كيف تجنب لبنان الانهيار الكامل للاقتصاد؟

كيف تجنب لبنان الانهيار الكامل للاقتصاد؟

بقلم فرح شقير – تطرح الأزمة المالية والاقتصادية للبنان لغزًا مثيرًا للاهتمام، فعلى الرغم من إعلان الرئيس السابق ميشيل عون، بينما كان لا يزال على رأس عمله في عام 2020، أن البلاد تتجه نحو “الجحيم”، وعلى الرغم من تصنيف البنك الدولي في العام التالي للأزمة على أنها واحدة من أسوأ الأزمات العالمية منذ أكثر من قرن ونصف، لا يبدو أن لبنان وصل إلى الحضيض كما كان يُفترض.

يبدو أن أزمة لبنان، التي كانت محيرة أكثر لأولئك الذين يتابعون الاقتصاد العالمي، تتخذ مسارًا بطيئًا ينحرف عن القاعدة فيما يتعلق بالانهيارات المالية، وفي الواقع، لا يبدو أن الدوامة خارجة عن السيطرة.

يدرك الناس أنه من خلال إظهار “المرونة” للظروف غير المقبولة بشكل صارخ، يمكنهم الحفاظ على استمرارية واستقرار حالة الحكم السامة

وقد اتبعت معظم الأزمات المالية والاقتصادية التي حدثت في العقود العديدة الماضية مسارًا مشابهًا، وأدت إلى تطبيق إجراءات صارمة وسياسات قاسية، ففي اليونان، في الفترة من 2010-2011، أقر البرلمان 5 حزم تقشف، تلاها قانون إصلاح في عام 2013 لتسهيل قروض الإنقاذ، وسواء كان هناك أحد يدعم مثل هذه التدابير أم لا، فمن الواضح أن البلاد اتخذت إجراءات حاسمة.

وينطبق الشيء نفسه على الأزمة المستمرة في سريلانكا حيث حذرت الحكومة مؤخرًا من تدابير تقشف صارمة في المستقبل.

ومع ذلك، يبدو أن أزمة لبنان دفعت إلى اتخاذ إجراءات أقل إلحاحا، إذ كانت هذه الإجراءات فوضوية، لكنها خالية من الأحداث – وتميزت بما قد يشير إليه الاقتصاديون على أنه “ضوضاء” أو “ضجيج”، ومنذ الاحتجاجات الحاشدة في أكتوبر/تشرين الأول 2019، حدثت 3 أحداث رئيسية فقط اشتملت على انفجار مرفأ بيروت، والانتخابات البرلمانية، والاتفاقية الحدودية مع إسرائيل.

انقلاب الآية 

كان أول هذه الأحداث هائلا؛ وهو انفجار بيروت في أغسطس/آب 2020، والذي كان نتيجة للإهمال القاتل من جانب السلطات اللبنانية، كما أوضحت بالتفصيل منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بينما كان الحدث الثاني الانتخابات البرلمانية التي جرت رغم كل العراقيل في مايو/أيار الماضي، أما الثالث فهو توقيع الاتفاقية الحدودية البحرية بين لبنان وإسرائيل، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويمكن بسهولة فصل هذه الأحداث الثلاثة الكبرى عن الأزمة المالية والاقتصادية في البلاد، على الرغم من الصلة بين انفجار المرفأ وانزلاق البلاد نحو حالة الدولة الفاشلة.

وفي وضع مماثل في مكان آخر، ستتصدر الإجراءات التي يتخذها صندوق النقد الدولي عناوين الصحف كل يوم، لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للبنان، حيث إن الخبر الأخير فيما يتعلق بصندوق النقد الدولي قد نشر في أبريل/ نيسان 2022 بعد التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين (SLA) مع السلطات اللبنانية بشأن الإصلاحات الاقتصادية.

وفي الواقع، دفعت لامبالاة النخبة الحاكمة في لبنان المؤسسات المالية الدولية إلى قلب السيناريو التقليدي لـ “الضحية والشرير”، ففي الصيف الماضي، أصدر البنك الدولي تقريرًا يتهم السلطات اللبنانية بتنظيم مخطط “تمويل بونزي” الاحتيالي، بعد أن تعمدت اتباع سياسات مالية تضر بالمواطنين بينما تهدف إلى الحفاظ على النظام الطائفي في البلاد.

واستشهد التقرير بـ “خسائر هائلة تم فرضها على المودعين بعد الانهيار”، ويمثل ذلك مفارقة أخرى، لأنه حتى أكثر الاقتصاديين يسارية لم يعد بإمكانهم اتهام صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي بلعب دور الشرير في أزمة لبنان.

المرونة السلبية

إذن ما الذي حدث؟ يبدو أن هذا المشهد يشير إلى أن النخبة الحاكمة في لبنان تنغمس في نفس الروتين المعتاد، وقد أصبح من ضمن الروتين رؤية هجوم المواطنين على البنوك للمطالبة بمدخراتهم، إلى جانب طوابير الوقود التي لا نهاية لها وسياسات معدل سعر الصرف الفوضوية، بالإضافة إلى حاكم المصرف المركزي “رياض سلامة” الذي يستمر في الظهور على التلفزيون مباشرة على الرغم من محاكمته غيابيًا بتهمة “الثراء غير المشروع”.

كيف يكون هذا ممكنًا في بلد يمر بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، والتي دفعت حوالي 80% من سكانه تحت خط الفقر؟

وفقًا للأمم المتحدة، يتم تعريف مصطلح “المرونة” على أنه “قدرة النظام أو المجتمع المعرض للمخاطر على مقاومة آثار الخطر واستيعابها والتكيف معها والتعافي منها في الوقت المناسب وبطريقة فعالة”.

 

واستخدمت الأمم المتحدة هذا المفهوم فيما يتعلق بتكتيكات البقاء التي استخدمها الشعب اللبناني خلال أوقات الشدة، ولكن في الآونة الأخيرة، تم تحدي هذا المفهوم داخل المجتمع اللبناني، حيث أدرك الناس أنه من خلال إظهار “المرونة” للظروف غير المقبولة بشكل صارخ، فإنهم يحافظون على استمرارية وتثبيت حالة الحكم السامة.

وتساهم العديد من العوامل في استمرار هذه الحالة من “المرونة السلبية”، حيث يتحدى النظام السياسي الطائفي أي احتمال لصعود خيار سياسي بديل، كما إن اعتماد الاقتصاد على التحويلات المالية، التي تشكل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (38%)، يساعد على الحفاظ على سوق السلع الذي يعتمد على الدولار.

ومن منظور جيوسياسي، لم تقرر القوى الخارجية التي تؤثر على المشهد اللبناني أن تدفع البلاد إلى نقطة الانهيار بعد، وأخيرًا، تستمر النخبة الحاكمة في ممارسة تكتيكات “التجربة والخطأ”، حيث تتراجع عن القرارات والقوانين عندما ترتفع حالة السخط العام بين الناس.

وفي لبنان اليوم، يبدو أن النخبة الحاكمة قد أتقنت فن شراء الوقت، وسدت آذانها عن دقات الساعة الموقوتة.

مقالات ذات صلة