كيف أصبحت سوريا ساحة تنافس بين النفوذ الإسرائيلي والتركي؟

بقلم ماركو كارنيلوس
ترجمة وتحرير مريم الحمد

يمكن الاستنتاج من المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط في الأشهر الأخيرة أن موقف إسرائيل وتركيا نحو التحرك الاستراتيجي في المنطقة قد تحسن، فهل يمكن أن يكون هذا الوضع وصفة للاستقرار أم نذيراً لمزيد من المشاكل في المستقبل؟

رغم انخراطها في صراع على جبهات متعددة في غزة والضفة الغربية المحتلة ولبنان وسوريا واليمن وإيران، يبدو أن إسرائيل هي التي انتصرت في الوقت الحاضر، فيما يمر “محور المقاومة” الذي تقوده طهران في حالة من الفوضى.

لقد تعرضت القيادة العسكرية والبنية التحتية الإيرانية لضربة شديدة خلال حرب يونيو الماضي، مما ألحق أضراراً أيضاً بالبرنامج النووي للدولة، وكان الرد الإيراني خجولاً بعدما قصفت الولايات المتحدة مواقع فوردو ونطنز وأصفهان النووية في 22 يونيو الماضي.

في الوقت نفسه، يحكم سوريا الآن متشدد سابق من تنظيم القاعدة قد تم تلميع سمعته بسرعة قياسية من قبل الديمقراطيات الغربية، حيث تم إلقاء عقود من التعبئة الأمريكية والأوروبية ضد الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية وهيئة تحرير الشام في سلة المهملات في غضون أيام، مما يؤكد بشكل أكبر على المعايير الغربية المزدوجة.

هل تستطيع واشنطن كبح جماح اثنين من حلفائها الإقليميين الرئيسيين لتجنب السيناريو الذي يمكن أن تكون فيه سوريا المنقسمة بشدة، والتي يتم سحبها في اتجاهات مختلفة من خلال مناطق النفوذ المتنافسة، الشرارة التي تشعل صراعاً كبيراً آخر في المنطقة؟

بناء على ذلك، فقد تم قطع الطريق اللوجستي الرئيسي لإيران لدعم حزب الله في لبنان، والذي تم إضعافه بشدة أيضاً بخسارة زعيمه حسن نصر الله وشخصيات بارزة أخرى، ويتعرض الحزب الآن لضغوط قوية داخلية ودولية، للتخلي عن ترسانته العسكرية.

من ناحية أخرى، فإن قسوة إسرائيل في غزة، والتي تحولت إلى ساحة قتل هائلة في وقت يصطف فيه المدنيون الذين يتضورون جوعاً للحصول على مساعدات إنسانية محدودة، كانت سبباً في تدهور قدر كبير من الدعم الدولي الذي تحظى به إسرائيل، إلا أن حكومة إسرائيل المتطرفة لا تهتم حقاً بالرأي العالمي، ما دامت الدول الغربية مستمرة في تقديم الدعم.

ضربات غير مبررة

أما بالنسبة لتركيا، فقد نجح الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخراً في تحييد التهديد الأمني الرئيسي على طول حدودها الجنوبية الشرقية، وهو حزب العمال الكردستاني، كما انتصرت في هدفها الذي طال انتظاره وهو إزاحة بشار الأسد من السلطة في سوريا واستبداله بأحمد الشرع، كما عززت أنقرة سمعتها العالمية باعتبارها الوسيط في الحرب الروسية الأوكرانية.

إلى جانب إسرائيل، أصبحت تركيا لاعباً إقليمياً بارزاً، وفي هذا السياق، فإن أي طريق نحو الاستقرار في مثل هذه البيئة المتقلبة يجب أن يشمل حتماً الآن كلاً من إسرائيل وتركيا، وكلاهما على استعداد لرفض الضغوط الأمريكية بطرق لا يحلم سوى القليل من حلفاء أمريكا الآخرين بالقيام بها. 

من الممكن أن تصبح سوريا واحدة من أهم اختبارات الضغط لهذه الديناميكية، ففي الشهر الماضي، نفذت إسرائيل غارات جوية ضد مواقع للنظام السوري وسط اشتباكات بين الطائفتين الدرزية والبدوية في جنوب سوريا، وفي حين ادعت إسرائيل أن هدفها هو حماية الدروز، يبدو أن سياستها الفعلية تركز على نزع سلاح المنطقة الواقعة جنوب دمشق لتوسيع “المنطقة العازلة” الخاصة بها.

وفي أعقاب انهيار الأسد مباشرة، نفذت إسرائيل سلسلة من الضربات الجوية غير المبررة على سوريا، الأمر الذي أدى إلى تسوية البنية التحتية العسكرية للدولة بالأرض، أمام صمت الديمقراطيات الغربية الذي يصم الآذان كالمعتاد.

من جانبها، أعربت كل من السعودية وقطر وتركيا ودول إقليمية أخرى عن دعمها لوحدة سوريا، في حين حذر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان من أن تركيا يمكن أن تتدخل إذا حاولت الجماعات الانفصالية مثل الدروز، الذين تعتبرهم أنقرة عملاء لإسرائيل، تقسيم سوريا وزعزعة استقرارها.

لقد كانت هناك أيضاً تكهنات بأن إسرائيل قد تحاول إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار مع سوريا لعام 1974، بحثاً عن ترتيب أمني جديد يمنح إسرائيل وجوداً خارج مرتفعات الجولان لفترة انتقالية مدتها 5 سنوات، وفقاً لمصدر أمني إقليمي.

بالنظر إلى مدى سهولة تحويل إسرائيل الفترات الانتقالية إلى فترات دائمة، فسوف يكون من الطبيعي أن نتوقع أن تثير مثل هذه الخطوة مخاوف جدية في دمشق وربما في أنقرة أيضاً.

شكوك عميقة

في الوقت نفسه، أثارت محاولة الحكومة السورية الأخيرة لإخضاع المناطق الدرزية مخاوف بين قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، الذين يخشون من أن مثل هذا السيناريو قد يجعلهم الهدف التالي رغم استفادتهم حتى الآن من الحماية الأمريكية.

في هذا السياق، لا تبدو تركيا مستعدة للدفاع عن الشرع، ومن غير الواضح ما إذا كانت ستتمكن من التوصل إلى تسوية مع إسرائيل حول مناطق النفوذ المتفق عليها.

لو توقفنا عند تقسيم افتراضي، فيمكن أن يقع الجزء الجنوبي من سوريا حتى مشارف دمشق تحت النفوذ الإسرائيلي، والباقي، باستثناء معقل قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات، تحت النفوذ التركي، وبذلك سوف تعتمد قوات سوريا الديمقراطية على الدعم الأمريكي كحصن ضد الهجمات التركية، ويبقى السؤال هو كيف سيتم تنفيذ ذلك في الممارسة العملية.

قد يأتي قريباً اختبار آخر مهم فيما يتعلق بالدبلوماسية الأمريكية في المنطقة، حيث يتمتع السفير الأمريكي لدى تركيا، توم باراك، وهو أمريكي من أصل لبناني، بميزة كبيرة في واشنطن، وهي وجود خط مباشر له مع الرئيس دونالد ترامب، كما أنه المبعوث الخاص لسوريا ومكلف بتحقيق استقرار الوضع السياسي في لبنان، وهذا تفويض واسع النطاق لشخصية واحدة في منطقة شديدة التقلب، مما يشير بوضوح إلى أن واشنطن ربما تهدف إلى اتباع نهج شامل.

من غير المستغرب إذن أن تكون الشكوك حول نوايا واشنطن الحقيقية عميقة في تركيا، حيث تعتقد أنقرة أن الولايات المتحدة سوف تعطي الأولوية دائماً لإسرائيل في نهاية المطاف، ومع ذلك فالمستقبل غير مؤكد. 

هل تستطيع واشنطن كبح جماح اثنين من حلفائها الإقليميين الرئيسيين لتجنب السيناريو الذي يمكن أن تكون فيه سوريا المنقسمة بشدة، والتي يتم سحبها في اتجاهات مختلفة من خلال مناطق النفوذ المتنافسة، الشرارة التي تشعل صراعاً كبيراً آخر في المنطقة؟

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة