بقلم جون ريس
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
ظهرت الكثير من التعليقات السلبية على فوز حزب العمال في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة عام 2024، وصفت الفوز بأنه أجوف في إشارة إلى الفجوة الواسعة بين الأعداد الهائلة من المقاعد التي فاز بها الحزب مقارنة بالنسبة الضئيلة جداً من الأصوات التي حظي بها من الجمهور.
كان التناقض مذهلاً حقاً، حيث تعتمد الأغلبية الضخمة لحزب العمال في مجلس العموم على تصويت شعبي بلغ أقل (9.7 مليون) مما فاز به جيريمي كوربين في الانتخابات العامة “الكارثية” المزعومة لعام 2019 والتي بلغت وقتها 10.2 مليون صوت، كما أن عدد أصوات حزب العمال في هذه الانتخابات أقل بثلاثة ملايين صوت مماً فاز به كوربين في الانتخابات العامة لعام 2017 والتي كانت تبلغ 12.8 مليون صوت.
حتى زعيم حزب العمال كير ستارمر فاز بعدد أقل من الأصوات في دائرته الانتخابية مقارنة بما حصل عليه هو نفسه حين ترشح عن نفس الدائرة في المرتين اللتين كان بهما كوربين زعيماً لحزب العمال، وهذا يطرح سؤالاً يقول أين ذهبت أصوات حزب العمال المفقودة؟
حسناً، لقد بقي العديد من الناخبين في منازلهم ولم يصوتوا على الإطلاق، وكانت حملة حزب العمال غير ملهمة، وكانت سياساته مماثلة لسياسات حزب المحافظين، لدرجة أن نسبة المشاركة في التصويت انخفضت إلى ثاني أدنى مستوى لها منذ منح حق الاقتراع العام في انجلترا عام 1928 ومعها انخفضت أصوات حزب العمال.
غير أن هذه ليست القصة الكاملة، ففي عدد كبير من الحالات، وجد الناخبون وسيلة للتصويت ضد المحافظين، ولكن في الوقت نفسه صوتوا لمرشحين كانوا على يسار حزب العمال، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الحاسمة المتمثلة في فلسطين.
وعلى نحو غير معتاد في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، أدت قضية تتعلق بالشؤون الخارجية إلى تغيير كبير في النتيجة وكان للحركة خارج البرلمان تأثير مباشر على سلوك الناخبين.
المرشحون المؤيدون لفلسطين
فاز حزب الخضر، الذي كان صريحاً في دعواته لوقف إطلاق النار في غزة، بأربعة مقاعد، وهو الذي لم يفز في السابق إلا بمقعد في برايتون بافيليون، وقد دافع عنه بنجاح بعد تقاعد المخضرمة كارولين لوكاس، كما انتزع حزب الخضر مقعد بريستول سنترال من حزب العمال.
وفاز حزب بليد كامرو بأربعة مقاعد، جزء منها جاء على خلفية حملة صاخبة وناجحة لكسب برلمان ويلز إلى موقف مؤيد للفلسطينيين.
لقد عاد كوربين مستقلاً في إزلنجتون نورث، ولم تتأثر أغلبيته إلا قليلاً، على الرغم من حملة حزب العمال الحاسمة والمنظمة جيداً لإزاحته من منصبه.
وانضم إلى كوربين في مجلس العموم أربعة نواب مستقلين آخرين، جميعهم من حركة التضامن مع فلسطين، حيث خاضوا حملات حول هذه القضية ضد نواب حزب العمال الحاليين، وقد عادوا في بلاكبيرن وليستر وبرمنغهام وديوزبيري وباتلي.
وبعيداً عن ذلك، احتل المرشحون المؤيدون للفلسطينيين المرتبة الثانية بعد حزب العمال في العديد من المقاعد المهمة، حيث منعت بضعة أصوات فقط ليان محمد من حرمان وزير الصحة العمالي الجديد، ويس ستريتنج، من مقعده في إلفورد.
وحصل مايكل لافاليت في بريستون على أكثر من 21% من الأصوات وجاء في المرتبة الثانية، فيما حل أندرو فينشتاين وصيفاً في دائرة ستارمر، وفي برمنغهام، تحولت كل منافسة تقريباً إلى جولة إعادة بين حزب العمال ومرشح مؤيد لفلسطين.
وعلى العموم، ترشح نحو 60 مرشحاً بصفة مستقلين من اليسار، حافظ نحو نصفهم على مواقعهم، وحصل العديد منهم على نسبة أصوات جيدة.
ولم يكن جميع المرشحين من اليساريين من حزب العمال ناجحين بالتساوي، فقد نافس ائتلاف النقابات العمالية والاشتراكيين (TUSC) الذي ظل قائماً لفترة طويلة في 39 مقعداً وخسر مكتسباته في جميع هذه المقاعد، وكانت أفضل نتيجة حققها في كوفنتري، حيث حصل النائب العمالي السابق ديف نيلست على 2.2% من الأصوات، أي أقل من 2.8% التي حصل عليها حزب العمال البريطاني.
ونافس الحزب الشيوعي البريطاني في 14 مقعداً وبلغت أفضل حصة له من الأصوات 1.1%، في حين حزب العمال النائب الوحيد له، جورج غالاوي، الذي انتُخِب في الانتخابات التكميلية في روشدايل في شباط/فبراير.
نافس حزب العمال على 155 مقعداً، ورغم تحقيقه بعض النتائج القوية، التي انسجمت استطلاعات الرأي التي أظهرت تفوق جودي ماكنتاير على جيس فيليبس في برمنجهام، إلا أن 28 مرشحاً فقط تمكنوا من الحفاظ على مقاعدهم، وكثيرون منهم بفارق ضئيل.
ولقد ناضل أولئك الذين وقفوا على منصة يسارية قياسية افترضوا أنها ستلائم اللحظة السياسية إلى حد كبير لإحداث تأثير، ولكن أولئك الذين نشأوا بشكل عضوي من حركة التضامن الفلسطينية الأوسع نطاقاً كانوا أكثر نجاحاً.
لقد عانى حزب العمال، وهو استثناء جزئي لهذه القاعدة، من صعوبتين على الرغم من ارتباط زعيمه غالاوي الطويل بالقضية الفلسطينية.
أولاً، كان إصراره الصريح على أنه “ليس جزءاً من اليسار”، وهو ما أكدته سياساته الاجتماعية المحافظة التي تتلخص في “جعل بريطانيا عظيمة”، سبباً في تنفير بعض اليساريين دون جذب أي عدد كبير من المحافظين من الطبقة العاملة الذين كان حزب الإصلاح خياراً لهم.
ثانياً، ظهرت الغطرسة التي تصور أن كل المشاعر المؤيدة للفلسطينيين سوف تنتقل عبر حزبه بمثابة استخفاف بقدرة المرشحين المستقلين المؤيدين للفلسطينيين والحركة المحيطة بهم على تنظيم أنفسهم.
هذه النتائج هي دروس مهمة لابد من وضعها في الاعتبار، لأنها تشرح بوضوح شديد ضرورة بقاء الممثلين البرلمانيين راسخين بقوة في النضالات خارج البرلمان.
بل إن كوربين نفسه يعتبر نموذجاً لهذا النوع من العلاقات، فقد احتفظ دائماً بأقرب الروابط الممكنة مع منظمات الحملات الجماهيرية ومع النضالات النقابية، والآن بعد أن أصبح مستقلاً، لم يعد عليه حتى أن يقلق بشأن النظر من فوق كتفه إلى قيادة حزب العمال اليمينية، وليس هناك الكثير من الأدلة على أنه فعل هذا حتى عندما كان نائباً في الحزب.
يتمتع كوربين كبرلماني بخبرة كبيرة، ومن الأفضل أن يعمل النواب الأربعة الجدد المنتخبون على مذكرة مؤيدة لفلسطين كحزب له في البرلمان، ولكنهم سيحتاجون أيضاً إلى اتباع مثاله في المشاركة في الحركة خارج البرلمان.
كانت سيريزا في اليونان، ودي لينكه في ألمانيا، وبوديموس في إسبانيا، كلها مشاريع انتخابية مفعمة بالأمل في أوج مجدها،
في مختلف أنحاء أوروبا، شهدنا ما يحدث عندما لا تظل الأحزاب البرلمانية اليسارية المتطرفة منخرطة في النضال خارج البرلمان والآن في المملكة المتحدة، هناك مستفيد واضح واحد إذا خذل اليسار أولئك الذين وضعوا ثقتهم فيه وهو اليمين المتطرف
لكن الجميع انقسموا عندما أصبح قادتهم البرلمانيون أكثر استيعاباً لمؤسساتهم السياسية تحت ضغط السياسة الانتخابية، وعدم الرغبة في مواجهة قوة الطبقة الحاكمة والدولة.
ولكي نتجنب صعود مارين لوبان ونايجل فاراج بشكل أكبر في الجولة المقبلة من النضالات الاجتماعية، فإن الانتصارات الواعدة التي حققها كوربين والمرشحون المؤيدين للفلسطينيين في المملكة المتحدة، والجبهة الشعبية الجديدة في فرنسا، سوف تحتاج إلى أن تتحقق.
ولكي يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، فسوف يحتاجون إلى نضالات خارج البرلمان إذا ما أرادوا الوصول إلى آفاق جديدة، وهذه مهمة لا يمكنهم التهرب منها، وهي مهمة يتعين عليهم أن يضطلعوا بها بشجاعة وعزيمة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)