بقلم رامي عبده
ترجمة وتحرير مريم الحمد
منذ عام 1948، تم توثيق عدد لا يحصى من التسجيلات المرئية والصور الفوتوغرافية واللقطات المتلفزة لأعمال عنف مليئة بأشكال الإذلال والسلوك اللاإنساني التي قام بها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين المدنيين العزل، والتي كانت في غالبيتها ضد الأطفال والنساء وكبار السن.
وفي 8 أكتوبر، شنت الحكومة الإسرائيلية هجوماً عسكرياً كبيراً على غزة، أعلنت فيها أن أهدافها تتمثل في تحرير الأسرى الإسرائيليين وتفكيك حماس، رغم قيام عدد من القادة الإسرائيليين، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بالإشارة إلى نية الإبادة الجماعية.
وفي تحول مثير للقلق، منع الجنود الإسرائيليون الطواقم الطبية من انتشال جثث الضحايا من ساحات المستشفيات، وتركوهم معرضين للحيوانات لفترة طويلة!
بعد مرور شهرين ومقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني، فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة، في الوقت الذي أثار فيه هذا المستوى المروع من العنف احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى إدانات دولية لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.
لقد أثارت حصيلة القتلى والهجمات في الضفة الغربية، والانتهاكات السافرة للقانون الدولي، بما في ذلك استهداف المستشفيات وفرض حصار على الغذاء والماء والوقود، تساؤلات حول الهدف الذي تسعى له إسرائيل من الحرب.
وفي ضوء الضغوط المحلية والدولية المتزايدة، تستمر الحكومة الإسرائيلية في محاولة صياغة رواية لتبرير العنف الشديد الذي تفرضه على أكثر من 2.3 مليون من سكان غزة باسم مكافحة تهديد “إرهاب حماس”!
إذلال ممنهج
تاريخيًا، قامت جيوش عديدة حول العالم بمعاقبة السكان المدنيين وإخضاعهم لمعاملة سادية ومهينة بعد فشلهم في تحقيق أهدافهم السياسية أو العسكرية، ومن هنا يمكن فهم استمرار الحكومة الإسرائيلية اليائسة في ترسيخ الوجود العسكري المزعوم للفصائل الفلسطينية المسلحة داخل المستشفيات الكبرى في جميع أنحاء القطاع.
تجسد هذا الجهد الإسرائيلي في حملة قصف جوي ومدفعي مكثفة على المستشفيات، بما في ذلك مجمع الشفاء الطبي الرئيسي في غزة، كما طالت الهجمات استهداف المرضى والنازحين داخل المستشفيات واعتقال الأطباء وسوء معاملتهم واستغلالهم كدروع بشرية.
وفي تحول مثير للقلق، منع الجنود الإسرائيليون الطواقم الطبية من انتشال جثث الضحايا من ساحات المستشفيات، وتركوهم معرضين للحيوانات لفترة طويلة!
وفقاً لشهود عيان تحدثوا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فقد قام جنود إسرائيليين بالاعتداء على مدنيين فلسطينيين وإهانتهم باستخدام “الممر الآمن” المخصص لإخلاء مدينة غزة وشمال القطاع باتجاه الجنوب، حتى ذكر أحد شهود العيان أن جنديًا إسرائيليًا أمر رجلاً فلسطينيًا بخلع ملابسه أثناء انتظار الموافقة على نقطة التفتيش، وعندما شكك فلسطيني آخر في تصرفات أحد الجنود عند الحاجز، أصيب برصاصة قاتلة في رأسه، ومُنع المارة، بما في ذلك عائلته، من مساعدته أو استعادة جثته.
يهدف الاستعمار من خلال ذلك إلى غرس مشاعر العار والإهانة، وإحداث آثار نفسية دائمة تؤدي إلى تآكل الصمود والمقاومة الفلسطينية، سياسة رغم تطبيقها منذ عقود سبعة مضت، إلا أنها لم تنجح في ردع الفلسطينيين
علاوة على ذلك، فقد ظهرت روايات عن قيام جنود إسرائيليين بإخضاع النساء المهجرات للمعاملة المهينة والإذلال في الممر الآمن المحدد، وفي إحدى الحوادث أن جنوداً قاموا بأمر سيدتين نازحتين تحت تهديد السلاح بخلع ملابسهما أمام مئات من المتفرجين قبل مواصلة رحلتهما جنوباً، كما روت امرأة حامل في شهرها الخامس أن ضابطاً إسرائيلياً أمرها بخلع ملابسها وهددها بالاغتصاب إذا لم تمتثل.
إضافة إلى ذلك، فقد أظهرت لقطات فيديو تم تداولها مؤخراً، يُزعم أن الجيش الإسرائيلي سجلها، عدداً من الرجال الفلسطينيين المحتجزين والمهانين في شمال قطاع غزة، معظمهم من النازحين الذين لجأوا إلى المباني السكنية والمدارس التي تديرها الأونروا، تم تجريدهم من ملابسهم وأيديهم مرفوعة خلف رؤوسهم، فيما قام الجنود بتصويرهم، من أجل تداولها على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي على اعتبار أنهم أعضاء من حماس.
وفي المقابل، أكدت شهادات شهود عيان وأفراد من عائلات المعتقلين، جمعها فريق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنهم مدنيون عزل، بينهم معلمون في المدارس التي تديرها الأونروا والصحفيين وطلاب الجامعات.
أظهرت مقاطع فيديو منشورة أيضاً، قيام جنود إسرائيليين بالسخرية علنًا من الفلسطينيين وهم يحتفلون بغزو أحيائهم وشاطئهم وغرس الأعلام الإسرائيلية على المنشآت الحيوية والمقرات والأبنية السكنية والمحاكم والجامعات.
عنف استعماري استيطاني
تؤكد المعلومات المضللة، التي تم تصحيحها لاحقًا، ليس فقط محاولات إسرائيل تشويه صورة سكان غزة، ولكنها أيضًا مؤشر على سعي الحكومة الإسرائيلية تقديم صورة نصر لمواطنيها ولحلفائها الغربيين، من خلال تقديم “دليل” مفترض على “إخضاع حماس”، رغم وضوح هدف الحملة العسكرية الدموية المتمثل في إخضاع كل الفلسطينيين للتبعية.
ويتجاوز العنف في إطار الاستعمار الاستيطاني مجرد الهيمنة أو المحو الثقافي، فهو لا يطمح فقط إلى السيطرة على المجتمعات وطمسها بل أيضًا إلى طمس جوهر النفس على الصعيد الفردي من خلال الإذلال الممنهج للتأثير النفسي على الأفراد والمجتمعات الفلسطينية وتحطيمهم.
يهدف الاستعمار من خلال ذلك إلى غرس مشاعر العار والإهانة، وإحداث آثار نفسية دائمة تؤدي إلى تآكل الصمود والمقاومة الفلسطينية، سياسة رغم تطبيقها منذ عقود سبعة مضت، إلا أنها لم تنجح في ردع الفلسطينيين.
باتت إسرائيل تفكر اليوم في الآثار المترتبة على تطبيع الممارسات المتمثلة في إذلال إخوانهم من البشر والافتخار بمثل هذه الأعمال، فهذا السلوك الممنهج سيكون له آثاره على القيم والأعراف والحدود داخل المجتمع الإسرائيلي.
تحب إسرائيل وحلفاؤها الغربيون مقارنة الإبادة الجماعية الممنهجة في غزة بحملة الحلفاء على مدينة دريسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية، لكنها مقاربة كاذبة، فخلافاً للحلفاء، الذين لم يحاولوا إذلال شعب دريسدن، فإن العنف الإسرائيلي ورغبته الواضحة في الإذلال أشبه بالفظائع والإذلال التي شهدها اليهود فيما يسمى “ليلة الكريستال”، والتي تعرض فيها اليهود لفظائع على يد النازية الألمانية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)