بقلم كريستوفر فيليبس
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
يعد لقاء الرئيس السوري بشار الأسد برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على الأراضي السورية في 16 تموز / يوليو الأول من نوعه بين زعماء الدولتين منذ اندلاع الثورة ضد نظام الأسد عام 2011.
وفيما ينظر البعض إلى اللقاء كشكل من أشكال التحول الإقليمي الأوسع للقوى العربية لإعادة التعامل مع دمشق بعد أكثر من عقد من العزلة، فإن الزيارة في الواقع تعكس استمرارية في العلاقة مع دمشق أكثر منها تحولاً في الموقف.
و بخلاف غالبية الدول العربية التي قطعت علاقاتها مع سوريا وصوتت على تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية في عام 2011، احتفظ العراق بعلاقاته مع جارته الغربية، إذ ظلت بغداد بعيدة عن الحياد، بل ولعبت دورًا رئيسيًا، ولو بهدوء، في مساعدة الأسد على البقاء.
كما لا ينبغي تجاهل مشاركة العراق في إبقاء الأسد في السلطة على الرغم من بروز الدور الذي لعبته كل من إيران وروسيا في هذا الشأن.
إن اهتمام العراق للحفاظ على بقاء الأسد في السلطة كان أمراً مفاجئاً نظراً للعلاقات التاريخية السيئة بين الجارتين، والبغض الشديد بين صدام حسين وحافظ الأسد، الذي حكم منذ عام 1970 حتى وفاته في عام 2000.
كما أن الانقسام الأيديولوجي في حزب البعث في الستينيات يعزز الاعتقاد بأن بغداد ودمشق كانتا تسيران تحت حكم فصائل مختلفة ومعادية لبعضها البعض في كثير من الأحيان على الرغم من أنها تحمل الاسم نفسه.
وعلاوة على ذلك، فقد أدى العداء الشخصي بين حافظ وصدام إلى تفاقم الأمور لدرجة طالت حلفاءهما المنافسين في الخارج، إذ دعمت سوريا إيران في حربها التي استمرت ثماني سنوات مع العراق، ودعمت بغداد الفصائل المناهضة لسوريا في الحرب الأهلية اللبنانية.
ثم جاءت نقطة الانهيار عام 1991، حينما انضم حافظ الأسد إلى التحالف الدولي لطرد صدام من الكويت.
وبالرغم من أن بشار الأسد عمل على تحسين العلاقات بعد توليه السلطة في عام 2000، إلا أن هزيمة صدام حسين على يد الولايات المتحدة في عام 2003 شهدت عودة العلاقات المتوترة، حيث شجعت دمشق سراً المسلحين على التوجه إلى العراق لزعزعة استقرار الاحتلال الأمريكي والحكومة المنتخبة حديثًا في بغداد.
علاقات حيوية
وفي ظل ازدهار التجارة بين البلدين، تحسنت العلاقات السورية العراقية، وأصبح العراق الشريك الأول لسوريا في التصدير قبيل الثورة السورية.
كما أن تولي السياسيين الموالين لإيران في العراق، مثل نوري المالكي، للسلطة، مهد الطريق لتعاون أوثق بين البلدين، فكل منهما لدية حليف مشترك في طهران، برغم الود القليل الذي يجمع المالكي والأسد.
وعندما اندلعت الحرب الأهلية السورية أثبتت هذه العلاقات أنها حيوية بالفعل، إذ شكل العراق عدة شرايين حياة بالنسبة للأسد، أولها الدعم الدبلوماسي.
ففي تشرين الثاني /نوفمبر 2011، عندما صوتت جامعة الدول العربية على تعليق عضوية سوريا، امتنع العراق بشكل خاص عن التصويت، وإلى جانب الأصوات المعارضة في لبنان واليمن، سمح ذلك للأسد بالتظاهر بأنه ليس معزولًا تمامًا، وهو ما ساعد في توفير بعض الدعم المحلي.
وإلى جانب لبنان، اختار العراق أيضًا عدم الانضمام إلى الحظر التجاري الذي فرضته جامعة الدول العربية بعد ذلك، مما سمح لدمشق بتوفير رأس مال إضافي لبضعة أشهر أخرى لتستخدمه في الحرب، قبل أن تصل خطوط القتال إلى الحدود العراقية وتتوقف التجارة إلى حد كبير.
لا تزال أهمية التجارة العراقية للاقتصاد السوري بارزة اليوم، حيث دعا السوداني خلال زيارته إلى دمشق إلى رفع جميع العقوبات عن سوريا، مدركًا أن العراق سيكون المستفيد الأكبر.
أما شريان الحياة الثاني فهو الدعم العسكري، فبرغم عدم إرسال الجيش العراقي مساعدة للأسد بشكل رسمي، إلا ان حكومة بغداد لم تبذل أي محاولة لمنع آلاف المقاتلين الشيعة العراقيين من التوجه غربًا للانضمام إلى الألوية التي تقودها إيران، وأبرزها، لواء أبو الفضل العباس، الذي تم تشكيله عام 2012 من قبل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ويُقدّر أن اللواء يضم عدة آلاف من المقاتلين العراقيين الذين يلعبون دورًا حيويًا في الدفاع عن والحفاظ على المناصب الرئيسية في نظام الأسد.
برزت أهمية هؤلاء المقاتلين في عام 2014 عندما اختار الكثيرون العودة إلى العراق لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ما أدى إلى استنزاف القوات الحكومية وإلى المساهمة في قرار روسيا بالتدخل المباشر لمنع سقوط الأسد في العام التالي.
محاربة داعش
في وقت لاحق من الحرب، ساعدت الحكومة العراقية الأسد بشكل غير مباشر في قتالهما المشترك ضد داعش، وبرغم ان التزام الأسد بالحرب مع داعش كان دائما ما يكون ثانويًا بالمقارنة مع قتاله للقوات المتمردة في غرب سوريا، إلا أن الجيش العراقي ووحدات الحشد الشعبي المتحالفة معه، بدعم منفصل من الولايات المتحدة وإيران، وكذلك عمليات مماثلة من قبل قوات سوريا الديمقراطية في الشرق السوري، ساعدت على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
منح هذا الإنجاز فرصة للأسد لاستعادة جزء كبير من وسط سوريا، مما سمح له بإعادة توجيه القوات لاستعادة الغرب.
وأخيرًا، قدم العراق لإيران، الحليف المشترك لبغداد ودمشق، العمق الاستراتيجي الذي يمكن من خلاله مساعدة الأسد.
فبالإضافة إلى توفير الميليشيات الشيعية، سمح العراق لسليماني وفيلق القدس التابع له بحرية عبور الحدود السورية العراقية براً وجواً، مما سمح له بالوصول إلى الأسلحة والإمدادات.
وجاءت اللحظة الحاسمة عندما انسحبت الولايات المتحدة من العراق في كانون الأول/ ديسمبر 2011، مما أعطى العراق السيطرة الكاملة على مجاله الجوي مرة أخرى.
كما أن وزير النقل، هادي العامري، الذي كان قائدًا لفيلق بدر، الحليف المقرب لسليماني، سمح بعد ذلك برحلات جوية إيرانية منتظمة لعبور العراق إلى سوريا، وهو ما كانت الولايات المتحدة قد حظرته سابقًا.
وبينما أصر العراق على أن هذه الإمدادات كانت إنسانية، كان المتمردون السوريون وحلفاؤهم يعتقدون بأنها تشمل أسلحة حيوية للأسد ومقاتلي حزب الله من لبنان الذين انضموا إلى الصراع.
ليست بالثورة الدبلوماسية
في ذروة الحرب، وعلى الرغم من تعذر الوصول إلى جزء كبير من الحدود السورية العراقية من قبل دمشق وبغداد، كانت الحكومة العراقية تقدم دعمًا دبلوماسيًا واقتصاديًا وعسكريًا أساسيًا لمساعدة الأسد على البقاء.
من الواضح أن العديد من القادة العراقيين، كالمالكي أو العامري، كانوا حلفاء مقربين لإيران مما جعلهم أكثر استعدادًا لمساعدة الأسد
قد يكون مغرياً أن يُعزى ذلك للتقارب الذي يجمع بغداد بإيران، باعتبار العراق أكثر من مجرد وكيل لطهران، لكن هذا يشكل تبسيطاً كبيراً للغاية، فمن الواضح أن العديد من القادة العراقيين، كالمالكي أو العامري، كانوا حلفاء مقربين لإيران وهذا ما جعلهم أكثر استعدادًا لمساعدة الأسد بناءً على طلب من سليماني أو غيره.
لكن الكثيرين أيضًا لم يرغبوا في رؤية الأسد يُطاح به وتملّكهم الخوف حقًا من العواقب المحلية والإقليمية لهزيمة الديكتاتور السوري.
وبالتالي، فإن التحركات الهادئة التي ساعدت على بقاء الأسد في السلطة لم تُثر أي معارضة داخلية على نطاق واسع، ما يعني أن احتضان السوداني للأسد في دمشق هذا الشهر لم يكن نابعاً من ثورة دبلوماسية، بل مجرد استمرار لسياسة العراق الحذرة والهادئة والداعمة للرئيس السوري، والمستمرة منذ بداية الحرب.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)