بقلم طارق علي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
عندما قامت الولايات المتحدة ببناء رصيف غزة، حذر بعض النشطاء والمثقفين الفلسطينيين من إمكانية استخدامه لأغراض غير هدفه الظاهري المعلن والمتمثل في توفير الغذاء والدواء للسكان المحاصرين.
لو كانت الولايات المتحدة جادة في تقديم المساعدات الإنسانية، لكان بإمكانها أن تفعل ذلك دون أي عقبات، فقد كان من الممكن أن تأمر إسرائيل بتطهير المجال الجوي حتى تتمكن الطائرات الأمريكية من إيصال المساعدات، أو أن تفرض على مصر فتح الحدود للسماح للشاحنات التي تحميها الولايات المتحدة من إدخال الغذاء والأدوية اللازمة.
الشعور بالانتصار الذي يظهره الليبراليون المؤيدون لإسرائيل، إلى جانب التحالف الصهيوني اليميني المتطرف المنفتح وأصدقائهم في وسائل الإعلام، مثير للاشمئزاز
الحقيقة أنه مهما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحاشيته الفاشية متوحشون، فلن يكون بوسعهم مقاومة أوامر واشنطن خاصة إذا صدرت علناً، فرغم ضعف الصهيوني بايدن، إلا أن البلاد لا يحكمها شخص واحد، فالقوة العسكرية الأمريكية هي من تمنح الرئاسة قوتها.
إن المكتب السياسي الذي يضم وكالات الدفاع والاستخبارات الأمريكية وغيرها من الوكالات، يحد من استقلالية القادة الإسرائيليين فهي دوماً بحاجة إلى ضوء أخضر من البنتاغون.
انطلاقاً من ذلك، فإن الإبادة الجماعية التي نشهدها اليوم لم تكن لتستمر بهذه الوتيرة لولا أنها حظيت منذ البداية بدعم كامل من واشنطن وبرلين ولندن، ولكنهم الآن باتوا يؤيدون “وقف إطلاق النار”، لأنهم يعتقدون أن عدداً كافياً من الفلسطينيين قد قُتلوا وأن ذلك أصبح يؤدي إلى نتائج عكسية!
قوة مطلقة
رغم تزايد قلق الولايات المتحدة، إلا أنها قد فشلت في القيام بأي تحركات حقيقية في اتجاه إنهاء الحر، بل قامت بدلاً من ذلك، بدعم المجازر بمجزرة جديدة في النصيرات وسط غزة شاركت فيها بشكل فعلي واضح هذه المرة، وذلك باستخدام طائرات بدون طيار من طراز MQ-9 Reaper للبحث عن الرهائن الإسرائيليين.
إضافة إلى ذلك، فقد وردت تقارير، نفاها البنتاغون، تفيد بأن إسرائيل استخدمت رصيف المساعدات الأمريكي العائم في عملية إنقاذ الرهائن، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 270 فلسطينياً.
بعد العملية، تحركت أجهزة الدعاية الغربية على الفور للإشادة بالإنجاز الهائل الذي حققته إسرائيل والقوى الداعمة لها، وفي المقابل قللت التغطية الإخبارية من قيمة الضحايا الفلسطينيين.
تعلم إسرائيل أنها تستطيع الاعتماد دائماً على واشنطن، ولكن داخل الولايات المتحدة نفسها، هناك تحول عام كما تؤكد تحركات الطلاب في الجامعات في أنحاء الولايات المتحدة، حيث بدأ المواطنون الأمريكيون بمن فيهم اليهود، بالانفصال بالفعل عن عقيدة جماعة الضغط الإسرائيلية “إيباك”، وتزايد الغضب حتى أصبح جو بايدن “جو الإبادة الجماعية”.
الحديث عن حل الدولتين أمر زائف بالتأكيد، فكيف يمكن أن يحدث هذا دون عودة المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل أو إلى بروكلين؟! أما إذا كان المقصود بمفهوم “الدولة” الفلسطينية ليس أكثر من محمية أميركية إسرائيلية سعودية تديرها السلطة الفلسطينية، فهذا هراء كما يعلم الفلسطينيون جيداً
من جانب آخر، فمن المثير للاهتمام أن التعبئة الأوروبية استهدفت إسرائيل بحق، لكن لافتاتها وشعاراتها تجاهلت الولايات المتحدة إلى حد كبير، حيث أن إطلاق سراح 4 رهائن على حساب مئات الأرواح الفلسطينية ليس سبباً للاحتفال، إذ أن الشعور بالانتصار الذي يظهره الليبراليون المؤيدون لإسرائيل، إلى جانب التحالف الصهيوني اليميني المتطرف المنفتح وأصدقائهم في وسائل الإعلام، مثير للاشمئزاز.
سقط القناع
هناك مشكلة ضخمة أخرى، وهي أن الزعماء الفلسطينيين لا يستطيعون أن يتقبلوا دور الولايات المتحدة كوسيط، فقد كانت واشنطن دائماً منحازة لإسرائيل والآن سقط القناع تماماً.
رغم اعتراف أسبانيا وأيرلندا والنرويج مؤخراً بفلسطين وانتقاد إسرائيل بشدة، إلا أن الجزء الأكبر من “الحضارة الغربية” لا يزال يعمل جاهداً للدفاع عنها، حيث أن الرغبة في القتل الموروث من العصر الاستعماري لم يختف يوماً.
يؤكد هذا احتفال وسائل الإعلام الغربية بمذبحة بحق الفلسطينيين كانت هذه المرة في مخيم النصيرات، تحت غطاء “انتصار” باسترداد 4 رهائن!
الحقيقة القبيحة تكرر نفسها كما كانت في كينيا أو الهند أو جنوب إفريقيا خلال العصور الاستعمارية، وهي أن حياة السكان الأصليين لا أهمية لها، بل هي “المغامرة” التي يجب الاحتفال بها!
وهنا يطرأ تساؤل، ما الذي سيحدث الآن؟ قد يكون هناك نوع من وقف إطلاق النار، لأن إسرائيل لا تريد استمرار الوجود الإداري الفلسطيني في غزة، فهل تستطيع الولايات المتحدة إقناع السعودية بالعمل كجهة رقابية في غزة والاعتراف بإسرائيل في الوقت نفسه؟!
بالنسبة لي، الحديث عن حل الدولتين أمر زائف بالتأكيد، فكيف يمكن أن يحدث هذا دون عودة المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل أو إلى بروكلين؟! أما إذا كان المقصود بمفهوم “الدولة” الفلسطينية ليس أكثر من محمية أميركية إسرائيلية سعودية تديرها السلطة الفلسطينية، فهذا هراء كما يعلم الفلسطينيون جيداً.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)