بقلم أورلي نوي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
لا تلوح في الأفق على أي صعيد نهاية الحرب في غزة، والتي أسفرت عن استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين وخلفت تغييرات عميقة على دولة الاحتلال جعلتها تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية، فبعد مرور سبعة أشهر، أصبحت دولة الاحتلال مجتمعاً منهكاً وأكثر تمزقاً وانقساماً من أي وقت مضى في تاريخها.
وبالتأكيد، فقد بدا ذلك واضحاً خلال الطقوس التي بدأت بيوم الذكرى، وهو اليوم الذي يكرم فيه الإسرائيليون الجنود الذين سقطوا في حروب دولتهم، واستمرت حتى اليوم الذي احتفل فيه الاحتلال بالذكرى السادسة والسبعين لتأسيس دولته، في 13 أيار/مايو، فيما كان يتم النظر إليه تقليدياً كتعبير رمزي مفعم عن الوحدة اليهودية، أي إخلاص إسرائيل للرواية الوطنية الصهيونية.
لكن، في هذا العام، لم يبق أي أثر لتلك الوحدة، إذ الصدع بوضوح مؤلم عشية عيد الاستقلال، حيث قسمت القناة 12 شاشتها بين عدة تغطيات، ظهرت في أحدها مراسم إيقاد الشعلة الرسمية والتي تم تصويرها هذه المرة مسبقاً، من دون جمهور، كما هو الحال في أفضل الدكتاتوريات التقدمية.
وعلى الجانب الآخر، شاهدنا احتفالية “إيقاد المنارات” التي نظمتها أهالي رهائن 7 تشرين الأول/أكتوبر، في تحد يائس للدولة واستمرار تخليها عن أحبائهم.
ظهرت ازدواجية أخرى في يوم الاستقلال نفسه، حيث شاركت حشود من النشطاء الفلسطينيين واليهود في الاحتجاجات، بما في ذلك مسيرة العودة السنوية، بمناسبة مرور 76 عاماً على النكبة.
وفي ذات الوقت، انضم آلاف اليهود إلى “مسيرة غزة” الخاصة بهم في سديروت للاحتفال بالاستقلال على خلفية الدخان المتصاعد من الأراضي المحاصرة، ويبدو أنهم سعداء برؤية غزة تشتعل فيها النيران بينما كانوا يخططون لكيفية البناء على أنقاضها.
النضال من أجل العدالة
جرى تقليص مسيرة العودة الفلسطينية التي تم تنظيمها في يوم النكبة هذا العام إلى بضع مئات من الأمتار فقط، وعلى عكس السنوات السابقة، لم ينته الأمر بها في موقع القرى المهجرة، لكن تلك المئات القليلة من الأمتار كانت كافية كدليل قوي على الهوية الفلسطينية الفخرية الحاضرة بقوة والواعية والمتذكرة، لإدامة المطالبة بالعدالة في بلد تغيب عنه جوهرياً، العدالة للنازحين، العدالة لغزة، العدالة للأسرى، العدالة ومحاربة النسيان.
ولا يستطيع المرء بحال أن يتجاوز تأثير هذا العرض للوكالة السيادية على الأطفال الصغار الذين حملهم آباؤهم على أكتافهم خلال المسيرة.
وقد ظهر أطفال صغار أيضاً في مقاطع فيديو من مسيرة اليمين في سديروت، حيث كتب على اللافتات: “مسيرة من أجل الاستقلال في الطريق إلى غزة”، فهل شرح هؤلاء الآباء المشاركين في المسيرة لأطفالهم كيف قام الشباب اليهود بتدمير قوافل المساعدات التي كانت تهدف إلى إنقاذ الأطفال الآخرين الذين كانوا يتضورون جوعا حتى الموت على مسافة قصيرة؟
عندما يضع المواطنون حقوقهم المدنية فوق الإملاءات القومية، يتحولون إلى أعداء
تُرى ما الذي تعلمه الأطفال اليهود في سديروت أثناء احتفالهم بنزهة عائلية تتخللها أصوات الانفجارات فوق غزة؟ بينما كان الأطفال الفلسطينيون يتجولون بين أكشاك الكتب في تجمع يوم النكبة بالقرب من شفا عمرو للتعرف على تاريخهم.
وعندما رأى الأطفال الفلسطينيون في الاحتجاجات الناشطين اليهود يخرجون لإظهار التضامن، ويستقبلونهم بشرف وتقدير، ماذا تعلم الأطفال اليهود في سديروت عن الأطفال الفلسطينيين، الذين جاء آباؤهم للاحتفال بكارثتهم؟
الفاشية تتوسع
خلال جيل أو جيلين قادمين، ستكون كلتا المجموعتين من الأطفال هم البالغين الذين يشكلون المساحات المدنية المشتركة في هذا البلد، هذه المساحات تتقلص باستمرار، إن فكرة المواطنة المشتركة ليس لها معنى كبير في دولة الاحتلال اليوم.
فقد باتت القومية والتمييز يتصاعدان، والفاشية تتوسع بسرعة مذهلة، ولم يعير اليهود الإسرائيليون قط اهتماماً جدياً بالمعنى الكامل للمواطنة، لأن حقوقهم كانت محمية بفضل انتمائهم الوطني، ولكن ما حدث منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر يكشف كيف يعرضنا وضعنا المدني الضعيف، نحن اليهود الإسرائيليين، للخطر.
إن تخلي الحكومة عن الرهائن يشكل تعبيراً مؤسفاً بشكل خاص عن هذا الخطر، وعندما تكون المصالح القومية على المحك، فإن واجبات الدولة تجاه مواطنيها تُدفع جانباً وتفقد معناها.
وينطبق الأمر نفسه على الرهائن وآلاف الأشخاص في إسرائيل الذين شردوا من منازلهم خلال هذه الحرب، ومع انشغال الدولة بهدف “النصر الشامل” من أجل الوطن، تصبح احتياجات المواطنين وحقوقهم بلا معنى، ناهيك عن أنها تصبح مصدر إزعاج.
وفي حال دفاع اولئك عن حقوقهم، فإن “العدو” سيفعل ذلك أيضاً، ويكفي أن نرى مدى عنف الشرطة في التعامل مع أهالي الرهائن عندما يطالبون بالإفراج عنهم بطريقة أقل أدباً، ويحثون الدولة على إدراك مسؤوليتها عن حياة المواطنين الذين تواصل إهمالهم، وعندما وضعوا حقوقهم المدنية فوق الإملاءات القومية، أصبحوا أعداء.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)