بقلم دورثي إنجيلكي وهانا بفايفر
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في خطاب ألقاه مؤخراً في البوندستاغ بمناسبة ذكرى 7 أكتوبر 2023، نفى المستشار الألماني أولاف شولز أن تكون بلاده قد قررت وقف توريد الأسلحة إلى إسرائيل، مؤكداً استمرار ألمانيا بالقيام بتصدير السلاح لإسرائيل.
رغم تصريحاته، فقد أظهرت بيانات نشرتها الحكومة الألمانية، أنه كان هناك حظر فعلي على تصدير الأسلحة الحربية بين مارس وأغسطس 2024، حيث يكشف التناقض بين الموقف العام والممارسة الفعلية فيما يتعلق بسياسة توريد الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل أمرين مهمين.
أولاً، وهو أن الحكومة الألمانية نفسها تفترض أن إسرائيل تنتهك القانون الإنساني الدولي في غزة، ولذلك اتخذت الاحتياطات اللازمة لتجنب المسؤولية القانونية، والأمر الثاني هو أن الجدل حول شرعية صادرات الأسلحة الألمانية تحركه السياسة الداخلية وليس الالتزامات بموجب القانون الدولي أو اعتبارات ديناميكيات الصراع.
في عام 2023، زادت صادرات الأسلحة المعتمدة إلى إسرائيل 10 أضعاف مقارنة بالعام السابق، وتم منح أكثر من 80% من طلبات الترخيص بعد 7 أكتوبر
لقد أصبحت عمليات تسليم الأسلحة بمثابة اختبار لالتزام الأحزاب السياسية بما يمكن توصيفه “بأسباب الدولة” في ألمانيا، والمتمثل بالدعم غير المشروط للدولة الإسرائيلية تحت حجة أمنها.
وفي نفس الوقت، تكشف مسألة صادرات الأسلحة عن التوتر المستمر بين السبب الخاص بالدولة والالتزامات القانونية لألمانيا.
شبه حظر للتصدير
إن تصريح شولتز حول إمدادات الأسلحة المستمرة ليس مطبقاً كما وصفه ولكنه مضلل، فقد ارتفع حجم تراخيص التصدير الألمانية للمعدات العسكرية بشكل حاد بعد 7 أكتوبر.
في عام 2023، زادت صادرات الأسلحة المعتمدة إلى إسرائيل 10 أضعاف مقارنة بالعام السابق، وتم منح أكثر من 80% من طلبات الترخيص بعد 7 أكتوبر، كما بلغ حجم تراخيص الأسلحة الحربية أكثر من 21 مليون دولار في عام 2023، وقرابة 344 مليون دولار للمعدات العسكرية، ولكن رغم ذلك ، فقد حصل انخفاض كبير منذ نوفمبر عام 2023، تلاه انخفاض حاد في تراخيص التصدير في بداية عام 2024.
يميز قانون التصدير الألماني بين الأسلحة الحربية وصادرات المعدات العسكرية الأخرى، وبحلول مارس 2024، وافقت الحكومة الألمانية على تصدير أسلحة حربية بقيمة 34.261 دولاراً فقط، وهو ما يعادل 0.02% من المتوسط السنوي للصادرات المعتمدة إلى إسرائيل منذ عام 2009.
وفقاً للحكومة، فقد ظل هذا الرقم دون تغيير حتى 21 أغسطس 2024، ولم تكن هناك صادرات فعلية للأسلحة الحربية إلى إسرائيل بين يناير ويونيو 2024، أما بين مارس وأغسطس من هذا العام، فقد كان هناك شبه حظر على تصدير الأسلحة الحربية إلى إسرائيل.
في الآونة الأخيرة، ارتفعت صادرات الأسلحة مرة أخرى، فوفقاً لتقرير صادر عن وزارة الشؤون الاقتصادية، تمت الموافقة على أسلحة بلغت قيمتها حوالي 33 مليون دولار في الفترة ما بين 21 أغسطس و13 أكتوبر، وبعد أسبوع واحد فقط من هذا التقرير، قامت وزارة الخارجية الفيدرالية بتصحيح هذا الرقم، مشيرة إلى أن صادرات الأسلحة التي تمت الموافقة عليها منذ أغسطس كانت بقيمة 99 مليون دولار.
من جانبها، أكدت وزارة الشؤون الاقتصادية، أنه وحتى 17 أكتوبر الماضي، لم تكن الصادرات تشمل أي أسلحة حربية.
ومن ناحية أخرى، فقد رافق هذا التحول في صادرات الأسلحة خطاب هجومي من قبل وزير الخارجية والعديد من أعضاء البرلمان، الذين ادعوا بأن الأعمال العسكرية الإسرائيلية هي جزء من الدفاع عن النفس ومكافحة الإرهاب وأنها مشمولة بالقانون الدولي.
في ضوء ذلك، كيف يمكن تفسير الانخفاض الحاد في التراخيص في عام 2024، وكيف يتناسب ذلك مع التأكيدات العامة المتزامنة والمستمرة على التزام ألمانيا بصادرات الأسلحة؟!
انتهاكات في المعاهدة
أحد أهم جوانب الإجابة هو الإجراءات القانونية التي تتهم إسرائيل بانتهاك القانون الدولي والإبادة الجماعية في غزة، فالدول عندما تدعم هذه الانتهاكات من الناحية المالية فهي تتحمل مسؤولية ثانوية.
في يونيو الماضي، رفضت المحكمة الإدارية في برلين دعوى قضائية رفعها فلسطينيون لوقف شحنات الأسلحة، مشيرة إلى وقف ألمانيا منذ أشهر تصدير أسلحة الحرب إلى إسرائيل.
وعلى نحو مماثل، رُفض الطلب الذي تقدمت به نيكاراجوا لحظر صادرات الأسلحة الألمانية من خلال محكمة العدل الدولية لنفس السبب، وهو أن ألمانيا لم تعد تصدر الأسلحة الحربية، مع أن قضية الإبادة الجماعية ضد ألمانيا لا تزال مستمرة.
من المحتمل أن تثير هذه الإجراءات مخاوف ألمانية بشأن انتهاكات المعاهدة والالتزامات بموجب معاهدة الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة (ATT)، ولمواجهة هذه المخاطر القانونية المتمثلة في انتهاك المعاهدات وانتهاك مسؤوليتها الثانوية وواجب منع الإبادة الجماعية، فقد حاولت الحكومة الألمانية التحوط في رهاناتها في الأشهر الأخيرة.
ألمانيا هي واحدة من آخر الداعمين القليلين الذين ما زالوا صريحين في الدعم نظراً لانتهاكات إسرائيل الواضحة للقانون الدولي
في 13 أكتوبر الماضي، ذكرت الصحافة الألمانية أن الحكومة جعلت إسرائيل توقع بنداً كشرط مسبق لتسليم المزيد من شحنات الأسلحة، حيث يتطلب الشرط ضماناً كتابياً من الحكومة الإسرائيلية بأن الأسلحة الألمانية لن تستخدم إلا وفقاً للقانون الدولي.
لا يزال المحتوى الدقيق لهذا البند مجهولاً، فقد أوضحت الحكومة الألمانية للجانب الإسرائيلي أن إصرارها على البند ليس تعبيراً عن عدم الثقة، بل هو إجراء لمنع فرض حظر عام على التصدير، ويمكن للمحاكم أن تفرض مثل هذا الحظر بحجة إمكانية استخدام الأسلحة الألمانية في أعمال تتعارض مع القانون الدولي، حيث تراهن الحكومة الألمانية على عدم تحميلها المسؤولية عن جرائم الحرب الإسرائيلية.
من جانب آخر، فقد كشفت التقارير المتعلقة بهذا البند أن الحكومة الألمانية على علم بهذه الجرائم، وإذا استبعد هذا البند بالفعل استخدام الأسلحة في ارتكاب الإبادة الجماعية، فإن الحكومة الألمانية قد تعتبر أنه من المعقول أن تكون هناك إبادة جماعية، كما تفعل محكمة العدل الدولية وخبراء الإبادة الجماعية المعنيون.
عندها تكون ألمانيا أيضاً قد انتهكت واجبها في منع الإبادة الجماعية، “والتي يتم تنفيذها بمجرد علمها بوجود خطر احتمال ارتكاب أعمال إبادة جماعية”.
خديعة متعمدة
هذا البند يعني أن الجمهور الألماني قد تم خداعه عمداً خلال الأشهر القليلة الماضية، فبدلاً الإفصاح عن شكوكهم حول العنف الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية في غزة، يواصل الساسة الألمان دعم الحرب الإسرائيلية دون قيد أو شرط.
يقوض هذا الافتقار إلى الشفافية ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وينتهك المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي، كما أنه يشكل انتهاكاً خطيراً للواجب الرسمي.
علاوة على ذلك، فإن الحكومة الألمانية تزعم باستمرار أنها ليس لديها علم بارتكاب جرائم حرب إسرائيلية، كما تنفي وقوع أعمال إبادة جماعية في إسرائيل، فوفقاً للمستشار الألماني، فإن الاتهام بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة “لا أساس له من الصحة على الإطلاق”.
من الصعب التوفيق بين هذه التصريحات والممارسات الفعلية لتصدير الأسلحة في ألمانيا خلال الأشهر الأخيرة، حيث أنها تتناقض مع التقارير العديدة، بما في ذلك تلك التي قدمتها الأمم المتحدة، والتي وجدت مراراً وتكراراً أن هناك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد ارتكبها الجيش الإسرائيلي.
لماذا، إذن، تنتهج الحكومة الألمانية سياسات تهدف إلى إرباك الجمهور؟ لقد أدت تلك السياسة إلى جعل الشعب الألماني يعتقد أن شحنات الأسلحة تتم دون انقطاع، وأنه لا يمكن الاعتراض عليها بموجب القانون الدولي، الأمر الذي يمكّن الحكومة الألمانية من التمسك علناً بالتزامها لسبب وجودها واحتواء انتقادات المعارضة ومواصلة دعم الحكومة الإسرائيلية علناً.
على المستوى الدولي، لا ينبغي التقليل من أهمية ذلك، لأن ألمانيا هي واحدة من آخر الداعمين القليلين الذين ما زالوا صريحين في الدعم نظراً لانتهاكات إسرائيل الواضحة للقانون الدولي.
الحقيقة أن محاولة استخدام الحيل البيروقراطية للاستغناء عن الالتزامات بموجب القانون الدولي والتراجع إلى الإجراءات الإجرائية تكذب السؤال الأهم سياسياً، لماذا ترغب الحكومة الألمانية في تقديم الدعم العسكري لحكومة إسرائيلية؟ وهل يمكن أن يؤدي ارتكاب الجرائم الفظيعة من قبل إسرائيل إلى تصعيد الصراع الإقليمي؟
يجيب غالبية الألمان بالنفي على هذا السؤال، ففي أحد الأمثلة، وقع أكثر من 4000 أكاديمي وفنان على رسالة مفتوحة يحثون فيها الحكومة الألمانية على فرض حظر على الأسلحة.
بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، اتسم رد الحكومة الألمانية بالتردد والغموض، حيث صرح متحدث باسم الحكومة بأنه يجد صعوبة في تصور اعتقال نتنياهو في ألمانيا، مشيراً إلى ضرورة “مراجعة الإجراءات المحلية”، لكن وزير الخارجية شدد بعد ذلك على أنه “لا أحد فوق القانون”.
إن إعادة النظر في سياسة تصدير الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل لم تدخل حتى الآن في المناقشة السياسية محلياً، فقد طال انتظار إعادة توجيه السياسة الخارجية الألمانية في هذا الصراع وذلك يشمل بالتأكيد حظر الأسلحة فوراً.
بدلاً من زيادة تأجيج الصراعات المتصاعدة بسبب موضوع صادرات الأسلحة الجديدة، ينبغي للحكومة الألمانية التركيز على وقف التصعيد، بحظر الأسلحة كخطوة أولى، فمثل هذا الحظر يعد نتيجة منطقية للمبادئ التوجيهية للسياسة الخارجية النسوية التي وضعتها وزارة الخارجية الألمانية بنفسها.
بدلاً من الاستمرار في سياسة التضامن الأعمى وتسليم الأسلحة باسم الدولة، يتعين على الحكومة الألمانية أن تتصرف وفقاً للقانون الدولي وأن تفي بواجبها في إبلاغ السكان بالنتائج التي تتوصل إليها.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)