بقلم عوض عبد الفتاح
ترجمة وتحرير مريم الحمد
ما من شك في أن هناك الكثير من الأوجه القبيحة لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد 2.3 مليون فلسطيني في غزة، فتداعيات الهجوم المروع مستمرة في التصاعد، يرافقها السلوك المشين للقوى الغربية الكبرى التي كانت أحد المشاهد المدمرة فعلاً في الحرب الحالية.
يتم شن هذه الحرب غير المسبوقة، من حيث حجمها ووحشيتها، بتأييد من القوى الغربية وبقيادة أقوى إمبراطورية على وجه الأرض تدعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، والأقبح من ذلك هو الدعم الذي تقدمه وسائل الإعلام لسردية الولايات المتحدة حول “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”!
بحسب المحللين والمراقبين، فإن لهذه السردية جذور تعود إلى التاريخ الاستعماري للدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة التي بنيت على أنقاض الهنود الحمر سكان القارة الأمريكية الأصليين، حيث يمكن من خلالها تفسير المنطق وراء هذه الحرب الصهيونية.
يحولون مهمتهم الصحفية إلى مهمة تعبئة داخل المجتمع الإسرائيلي أو بمعنى آخر كبوق للجيش الإسرائيلي، ويتبنون وجهة نظره بشكل أعمى
الفرق بين الحالتين فقط هو أن المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي لم يتمكن من الوصول إلى هدفه النهائي، في ظل إصرار الفلسطينيين على رفض الإبادة، فهو مشروع يتماشى مع نظرية المؤرخ باتريك وولف حول “منطق الإزالة” التي يرى أن الاستعمار الاستيطاني يجب أن ينتج عنه نظام دائم بمحو السكان الأصليين، وليس من خلال حدث تاريخي واحد محدد.
أكذوبة سردية “الدفاع عن النفس”
لمواجهة ذلك، فقد تم في السنوات الاخيرة إحياء إطار الاستعمار الاستيطاني وإطار الفصل العنصري في الدوائر الأكاديمية الغربية، من أجل توفير أداة تحليلية قوية يمكن من خلالها للناشطين المؤيدين للفلسطينيين مواجهة الدعاية الصهيونية.
وعلى الجانب الآخر، تستمر وسائل الإعلام الإسرائيلية بضخ الدعاية التي تدعم أكذوبة “الدفاع عن النفس”، حتى في ظل استمرار تدفق المتظاهرين إلى شوارع العواصم الغربية، بينهم أكاديميون ومثقفون يعرفون جيدًا جذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والأحداث التي سبقت نكبة عام 1948، ويدركون جيداً أن هذا ليس نزاعاً بين أطراف متساوية، كما أن عملية حماس لم يمكن إخراجها من هذا السياق التاريخي والسياسي الأوسع.
الدعم الغربي الأعمى لاندفاع إسرائيل نحو الانتقام، إلى جانب اغترار إسرائيل بالقوة، سوف يتبخر بسرعة مع نهاية هذه الحرب، وبالمقابل باتت فلسطين حاضرة على الطاولة العالمية بقوة أكثر من أي وقت مضى
من خلال مراقبتي للأخبار التلفزيونية والإذاعية باللغة العبرية، خاصة في أوقات الحرب، فقد مررت بصحفيين إسرائيليين كانوا قد عبروا بشكل متكرر عن إحباطهم العميق إزاء توسع حركة التضامن العالمية لصالح الفلسطينيين، خاصة في الدول الحليفة لإسرائيل، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا.
يقودهم هذا الأمر إلى التركيز والانجراف نحو الحث على الإسراع في القضاء على المقاومة الفلسطينية، فيحولون مهمتهم الصحفية إلى مهمة تعبئة داخل المجتمع الإسرائيلي أو بمعنى آخر كبوق للجيش الإسرائيلي، ويتبنون وجهة نظره بشكل أعمى، ففي حرب الإبادة الحالية، لاحظت استبعاد أي صوت معارض لأي مظهر من مظاهر الحرب.
إسكات الفلسطينيين
لم يعد ممثلو الفلسطينيين داخل إسرائيل، مثل أعضاء الكنيست والأكاديميين المناهضين للاحتلال، مرحب بهم على أي شاشة، ولا يتم إعطاؤهم أي منبر للتعبير عن دعوتهم لإنهاء الحرب أو إدانة الحظر الذي فرضته الشرطة على احتجاجات المواطنين الفلسطينيين ضد ذبح إخوانهم في غزة والضفة الغربية المحتلة.
علاوة على ذلك، تم اعتقال العشرات من المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل أو طردهم من أماكن عملهم بسبب تعبيرهم عن تعاطفهم مع ضحايا الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة.
بات الصحفيون الإسرائيليون يساهمون بشكل أساسي في تلقين المجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من معاداة الفلسطينيين الحاصل أصلاً، الأمر الذي ينذر بتفاقم التطرف والفاشية داخل إسرائيل، فبدلاً من طرح أسئلة مهمة للحكومة الإسرائيلية عقب عملية حماس، اصطف الصحافيون مع الغوغاء المتطرفين.
ومع ذلك، فإن الدعم الغربي الأعمى لاندفاع إسرائيل نحو الانتقام، إلى جانب اغترار إسرائيل بالقوة، سوف يتبخر بسرعة مع نهاية هذه الحرب، وبالمقابل باتت فلسطين حاضرة على الطاولة العالمية بقوة أكثر من أي وقت مضى، وسوف يتعين على إسرائيل حينها مواجهة الأسئلة الصعبة التي لا مفر منها حتى وإن استطاعت تنحيتها جانباً خلال الشهر الماضي.
سوف يبدو العالم مختلفاً في نهاية هذه الحرب بلا شك، فالدول الغربية التي أصر قادتها على الوقوف خلف الهجوم الإسرائيلي الوحشي سوف تُجر إلى مستنقع جرائم الحرب، ولن يعود لأكذوبة “التظاهر السلمي باعتباره تحضراً” معنى أو قيمة في الغرب، فلن يصدقهم أحد بعد الآن.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)