كيف تصنع الإمارات “خبراء” مزيفين؟ شبكة مؤثّرين تغسل الدعاية وتغزو الغرب

بقلم مارك أوين جونز

ترجمة وتحرير موقع بالعربية

ربما تكون قد صادفتهم على المنصات الرقمية، إنهم شبّان وشابّات إماراتيون يطلّون في مقاطع مصوّرة متقنة يحذّرون من “خطر” جماعة الإخوان المسلمين.

أحياناً يظهرون في مؤسسات أكاديمية مرموقة مثل جامعتي جورج تاون وكامبريدج، وينشرون مقالات رأي عن السودان والهجرة والإسلام السياسي.

وتارةً يقدّمون أنفسهم بوصفهم مثقفين مستقلين، وأصواتًا عربية “معتدلة” قلقة على أمن الغرب واستقرار المنطقة، لكن شيئًا ما لا يبدو منطقيًا.

لماذا يظهر هؤلاء “المستقلون” أنفسهم معًا باستمرار؟ ولماذا يصوّرون مقاطعهم في استوديوهات متشابهة إلى حدّ التطابق، مع الإكسسوارات نفسها؟ ولماذا تزامن إنشاء حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي مع مجموعة من المواقع “الإخبارية المستقلة”؟ ولماذا تتطابق نقاط حديثهم، بشكل شبه كامل، مع مواقف السياسة الخارجية لدولة الإمارات ودولة الاحتلال، ومع أطروحات اليمين الأوروبي المتطرّف؟

بعد أشهر من التحقيقات المعتمدة على المصادر المفتوحة، تتضح صورة أكثر جلاءً.

إذ أن ما يبدو للوهلة الأولى مجموعة عفوية من “المؤثّرين” هو في الواقع منظومة إعلامية مترابطة بإحكام، إنها شبكة تجمع بين مؤثّرين مُضلِّلين، ومنصات أخبار زائفة، ونشر مدعوم بأدوات الذكاء الاصطناعي، ومنصات مؤسسية، بهدف تصنيع المصداقية و”غسل” السرديات السياسية وإدخالها إلى الخطاب الغربي.

في قلب هذه المنظومة يقف عدد من المعلّقين الذين يمتلكون سجلًا موثقًا في ترويج معلومات مضللة ونشر دعاية متماهية مع سياسات أبوظبي.

والمؤثّرون المُضلِّلون، ببساطة، هم أولئك الذين يمتلكون جمهورًا واسعًا ويقومون بشكل متكرر بنشر الدعاية أو المعلومات الكاذبة.

نشوء منسَّق

حتى أواخر عام 2024، كان معظم هؤلاء شبه مجهولين، ثم، وبشكل مفاجئ، صاروا في كل مكان.

ما لا يقل عن سبعة حسابات على منصة X مرتبطة بهذه الشبكة أُنشئت في ديسمبر/كانون الأول 2024 وحده، وفي الفترة نفسها تقريبًا، جرى تسجيل خمسة مواقع “إخبارية” الشكل هي واشنطن آي، ديلي يورو تايمز، بريفليكس، أفريكا ليكس، وإنفو فليكس، كل ذلك تم خلال أسابيع قليلة بين أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024.

وترجع أصول مواقع أقدم، مثل يورو بوست إيجنسي ونيويورك إنسايت التي أُطلقت في 2023 إلى المنظومة نفسها، وحين تبدأ بتتبّع الخيوط، يصبح التنسيق واضحًا إلى حد يصعب تجاهله.

يسجل أعضاء الشبكة مقاطعهم في الاستوديو ذاته، بديكور متطابق، يتضمّن كرة أرضية سوداء وفضية مميّزة، وينشرون في المنصات نفسها، يروّج بعضهم لمحتوى بعض، ويحضرون الفعاليات والمؤتمرات ذاتها.

وعلى مدار عام 2025، سافروا معًا إلى مؤتمرات ومنصات خطابية عبر ثلاث قارات، شملت مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، وجامعة كامبريدج، وجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، ومؤتمر التحالف من أجل المواطنة المسؤولة اليميني في لندن، على سبيل المثال لا الحصر.

لقد بدت هذه المشاركات محاولة منهجية لضخ نقاط حديث محددة في مراكز القرار السياسي، وعبر مختلف المنصات والسياقات، يهيمن موضوع واحد هو “الإخوان المسلمون”.

وعندما تحلل محتواهم على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر عبارة “الإخوان المسلمون” بوصفها الأكثر تكرارًا وبفارق شاسع عن أي مصطلح آخر.

تتحول الجماعة إلى “إإطار تفسيري جامع” يُردّ إليه كل شيء، التدهور البيئي؟ الإخوان المسلمون، الحرب الأهلية في السودان؟ الإخوان المسلمون، هجمات إرهابية في سيدني؟ مرة أخرى، الإخوان المسلمون.

وتبدو رحلات هؤلاء الخارجية في جوهرها منصّات لترويج سرديات مؤيدة للإمارات، ومتطابقة مع خطاب دولة الاحتلال، ومتقاطعة مع أطروحات اليمين الأوروبي.

إحدى هؤلاء المعلّقات متخصصة، نظريًا، في قضايا البيئة، ومع ذلك، وفي مقطع مصوَّر من داخل جامعة كامبريدج وبرعاية مركز بينسكر، تنسب المسؤلية عن الأضرار البيئية إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وفي جامعة جورج تاون، كرّر عضو آخر في الشبكة روايات دولة الاحتلال التي تزعم أن “حماس” تحوّل المساعدات الإنسانية، ولا يخلو هذا النشاط من معلومات كاذبة صريحة.

غسل السرديات

بالتوازي مع المؤثّرين، تعمل شبكة من مواقع الأخبار الزائفة، إنها منصات تقلّد الصحافة دون أن تكون مؤسسات إعلامية حقيقية، وغالبًا ما تُستخدم لإسقاط دعاية أو معلومات مضللة بشكل محسوب.

وإلى جانب نشر مقالات للمؤثّرين أنفسهم، الذين يروّجون بدورهم لهذه المواقع، تغرق هذه المنصات في محتوى رديء الجودة، كثير منه مولَّد بالذكاء الاصطناعي، يكتبه مستقلون، يتخلله “سبق صحفي” هنا أو هناك، صُمّم خصيصًا للانتشار على وسائل التواصل.

أما ما يبقى غامضًا فهو من يموّل السفر، والإنتاج، والترويج؟ وكيف تُنسّق القرارات التحريرية والتسويقية؟

مثال واحد يوضح الآلية بجلاء، ففي مايو/أيار 2025، نشرت واشنطن آي “سبقاً” يزعم أن رئيس وزراء ليبيا حوّل 400 مليون دولار إلى تركيا، مع ربط الأمر بجماعة الإخوان المسلمين، وهنا يتقمص الكُتّاب الموقّعون على المادة دور شخصيات وهمية.

وسائل الإعلام الليبية نفت الادعاء، وسُحب المقال بهدوء من الموقع، لكنه ظل متداولًا على منصة X حيث استمر انتشاره.

هكذا يعمل “غسل السرديات”، حيث تكتسب المزاعم المشكوك فيها عمرًا أطول وشرعية زائفة لمجرد مرورها عبر “وعاء” يشبه المؤسسة الإعلامية.

وبالمثل، نشر أحد المعلّقين مقالًا على موقع مغمور يدعى نيويورك إنسايت، وهو منصة أخرى ضمن الشبكة نفسها، وروّج له بقية المؤثّرين.

ويرتبط الموقع بدوره بمنصة سبق لها نشر معلومات مضللة مؤيدة لدولة الاحتلال وتستهدف صحفيي قناة الجزيرة، حيث هاجم المقال جماعة الإخوان في السودان، وكان في جوهره تجميعًا لنقاط حديث اليمين المتطرف.

مصنع الكتب

ويعد هذه المنصات تأتي الكتب، فبين يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول 2025، نشر ما لا يقل عن ثمانية من أعضاء الشبكة كتبًا عبر الناشر نفسه وخلال نافذة زمنية لا تتجاوز ثلاثة أشهر. 

تحمل النصوص في الكتب بصمات واضحة للذكاء الاصطناعي: بنى نمطية، إفراط في استخدام الشرطات الطويلة، مقارنات جاهزة، وغياب شبه تام للمراجع أو المصادر الأصلية.

تؤدي هذه الكتب دور “دعائم المصداقية”، فمحركات البحث وأنظمة الذكاء الاصطناعي تسجّل هؤلاء بوصفهم “مؤلفين ناشرين” ما يعزّز صورتهم بوصفهم خبراء.

ولو سألت نظام ذكاء اصطناعي عن كتب هؤلاء المؤثّرين، فلن يخبرك أن النص، وهو مرة أخرى هجاء للإسلام السياسي، يبدو كأنه أُنتج في جلسة واحدة باستخدام نموذج لغوي ضخم.

في المحصلة، تتكشف منظومة تأثير متماهية مع السياسات الإماراتية، تقدّم نفسها كمجموعة من الأصوات الإصلاحية المستقلة، بينما تدفع بمجموعة متطابقة من السرديات: هوس بالعداء لجماعة الإخوان المسلمين، تصوير أمني للإسلام والهجرة في أوروبا، اصطفاف غير نقدي مع مقاربات دولة الاحتلال الأمنية، وتقديم الإمارات كنموذج الدولة المثالية.

هذا التماهي لا يقوم على الخطاب وحده، بل على بنية تحتية كاملة: مواقع أخبار زائفة أُنشئت بالتزامن مع حسابات المؤثّرين، ترويج مدفوع عبر شركة كريستنوكس ميديا “الإعلانية” التي أسسها أحد المؤثّرين، تكرار الظهور المشترك في منصات صنع القرار الغربي، وروابط مع شخصيات مركزية داخل هذه الشبكة.

ما يظل غير واضح هو من يموّل هذا كله وكيف تُدار خيوطه.

أما الواضح تمامًا، فهو الأثر: مجموعة من المؤثّرين المُضلِّلين، تُغسَل سلطتهم الرمزية عبر مؤسسات غربية، ثم يُعاد تدويرها داخل الفضاء الإعلامي بوصفها “دليل مصداقية”.

وإلى أن تبدأ تلك المؤسسات بطرح أسئلة بديهية حول كيفية إنتاج هذه “الأصوات المستقلة”،  ستستمر عمليات مماثلة في الظهور على أنها تعبيرات قاعدية عفوية، لا منظومات دعاية مصغّرة محكمة الصنع.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة