بقلم فيتوريا فولجر ديتالي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
كان المغربي من طنجة، بشير مرابط، مولوداً جديداً عندما تلقى والده عرضاً للعمل في قطاع النسيج في بلجيكا، فغادر المغرب عام 1966 بهدف كسب تحسين وضعه المعيشي ثم العودة إلى وطنه بعد سنوات، لم الأمور لم تسر كما هو مخطط لها، بل بعد عام من سفر والد مرابط، انضمت بقية العائلة له في بروكسل.
كان والدا مرابط من جيل العمال المغاربة الذين استقدمتهم بلجيكا في الستينات لتعويض نقص العمالة لديها في صناعات مثل التعدين والصُلب والتصنيع والبناء، ويوجد اليوم حوالي 600 ألف شخص من أصول مغربية في بلجيكا، وهو ما نسبته واحد إلى خمسة في بروكسل وحدها، وفقاً للأرقام الصادرة عن مركز الهجرة في بروكسل.
في البداية، كان المجتمع المغربي في غالبه من العمال الذكور المهاجرين، ولكن مع مرور الوقت، أحضر العديد منهم عائلاتهم، مما أدى إلى نمو الجالية المغربية التي أصبحت تعد أكبر أقلية في بلجيكا اليوم.
تغييرات دراماتيكية
مع وصول المغاربة في الستينات، كان هناك ود من قبل السكان المحليين عموماً، لكن الرياح لا تجري دائماً كما تشتهي السفن، فالأمر لم يخلو من صعوبات تزايدت مع الزمن، فقد شهدت الثمانينات ارتفاعاً في البطالة وبالتالي زيادة المشاعر المعادية للأجانب، وبداية تطور للخطاب العنصري من قبل اليمين المتطرف الذي كان خافت الصوت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
تحت ظروف الفقر والبطالة في المغرب، وصل مئات الرجال المغاربة إلى بلجيكا عام 1964، على مبدأ “جيد إلى حد ما” التي تبناها الكثير من المغاربة
أخذت مظاهر التمييز بالازدياد و الاتضاح أكثر، حيث رفض أصحاب العقارات إعطاء الإيجار لغير البلجيكيين وزاد عدد المؤسسات التي تمنع دخول الأجانب، خاصة العرب والسود، بحجة أنهم “يسرقون المال والأعمال”، حتى تفاقم الوضع عقب أحداث 11 سبتمبر عام 2000 والتي تبعها سلسلة هجمات في بروكسل عام 2016 أودت بحياة 32 شخصاً.
لا يعتبر البلجيكيون الأشخاص من أصل مغاربي بلجيكيين، وهو أمر يشعر به المغاربة في حياتهم اليومية، وبالمقابل لا ينسى المغاربة جذورهم، لكنهم ينتمون ايضاً لهويتهم البلجيكية، خاصة من الجيل الذين وُلد هناك.
مناجم الفحم في بلجيكا
بعد الحرب العالمية الثانية، كانت بلجيكا بحاجة إلى إعادة الإعمار، لكنها عانت من نقص العمالة، فلجأت الحكومة إلى توظيف عمال من الخارج، خاصة في مناجم الفحم الذي كان المصدر الأساسي للطاقة ويتطلب عملاً شاقاً لاستخراجه، فوقعت بلجيكا اتفاق شراكة لاستقطاب عمال إيطاليين عام 1946 للعمل في المناجم، لكن العمال واجهوا ظروفاً قاسية وتمييزاً أدى إلى توقف الهجرة بعد 10 سنوات، خاصة بعد وفاة 136 إيطالياً في مارسينيل في أسوأ حادثة منجم فحم في بلجيكا.
تم بناء بروكسل بمساعدة القوى العاملة للجيل الأول من المغاربة، وفي السبعينات، كان المغاربة يشكلون نسبة 80% من موظفي النقل العام والمستودعات في بروكسل
لجأت بلجيكا إلى توقيع اتفاقيات مع إسبانيا واليونان لسد النقص في اليد العاملة عام 1957، ومع المغرب وتركيا بعد 7 سنوات من ذلك، وبالطبع، تحت ظروف الفقر والبطالة في المغرب، وصل مئات الرجال المغاربة إلى بلجيكا عام 1964، على مبدأ “جيد إلى حد ما” التي تبناها الكثير من المغاربة، فقد نظر إليهم أرباب العمل البلجيكيين بإيجابية واعتبروهم محايدين ومتواضعين.
لاحقاً، عندما انضمت عائلاتهم إليهم، ترسخ وجودهم في بلجيكا بشكل أكبر، مما ساهم في تجديد الأعمار الفتية الشابة في البلاد من خلال هذا التوسع الاقتصادي.
بناء بلجيكا
شهدت الستينات نمواً في المدن البلجيكية من خلال بناء طرق جديدة وأنفاق ومسارات ترام ومكاتب وجسور، كان للمغاربة المهاجرين دور في ذلك، فقد تم بناء بروكسل بمساعدة القوى العاملة للجيل الأول من المغاربة، وفي السبعينات، كان المغاربة يشكلون نسبة 80% من موظفي النقل العام والمستودعات في بروكسل.
عندما توقف النمو الاقتصادي في أواخر الستينات، بدأت البطالة في بلجيكا بالارتفاع، ولكن المهاجرين اختاروا البقاء في بلجيكا بعد أن استقروا بالفعل مع أسرهم وأسسوا حياتهم، وفي عام 1974، انتهت اتفاقيات الهجرة الرسمية، إلا أن الهجرة من المغرب ظلت مستمرة حتى اليوم، حيث يبحث الناس عن فرص اقتصادية وعن لم شمل للأسرة.
يؤكد أحفاد المغاربة الذين وُلدوا في بلجيكا على حقهم في الانتماء إلى بلجيكا، لأنهم يشعرون بأن بلجيكا هي بيتهم الذي ترعرعوا فيه
يشكو المغاربة في بلجيكا من تأثير الأحداث السلبية التي تتعلق بأفراد من الأصل المغربي على الكل، مما يلقي بظلاله على إنجازات المغاربة الإيجابية في نهضة بلجيكا.
الإنجازات المغربية
تميزت الجالية المغربية في بلجيكا في عدد من المجالات، من السياسة إلى الفن والأوساط الأكاديمية والطب والأعمال والرياضة، فخلال انتخابات 2019، تم انتخاب 6 مواطنين من أصل مغربي في مجلس النواب، في حين حصل 21 برلمانياً من أصل مغربي على مقاعد في البرلمانات الإقليمية، كما يعد عادل العربي وبلال فلاح من المخرجين السينمائيين من أصول مغربية، و معروفين على نطاق دولي.
أما الطعام المغربي فإن له تأثيراً قوياً أيضاً على المطبخ البلجيكي، حيث يمكن العثور على أطباق مثل الطاجين والكسكس في قوائم بعض المطاعم وفي المنازل.
ويؤكد أحفاد المغاربة الذين وُلدوا في بلجيكا على حقهم في الانتماء إلى بلجيكا، لأنهم يشعرون بأن بلجيكا هي بيتهم الذي ترعرعوا فيه، ففي كتابه “تأملات في الكتابة والمنفى”، يوضح الكاتب طه عدنان الذي غادر مراكش عام 1996 للدراسة في بلجيكا، أنه “ليس منفياً ولا مهاجراً” بل هو “شخص اضطر إلى إيجاد طريقة جديدة للحياة” بعد أن عانى من البطالة لمدة عامين في المغرب.
اليوم، يدافع عدنان عن الأدب البلجيكي المكتوب باللغة العربية، في الوقت الذي يختار فيه العديد من المؤلفين من أصل عربي في بلجيكا الكتابة بالهولندية أو الفرنسية، فاللغة العربية، بالنسبة له، تساهم في تكوين هوية بلجيكية متنوعة.
قام عدنان بنشر الشعر والمسرحيات والمساهمة في نشر أصوات الكتاب العرب المقيمين في بلجيكا من خلال المهرجانات الأدبية والكتب الجماعية، كما قام بإصدار مجموعة “مختارات بروكسل المغربية”، التي تجمع أعمال كتاب مغاربة يصورون أوروبا.
يؤكد عدنان أنه “يشعر وكأنه في بيته في بلجيكا”، وهذا شعور الكثير من الأشخاص من أصول مغربية أيضاً، حيث يؤكدون أنهم بحاجة إلى وجود أكثر وضوحاً، يمكن من خلاله تسليط الضوء على مسارات نجاحهم في بلجيكا.
للاطلاع على النص الأصلي: من هنا