بقلم عمر عاشور
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد عبر القائد الأعلى للحرس الثوري حسين سلامي بوضوح عن موقف بلاده حين قال مؤخراً: “لقد أنشأنا معادلة جديدة، من الآن فصاعداً، سيؤدي أي اعتداء على شعبنا أو ممتلكاتنا أو مصالحنا إلى رد فعل من داخل جمهورية إيران الإسلامية”.
كانت شدة الهجوم غير مسبوقة، ليس في تاريخ إسرائيل فحسب، بل في التاريخ الحديث لاستخدام حرب الطائرات بدون طيار
وقد جاءت تصريحاته تلك عقب هجوم تاريخي شنته إيران على إسرائيل، فهو أول هجوم مباشر لها على إسرائيل ولم يسبق له مثيل من حيث المدى والشدة والحجم والنطاق والتحالفات وربما التداعيات.
في إطار ردها على قتل كبار القادة الإيرانيين في دمشق في وقت سابق من شهرإبريل، ضربت إيران قاعدتين جويتين إسرائيليتين في صحراء النقب على بعد أكثر من ألف كيلومتر من أقصى حدودها الغربية، وعبر مناطق “غير صديقة”.
إحداها قاعدة نيفاتيم الجوية والتي تعد واحدة من أكبر القواعد الجوية في إسرائيل، تقع إلى الشرق من بئر السبع وتضم مقاتلات الشبح من طراز F-35، التي يُقال أنها استخدمت في تفجير القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 أبريل، مما أسفر عن مقتل أكثر من 12 شخصاً، بينهم مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني.
إضافة إلى ذلك، فقد ضربت الصواريخ الباليستية الإيرانية قاعدة رامون الجوية، التي تقع جنوب بئر السبع وتضم عدة أسراب من المقاتلات متعددة المهام من طراز F-16I ومروحيات هجومية من طراز أباتشي AH-64A/D.
من ناحية أخرى، فقد كانت شدة الهجوم غير مسبوقة، ليس في تاريخ إسرائيل فحسب، بل في التاريخ الحديث لاستخدام حرب الطائرات بدون طيار، حيث هاجمت إيران إسرائيل بأكثر من 300 ذخيرة محمولة عبر الجو، بما في ذلك حوالي 170 طائرة انتحارية بدون طيار و30 صاروخ كروز و120 صاروخاً باليستياً.
الكم والنوع
كان سرب الطائرات بدون طيار وحده هو الأكبر على الإطلاق، متجاوزاً بذلك عاصفة الطائرات بدون طيار التي شنتها داعش خلال معركة الموصل، والتي كانت تضم حوالي 70 طائرة مدنية بدون طيار معدلة ومسلحة تم إطلاقها في وقت واحد، بالإضافة إلى تجاوزها هجمات الطائرات بدون طيار الروسية على أوكرانيا.
كان التحالف الدفاعي الجماعي من أجل إسرائيل غير مسبوق أيضاً، حيث دافعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والأردن ودول عربية أخرى عن المجال الجوي الإسرائيلي، فهذا هو أول سجل للدفاع الجوي عن السماء الإسرائيلية من قبل دولة عربية واحدة أو أكثر
إن ذخائر شاهد136، إيرانية الصنع والتي تم استخدامها في الهجوم على إسرائيل، بطيئة وصاخبة، مما يجعل اكتشافها وتدميرها سهلاً ولكن الرهان فيها كان على الكم.
لقد أدت أسراب الطائرات بدون طيار وغيرها من الذخائر الجوية إلى تشتيت انتباه الدفاعات الجوية الإسرائيلية متعددة الطبقات، مما سمح لعدد قليل من الصواريخ الباليستية باختراق أهدافها وضربها.
من جانب آخر، فقد كان حجم ونطاق التحالف سابقة أيضاً، حيث تمكن حلفاء إيران من تنسيق الهجمات في وقت واحد، بدءاً من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز طويلة ومتوسطة المدى التي أطلقها الحوثيون في اليمن إلى صواريخ غراد البدائية عيار 122 ملم التي أطلقها حزب الله في جنوب لبنان إلى الذخائر المتسكعة التي أطلقتها الميليشيات العراقية.
وعلى الجانب الآخر، فقد كان التحالف الدفاعي الجماعي من أجل إسرائيل غير مسبوق أيضاً، حيث دافعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والأردن ودول عربية أخرى عن المجال الجوي الإسرائيلي، فهذا هو أول سجل للدفاع الجوي عن السماء الإسرائيلية من قبل دولة عربية واحدة أو أكثر.
في الوقت نفسه، تمكنت العملية الإيرانية من التغلب على نظام دفاع جوي إسرائيلي متكامل ومتعدد الطبقات، خاصة وأن إيران كانت تملك معلومات استخباراتية ساعدتها في تتبع مصدر تفجير القنصلية وكيفية شن هجوم مضاد.
كل هذه مؤشرات على تغيير قواعد محتمل في اللعبة رغم كون الخسائر رمزية إلى حد كبير، ولكن يبقى هذا النوع من الضربات في إطار الإشارات الاستراتيجية وليس الفعالية العسكرية، فلم تحاول إيران التشويش على الرادار أو قمع أو تدمير الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو اعتراض الطائرات الحربية الإسرائيلية أو حتى الحفاظ على الدقة.
لقد كانت قاعدة نيفاتيم الجوية جاهزة للعمل في نفس اليوم، مما يؤكد قوة الدفاعات الجوية الإسرائيلية بمساعدة تحالف غير مسبوق من الحلفاء الإقليميين والدوليين، ومن المرجح أن تقوم إسرائيل بالرد رغم الضغوط التي يمارسها حلفاؤها عليها لثنيها عن ذلك.
لا تزال أصداء الضربة الإيرانية باقية باعتبارها نذيراً لاستمرار الصراع، حيث تستمر الإشارات الاستراتيجية ويتم قياس الفعالية العسكرية من خلال القدرة على الابتكار والتكيف وبناء التحالفات والضربات المضادة، وفي مواجهة دائمة كهذه، من السهل أن يختل توازن الإرهاب والقوة ليظهر هشاشة استقرار قاسٍ لا يمكنه أن يستمر من خلال النصر، بل من خلال الردع المتبادل.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)