بقلم محمد القيق
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
سمعت لأول مرة باسم خضر عدنان خلال حادثة بغيضة في جامعة بيرزيت عام 2000، بعد أن وصف رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك، ليونيل جوسبان، مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بـ “الأعمال الإرهابية”.
وخلال زيارة جوسبان إلى جامعة بيرزيت، وقف طالب شجاع وصرخ في وجهه، أثار ذلك مشاعر جميع الطلاب الذين رشقوا جوسبان بالحجارة لطرده من الجامعة.
كان ذلك الطالب هو عدنان، الذي اشتهر فيما بعد بشكل مميز في المقاومة من خلال الإضراب عن الطعام، حتى فارق الحياة في سجن إسرائيلي هذا الأسبوع عن عمر يناهز 45 عامًا.
التقيت عدنان خلال اعتقالي الثاني في عام 2004، عندما نقلنا جنود إسرائيليون في حافلة من سجن مجدّو في شمال فلسطين إلى سجن النقب في الجنوب.
وحين قام الجنود بشتم الأسرى في الحافلة، احتج عدنان بغضب شديد، وعند وصولنا – بعد ست ساعات متواصلة من المشقة والإرهاق بسبب طول المسافة والجلوس على مقاعد معدنية، رفض عدنان النزول من الحافلة احتجاجًا على هذه المعاملة السيئة، وأعادوه في النهاية إلى مجدّو.
في كانون الأول/ ديسمبر 2011، أضرب عدنان عن الطعام لمدة 66 يومًا احتجاجًا على احتجازه إداريًا دون تهمة أو محاكمة. وكصحفي، قمت بتغطية هذه القصة، لكنني كنت أشعر بفضول شديد للتعرف على شخصيته العنيدة والتكتيكات التي كان يستخدمها.
وفي عام 2015، تم اعتقالي من منزلي أمام أطفالي ونُقلت إلى السجن، حيث خضعت لاستجواب قاس ووحشي، وحين كنت وحدي في زنزانتي، تذكرت رفض عدنان لكل أشكال الظلم، لذلك أعلنت أنا أيضًا إضرابًا عن الطعام لرفض هذا القمع.
ثقافة الرفض
من المثير للدهشة كيف أن الإضراب عن الطعام، الذي يأكل الجسد من الداخل حرفيًا، يعطي السجين قوة لا مثيل لها: قوة الرفض، وقوة الصدح بكلمة “لا” في وجه السجانين الذين يرون السجين مجرد رقم.
كنت أعرف أن عدنان لا يحب الموت أو المعاناة، لقد أحب الحياة، لكنه أراد حياة خالية من الظلم والإذلال، نوع الحياة التي عاشها عندما كان مع زوجته وأطفاله.
لقد رأى أن الإضراب عن الطعام هو أقوى سلاح لديه من شأنه أن يسمح له بالعودة إلى الحياة في أسرع وقت ممكن.
وبهذه الطريقة رفضت الزنزانة والإذلال بالسجن بحثًا عن الحرية والحياة، لكن ثمن ذلك كان باهظاً
إن ثقافة الرفض التي يلتزم بها الشعب الفلسطيني تتمحور حول رفض الاستسلام أو الترويض أو الخضوع، وينعكس ذلك في كل مناحي الحياة: مواجهة الاحتلال ميدانياً، والعمل على رفع الحصار عن غزة، والرباط في المسجد الأقصى، والنضال من أجل عودة اللاجئين وإطلاق سراح الأسرى.
ولأننا نؤمن بهذه الثقافة، فإننا نصر على أن الحرية – كما هو الحال بالنسبة لجميع الشعوب الأخرى – هي طريقنا، على الرغم من القيود والعزلة التي تفرضها إسرائيل علينا.
إن الإضراب عن الطعام هو الطريقة الأكثر سلمية التي يمكن للفرد من خلالها رفض عنف سلطات الاحتلال، وخاصة داخل السجون.
فذروة الظلم هي أن يُحتجز شخص ما في السجن بذريعة “مخاوف أمنية” دون توجيه اتهامات أو الخضوع لمحاكمة حتى وإن أجريت في محاكم منحازة ضد الفلسطينيين.
تبدأ معركة جديدة أثناء الإضراب عن الطعام الذي يمثل مرحلة جديدة في الحياة، حيث يتحتم على السجين أن يختار بين العيش بذل مقيدا بالسلاسل إلى الأبد أو شق طريق نحو الحرية بجسد يرفض ترويض جدران السجن.
رسالة إلى العالم
عندما قررت الاستمرار في الإضراب عن الطعام، تبلورت صورتان في ذهني: الأولى هي كيف ستبدو الحياة إذا بقيت ببساطة في السجن وقبلت أن يتم ترويضي، والثانية هي مواصلة ثقافة الرفض التي أوصلتني إلى السجن في المقام الأول عندما قلت لا لسلطات الاحتلال.
الآن، أصبحت أقول لا لتوقيفي، ونعم للحرية، وهذه هي الطريقة التي تعززت بها الفكرة في ذهني – إضراب عن الطعام بحثًا عن الحرية، ولقاء زوجتي وأولادي، والعودة إلى الحياة.
وبهذه الطريقة رفضت الزنزانة والإذلال بالسجن بحثًا عن الحرية والحياة، لكن ثمن ذلك كان باهظا، فعلى المضرب عن الطعام أن يتحلى بالصبر ويتحمل الألم الإرهاق وعليه أن يركز كل أفكاره.
إن ما تقوم به إسرائيل ضد الأسرى الفلسطينيين من المرضى وكبار السن والنساء والأطفال هو مأساة كبرى.
إنهم يعانون من الإهمال الطبي وسوء التغذية والزنازين الضيقة والعذاب النفسي وتأخيرات المحاكمة وغير ذلك الكثير.
أدت هذه المعاملة الفظيعة، التي تتعارض مع إنسانيتهم، إلى وفاة العديد من السجناء داخل السجون، بينما ينظر العالم إلى كل ذلك بتجاهل بائس.
وفي وسط كل هذه المعاناة، يخرج سجين أعزل مضرب عن الطعام، متحديا ظروف الاعتقال القاسية والظالمة، ليعلن رسالته إلى العالم بصوت عال وواضح: انظروا إلينا!
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)