بقلم ليلي غاليلي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
على مدار عقود من الزمان، ظل الإسرائيليون يقولون لأنفسهم إن الجيش يمتلك البلد، أحياناً على سبيل النكتة، وأحياناً أخرى كتعبير يعكس انطباعهم عن الواقع.
ولكن قبل أكثر من عشرة أسابيع ومنذ أن اندلعت الاحتجاجات ضد خطة الحكومة المثيرة للجدل حول التعديلات في النظام القضائي، تغير ذلك الانطباع عن مؤسسات الجيش بصورة كبيرة لدى كثير من الإسرائيليين.
فعناصر وحدات الجيش الذين كان يُنظر اليهم باعتبارهم أبطالاً أعزاء ذات يوم، أصبحوا اليوم يُذمون بشكل روتيني من قبل أنصار حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والمسؤولين في ائتلافه الحاكم.
لأول مرة يحدث هذا، كما انها المرة الأولى التي يشارك فيها الجنود في الاحتجاجات العارمة.
بدأ ذلك قبل أسبوعين اثنين عندما أعلن 37 من بين 40 احتياطياً في سرب69 – وحدة النخبة في سلاح الجو الإسرائيلي – أنهم لن يشاركوا في التدريبات احتجاجاً على خطة الحكومة لإدخال تعديلات على النظام القضائي.
تعتبر مجموعة السرب، التي تعرف باسم “المطارق”، حيوية جداً بالنسبة لأمن إسرائيل، فهي التي نفذت مئات الغارات على أهداف إيرانية داخل سوريا خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك الهجوم على المفاعل النووي السوري في عام 2007.
تاريخياً، لطالما حظي الجيش وفرقه المختلفة بمكانة مرموقة في المجتمع الإسرائيلي، حيث ينظر إليهم باعتبارهم مؤسسات الدولة التي يعتمد عليها أكثر من غيرها، ويبلغ تقدير الناس لهم حداً جعل الحكومة تعتبر حياة الجنود أعلى قيمة من حياة المدنيين الذين من المفروض أن الجنود يسهرون على حمايتهم.
ولذلك فإن قرار السرب 69 الانضمام إلى عشرات الألوف من المحتجين في الشوارع يؤكد على السخط المتنامي ضد مشروع التعديل القضائي، والذي يخشى النقاد من أنه سوف يخضع البلد لحكم سلطوي ويقوض آليات الرقابة والتوازن.
وانضم اليهم يوم الأحد، 180 من الطيارين والملاحين الاحتياط وغيرهم من العاملين في سلاح الجو، معلنين أنهم لن يشاركوا في تدريباتهم الأسبوعية لهذا الأسبوع. وعلى النقيض من أسلافهم، الذين كان بيانهم المشابه يشير فقط إلى المستقبل، فإن هذا القرار غير المسبوق يوضع قيد التنفيذ في الحال.
وبالفعل لم يتراجعوا عن قرارهم، بل واعترف كثيرون منهم على الملأ أنهم سيقومون بالاحتجاجات في الوقت الذي كان من المقرر أن يقضوه في التدريب. وكتب أحد الطيارين إلى آمره يقول له: “إن الأسابيع القادمة حرجة من حيث التغير المنتظر في النظام. من وجهة نظري، إن المشاركة في أي مسعى لوقف هذه العملية هو الذي تتطلبه مساهمتي في خدمة الدولة والحفاظ على أمنها.”
إن الحراك الذي بدأ بمشاركة 37 طياراً، غيروا مضمار ومزاج التظاهرات الاحتجاجية، أصبح الآن سيلاً من المئات من عناصر الاحتياط من الوحدات الأخرى، بما في ذلك الوحدة 8200، وهي وحدة من الفرق الاستخباراتية، الذين هددوا كذلك بالامتناع عن التوجه إلى العمل، وغيرهم من الاحتياطيين من التشكيلات النخبوية الأخرى وبعض وحدات القوات الخاصة.
وقبل أيام، وصف يوآف غالانت، وزير الجيش وعضو تكتل الليكود الذي يرأسه نتنياهو، المنشقين بأنهم “تهديد حقيقي لأمن إسرائيل”، ولكن مع نمو أعدادهم، تغيرت لهجته حيث هدد يوم الاثنين بالاستقالة إذا لم يتم التوصل إلى تسوية، بل يقال إنه هدد رئيس الوزراء بأن الجيش على وشك الانهيار.
بدون سلاح جو لا توجد إسرائيل
من الجدير بالذكر أنه لم يحصل من قبل في تاريخ إسرائيل أن تدخل الجيش في العملية السياسية في البلاد، ولم يحصل من قبل أن تولى سلاح الجو دوراً رائداً في ذلك، مع أن عدداً من رؤساء الأركان دخلوا السياسة بعد التقاعد.
وفي هذا الشأن، قال نيري ياركوني، العقيد المتقاعد الذي خدم طياراً حربياً في سلاح الجو لما يزيد عن ثلاثين عاماً، إن ما أقدم عليه الطيارون السبعة والثلاثون يعتبر نقطة تحول رئيسية بالنسبة للحركة الاحتجاجية.
وقال: “لا يوجد لدى إسرائيل عدد كبير من الطيارين الحربيين، وعلى غير المعهود في وحدات الجيش الإسرائيلي الأخرى، فإن جميع الطيارين تقريباً هم في الاحتياط، وليسوا جنوداً شباباً يؤدون الخدمة الإجبارية”.
وأضاف: “إن الطيارين السبعة والثلاثين من سرب 69، وهم بالتأكيد سرب “الامتياز”، يمثلون مزاجاً شائعاً في أوساط احتياطي سلاح الجو. يدرك الجميع أنه بدونهم لا يوجد سلاح جو، وبدون سلاح الجو لا وجود لإسرائيل”.
وأضاف ياركوني أنه بينما يقول الاحتياطيون إنهم سيشاركون في العمليات الحربية إذا كان ثمة حاجة لذلك، إلا أن غيابهم قد يؤثر على قدرة إسرائيل على تنفيذ الغارات على المواقع التي تتجاوز قطاع غزة وسوريا حيث تستخدم الطائرات الحربية الإسرائيلية في معظم الأوقات.
“بإمكان سلاح الجو الإسرائيلي مهاجمة إيران بدون سرب 69، تماماً كما أن فريق نادي برشلونة بإمكانه أن يلعب بدون ميسي، ولكن الأداء لن يكون واحداً“. – نيري ياركوني
لو امتنع نصف الطيارين الحربيين الإسرائيليين عن الخدمة وظهر تهديد من بعيد، لنقل من قبل إيران، فإن ياركوني يحذر من أن الجيش الإسرائيلي ببساطة لن يتمكن من التعامل مع التهديد الطارئ. ويقول: “بدون طيارين، لا وجود لدولة إسرائيل”.
يتفق أومير بارليف، عقيد متقاعد وآمر سابق لوحدة سايريت ماتكال، وهي وحدة قوات خاصة كان نتنياهو قد خدم فيها ذات مرة، مع نظرة ياركوني المتشائمة.
وقال بارليف الذي كان حتى وقت قريب عضو في الكنيست عن حزب العمال وكان يشغل منصب وزير الأمن العام: “إن حق إسرائيل في الوجود يقوم على جيش قوي وعلى الدعم الأمريكي الذي بدوره يستند إلى مجموعة من القيم المشتركة. إذا ما تلاشت هذه العوامل، فإننا سنكون على بضع خطى من انهيار إسرائيل”
ويعتقد بارليف أن الضرر المحدق بالجيش لا يمكن تجنبه، ويقول: “طوال خدمتي العسكرية الطويلة، كانت تساورني شكوك حول طبيعة المهام التي أقوم بها، وبشكل محدد إذا ما كانت تخدم أجندة سياسية خفية. إلا أنني كنت أتعايش مع ذلك لعلمي بكل بساطة أنه أياً كان الذي يقود البلاد، فإنه إنما يكون مدفوعاً باحتياجات الدولة الأمنية، ولا شيء سوى ذلك”.
وفي ضوء ما يتعرض له الجيش من هجمات لفظية، رد العديد من قدامى المحاربين بعنف على السياسيين اليمينيين الذين تهربوا من الخدمة العسكرية الإلزامية، وذلك أن من بين الـ 64 عضواً في الائتلاف الحاكم، هناك 24 فقط خدموا في الجيش.
في خطاب له أمام مجموعة من المتظاهرين في القدس في وقت سابق من هذا الشهر، قال رئيس الاستخبارات العسكرية السابق اللواء آموس مالكا: “نحن لسنا حمقى لن نسمح للناس الذين لم يخدموا في الجيش بأن يملوا علينا نوع البلد الذي نعيش فيه، أوقفوا التشريع وإلا فإننا سوف نوقف البلد”. ويبدو أن ذلك هو المزاج السائد في أوساط الشخصيات العسكرية.
وفي احتفال لتكريم احتياطي الجيش في الثاني عشر من أذار/ مارس، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرزي هاليفي: “لا يمكن للجيش الإسرائيلي أن يعمل بدون الاحتياط، واستعداد هؤلاء للخدمة يتوقف على بقائه جيشاً للشعب”.
وفي الأسابيع الأخيرة، حذر العقيد المتقاعد شاؤول آريلي من أن اللغة التي توجه إلى عناصر الاحتياط المعارضين يمكن أن تؤثر على أداء من في الخدمة الإلزامية.
وقال في تصريح صحفي: “هؤلاء فتيان وفتيات ويمكن للمناخ الحالي أن يؤثر بسهولة على حماسهم للانضمام إلى الوحدات المقاتلة أو للمشاركة في تدريبات الضباط”.
وأضاف: “عندما يرى (الأطفال) أن البالغين يرفضون الخدمة في الاحتياطي، فلا مفر من أن يروا الأمر على حقيقته: تعبير عن عدم الثقة في النظام”.
في منتصف الطريق نحو الانقلاب العسكري
كما أن الغضب لا يزال مستعرا منذ التصريح الذي أدلى به بتسلئيل سموتريتش، والذي بالإضافة إلى شغله منصب وزير المالية يتولى مسؤولية إدارة إسرائيل المدنية في الضفة الغربية المحتلة بحقيبة في وزارة الدفاع، والذي قال إنه ينبغي على إسرائيل “محو” قرية حوارة الفلسطينية من الوجود.
ففي الشهر الماضي، اعتدى مئات من المستوطنين على البلدات والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة بالقرب من نابلس بعد إطلاق نار قُتل فيه إسرائيليان اثنان في حوارة.
كما أعرب اللواء غيرشون هاكوهين، الذي كان آمراً للقوات أثناء الانسحاب من غزة في عام 2005، عن اعتراضه الصريح على سلوك الطيارين، واصفاً إياه بالابتزاز السافر وأنه منتصف الطريق نحو انقلاب عسكري”.
وتساءل: “ما هو الانقلاب العسكري إن لم يكن استخدام هؤلاء للنفوذ الذي يحظون به ككيان وحيد لا يمكن الاستعاضة عنه”.
وأضاف: “لا يوجد سوى بضع مئات منهم، إن الاستثمار الضخم في كل واحد منهم يترتب عليه مسؤوليات عظيمة، إنهم يسيئون استخدام نفوذهم”.
ويقارن العديد من المحللين الوضع الحالي بما كان عليه في حرب أكتوبر 1973، فرغم الاختلاف الكبير بينهما، إلا أن المصدر الرئيسي للتشابه هو أزمة الثقة بين القيادة والشعب، على الأقل في أوساط ما لا يقل عن نصف الجمهور، إلا أن الجيش برز حينذاك كمنقذ، أما الآن فإنه العدو بالنسبة للبعض.
يقول دان هالوتز، رئيس الأركان السابق الذي خدم أيضاً في منصب قائد سلاح الجو: “ترى البلدان المعادية أن إسرائيل الآن تشبه بيت العنكبوت، وهي تتساقط من ذاتها دون تدخل منهم”. ويضيف: “لا يمكن لأحد أن يقيد طياراً في مقعده ويجبره على الطيران”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)