قبل حوالي شهر، وخلال اجتماع استمر لمدة ساعتين ونصف، عرض الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق، محمد شيمشك، على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، جميع البيانات التي كانت بحوزته عن وضع الاقتصاد التركي، بكلمات أخرى، فقد أعطى للرئيس صورة شاملة عن حالة الأمة اقتصادياً، وبحسب مصادر محلية، فإن أردوغان لم يشعر بالارتياح يومها.
كان هذا أحد الاجتماعات العديدة التي تم عقدها منذ أبريل وحتى يوم الانتخابات في 14 مايو، حيث حاول أردوغان إقناع شيمشك بأن يصبح وزيراً جديداً للمالية والخزانة، لكن شيمشك أصر على الرفض، وهو المخضرم الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية والمالية بين عامي 2015 و2018، وظل يطالب بإصلاح واسع في الهيكل الاقتصادي التركي، الأمر الذي يتعارض مع السياسة النقدية غير التقليدية لأردوغان.
لقد أدت السياسة النقدية لأردوغان التي تمحورت حول الحفاظ على سعر فائدة مخفض، بالإضافة إلى الاعتماد على نمو الائتمان وزيادة الأجور والإعفاء الضريبي والغاز المجاني، إلى منحه فترة ولاية أخرى على الرغم من التضخم الكبير، فالمشكلة لا تزال موجودة، حيث استخدمت الحكومة أساليب الباب الخلفي لتحقيق الاستقرار في الليرة قبل الانتخابات، وأحرقت بذلك جميع احتياطيات البنك المركزي.
منذ عام 2021، حرص أردوغان على دعم برنامجه الاقتصادي من خلال سلسلة من صفقات تبادل العملات أو الودائع لدى جيران إقليميين مثل قطر والإمارات وروسيا وأذربيجان، ولكن حتى بعد إيداع 5 مليارات دولار مؤخراً من قبل دولة أجنبية غير معروفة، فإن احتياطيات البنك المركزي، والتي تشمل الاقتراض من البنوك المحلية، تقف الآن عند 5 مليارات دولار تحت الصفر، وهو أدنى مستوى تاريخي لها، تنذر بحدوث أزمة قريبة إذا ما استمر الوضع هكذا!
إصرار على الموقف
ظل أردوغان وحكومته يدافعون عن سياستهم النقدية لشهور، ويصرون على أنها سوف تؤدي إلى النمو والتوظيف وتقليص العجز التجاري، فالمدافعون عنها يشيرون إلى أن معدل البطالة انخفض من 20% إلى 10% عن العام الماضي، كما سجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 5% عن عام 2022.
صهر الرئيس، سلجوق بيرقدار، حاول أيضاً إقناع الرئيس بأنه كان مخطئاً بشأن أسعار الفائدة المخفضة وأنه بحاجة إلى شيمشك
رغم ذلك، لا يزال التضخم قرابة 40% حتى مايو، وبلغ العجز التجاري 57.8 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023، وذلك بزيادة 30% كنسبة سنوية، أما المصدرون الأتراك، فيشتكون من فقدانهم للميزة التنافسية، حيث يسعى الكثيرون إلى قواعد إنتاج بديلة بالفعل في مناطق مثل مصر، لأن تكاليف العمالة أقل بكثير.
خلال الاجتماع، أصر شيمشك على أن سياسة أردوغان النقدية الممولة من الخارج “غير مستدامة”، وأضاف “لا يمكن تشغيل الطاحونة بحمل المياه”، في إشارة إلى أن الاقتصاد لا يمكن إدارته باستخدام المساعدة من الغرباء، وأنه “لا يمكن تجاهل العالم الذي نعيش فيه”، فيما ظل أردوغان مصراً على موقفه بشأن أسعار الفائدة، التي يرى أنها غير إسلامية.
لم يكن شيمشك الوحيد الذي حاول إقناع أردوغان بأن سياسته النقدية لن تحقق الفوائد التي يسعى لها، فصهر الرئيس سلجوق بيرقدار، الذي يدير شركة بايكار الشهيرة لصناعة الطائرات بدون طيار، حاول أيضاً إقناع الرئيس بأنه كان مخطئاً بشأن أسعار الفائدة المخفضة وأنه بحاجة إلى شيمشك، وفيما يبدو أنه قد نجح بذلك، فقد تم تعيين شيمشك وزيراً للمالية.
منافسة داخل الفريق
أشارت مصادر إلى أن شيمشك اقترح على أردوغان، في وقت سابق أيضاً، إطاراً زمنياً لمدة 18 شهراً، حيث سيرفع أسعار الفائدة المعيارية من 8.5% إلى 25%، كما أن الرئيس وافق على منحه كل ما يطلبه من أجل الإصلاح الاقتصادي، حتى “الأشخاص الذين أدرجتهم الحكومة على القائمة السوداء في السنوات الأخيرة” بحسب مصادر تركية محلية.
يُعرف عن أردوغان تعيينه لخصومه في مناصب رئيسية لاستخدامهم كأوراق لضبط بعضهم بعضاً
من جانب آخر، هناك مخاوف من طرف المستثمرين الدوليين والاقتصاديين المحليين على حد سواء، من أن أردوغان قد يطرد شيمشك في المستقبل القريب، خاصة إذا ما أدى رفع سعر الفائدة الشديد إلى إبطاء النمو وقلل الوظائف قبل الانتخابات البلدية المقبلة، فأردوغان مصمم على استعادة اسطنبول وأنقرة وأنطاليا من المعارضة هذه المرة.
هذا السبب أدى إلى الشعور بالقلق عندما قرر أردوغان نقل محافظ البنك المركزي، شهاب كافجي، إلى وكالة التنظيم والرقابة المصرفية، بعد تقديم شيمشك 3 توصيات متعلقة بدور الوكالة، بعدها اختار أردوغان كافجي وأصر عليه تنفيذ كل ما يطلبه شيمشك، حيث يُعرف عن أردوغان تعيينه لخصومه في مناصب رئيسية لاستخدامهم كأوراق لضبط بعضهم بعضاً.
يُذكر أنه بعد توليه منصبه بفترة وجيزة، استشعر شيمشك، وزير المالية الجديد، بأن الوضع الاقتصادي أسوأ مما كان يتصور!
ترجمة وتحرير مريم الحمد
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)