بقلم إحسان مجدي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبل أشهر، ركبت الأم مع طفلها على متن قارب إلى جانب عشرات الآخرين بين أطفال وشباب، في رحلة هجرة نحو أوروبا، لكنهم لم يصلوا أوروبا مثل الكثيرين من قبلهم، مع غرق قاربهم تحولت أحلامهم وآمالهم إلى مأساة!
على مدى سنوات، عثر الصيادون المحليون في تونس على بقايا مهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا، وتم إنشاء مقبرتين لضحايا البحر الأفارقة، حديقة إفريقيا ومقبرة المجهول، في مدينة جرجيس الساحلية التونسية، من أجل دفن الضحايا مجهولة الهوية بعد انتشالها من البحر الأبيض المتوسط.
ويعد العدد الأكبر من المهاجرين التونسيين غير الشرعيين من الأفراد الذين رُفضت طلباتهم للحصول على تأشيرة، فقرار الهجرة عبر القارب ليس اختيارياً، لكن إجراءات التأشيرة لا تترك لهم خياراً آخر.
خلال عملي الميداني في جنوب تونس العام الماضي، تحدثت إلى عدد من الشباب وعائلاتهم الذين وصل بعض أقاربهم إلى أوروبا على متن قوارب، بينما لا يزال آخرون ينتظرون، وعلق بذهني تساؤل أحدهم “لماذا أبقى هنا؟ المدينة فارغة، لقد ذهب كل الشباب”.
في حديثي مع عالم الاجتماع التونسي، خالد الطبابي، أخبرني أنه في قوانين الاتحاد الأوروبي فإن “التنقل امتياز وليس حق”، حيث تعتبر الحدود أداة تصنيفية داخل الاتحاد الأوروبي يستخدمونها لتصنيف الأشخاص واستبعادهم، وهذا أمر قائم منذ التسعينات.
منذ زمن طويل، تتعاون تونس مع الاتحاد الأوروبي في قضايا الهجرة، فقبل حوالي شهر، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية المتطرفة، جورجيا ميلوني، في العاصمة التونسية، حيث تباحثا في صفقة تونس مع صندوق النقد الدولي، ومن جهتها تعهدت ميلوني بدعم القطاعات “ذات الأولوية” في تونس.
“تأمين” الحدود الأوروبية
في اجتماع لاحق، جمع ميلوني وسعيد مع رئيس الوزراء الهندي، مارك روته، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، تم التباحث حول 5 أعمدة رئيسية للتعاون مع تونس، التنمية الاقتصادية والاستثمار والطاقة والهجرة والاتصالات بين الناس، في بنود أشارت فون دير لاين بأنه يمكن “حشد أكثر من مليار دولار من المساعدات” من اجل دعم البنود الخمسة.
بدأ الحزب الوطني التونسي الوليد بحملة لطرد المهاجرين غير الشرعيين، معتبراً الأمر أشبه بما أسماه “استعمار جنوب الصحراء الكبرى” الذي “يهدد الدولة التونسية”
لكن الحقيقة أن المساعدة الاقتصادية الظاهرية من طرف الاتحاد الأوروبي تنطوي وراء الهدف الأهم بالنسبة له وهي “تأمين الحدود الأوروبية” وكبح تدفق المهاجرين من شمال إفريقيا، فيما صرح سعيد أن تونس “لن تكون حرس حدود أوروبا”، مما يضع الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس أمام تحدٍ كبير.
في الواقع، الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ليست متكافئة بأي حال من الأحوال، فبالنسبة للاتحاد الأوروبي، الأمر كله متعلق بتحويل تونس إلى حدود شرطية أو دولة ثالث آمنة في أحسن الأحوال، لكن تونس ليست مؤهلة لا لوجيستياً ولا قضائياً لتكون دولة ثالثة آمنة، خاصة مع تزايد خطاب الكراهية ضد الأجانب والمهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى.
من جهة، قامت قوات الأمن التونسية بطرد مئات الأفارقة السود من صفاقس إلى المنطقة الحدودية مع ليبيا في الآونة الأخيرة، ومن جهة أخرى، خرجت تظاهرات احتجاجية عدة في صفاقس ضد وجود اللاجئين في المدينة الساحلية التي تعد نقطة عبور للاجئين عبر البحر المتوسط نحو أوروبا.
وفي وقت سابق من هذا العام، تفاقمت المشكلة عندما بدأ الحزب الوطني التونسي الوليد بحملة لطرد المهاجرين غير الشرعيين، معتبراً الأمر أشبه بما أسماه “استعمار جنوب الصحراء الكبرى” الذي “يهدد الدولة التونسية”.
تمت ترجمة الخطاب المناهض للمهاجرين إلى اعتداءات عنيفة ضد المهاجرين الأفارقة السود في تونس، فقد أدى توجه الدولة التي ترى الهجرة تهديداً ديموغرافياً إلى تفاقم الوضع، فقد نقلت جهات حقوقية تعرض المهاجرين الأفارقة إلى سوء المعاملة من خلال عمليات إخلاء تعسفي بالإضافة إلى الاعتداءات اللفظية.
كل الكلام عن التعاون والمساعدات فهي أمور ثانوية، لا تريد ميلوني إلا تدفقاً أقل للمهاجرين، حتى لو كان ذلك يعني المزيد من المآسي قرب شواطئ جرجيس!
وفي وقت سابق، حذر سعيد من “جحافل المهاجرين غير الشرعيين” وربط ذلك بما أسماه “خطة إجرامية لتغيير التركيبة السكانية” في تونس، كما حث على اتخاذ إجراءات صارمة لمعالجة القضية، تصريحات استنكرها النشطاء ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية بالإضافة إلى البنك الدولي.
في هذه المرحلة، لا يبدو أن تونس والاتحاد الأوروبي مستعدان لتجاوز التعامل مع قضية الهجرة كقضية أمنية، تتمحور حول مبدأ إخراج اللاجئين وتأمين الحدود منهم، توجه يقابله تخوف كبير لدى المهاجرين فيما يتعلق بحرية التنقل وسياسات التأشيرات.
يتفق الكثير من الخبراء في تونس على أن مقاربة الاتحاد الأوروبي تجاه تونس ترقى إلى شكل من أشكال الابتزاز الاقتصادي والسياسي، لأن الهدف الأهم للاتحاد هو ضبط الحدود ليس إلا، أما كل الكلام عن التعاون والمساعدات فهي أمور ثانوية، لا تريد ميلوني إلا تدفقاً أقل للمهاجرين، حتى لو كان ذلك يعني المزيد من المآسي قرب شواطئ جرجيس!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)