دعا رئيس الوزراء الاسكتلندي السابق حمزة يوسف، في تصريح لـ ميدل إيست آي، لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني إلى فتح تحقيق في ما جرى خلال المكالمة بين كاميرون وخان.
وقال يوسف، الذي كان يتولى رئاسة الحكومة الاسكتلندية حين كان كاميرون وزيرًا للخارجية: “يجب محاسبة اللورد كاميرون، نحن نتحدث عن مسألة في غاية الخطورة، ومن الضروري أن نعرف ما إذا كان وزير خارجية بريطاني على رأس منصبه حينها قد هدّد بقطع التمويل عن المحكمة الجنائية الدولية”.
وفي أغسطس/آب، دعا النائب المستقل جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال البريطاني السابق، إلى تحقيق رسمي في مضمون الاتصال، وقال: “أعتقد أننا بحاجة إلى معرفة ما حدث، ومن حقنا أن نعرف ذلك”.







