بعد تكشف حجم المأساة الإنسانية الناجمة عن الفيضانات التي تسببت بها العاصفة دانيال التي ضربت شرق ليبيا، تظهر مدينة درنة الساحلية كواحدة من بين أكثر الأماكن تضرراً في البلاد.
مدينة درنة هي مدينة ساحلية شرقية يبلغ عدد سكانها 10,000 نسمة، اشتهرت بالتمرد والنزاع قبل فترة طويلة من هذه الكارثة الأخيرة.
وتعتقد السلطات أن 5200 شخص لقوا حتفهم وأكثر من 10000 في عداد المفقودين.
وتظهر مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت جثثا ملقاة في شوارع المدينة، فيما يعتقد المسؤولون أن العديد من الجثث قد جُرفت إلى البحر.
وأدت الأمطار الغزيرة والفيضانات إلى إغلاق سدين مجاورين، ما أدى إلى اجتياح المياه للمدينة وانهيار العديد من المباني.
ونشر الصحفي الليبي محمد القرج بحثاً يحذر من أن السدود التي بنيت في الثمانينات باتت معرضة لخطر الانهيار.
كما تعتقد السلطات الليبية الشرقية أن 25% من المدينة قد تم محوها، ويقدّر الصحفي القرج أن ما يصل إلى نصف درنة جرفته المياه.
وقال هشام أبو شكيوات، وزير الطيران المدني وعضو لجنة الطوارئ في الإدارة التي تسيطر على شرق البلاد: “لقد عدت من درنة، الوضع كارثي للغاية. الجثث ملقاة في كل مكان، في البحر، في الوديان، وتحت المباني”.
وذكر جليل حرشاوي، خبير شؤون ليبيا في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي)، إن الكارثة التي أصابت درنة على وجه الخصوص، من المرجح أن تشكل مأساة طويلة الأمد للمجتمع الليبي.
وقال: “لطالما كانت درنة مركزًا للفنانين والشخصيات الثقافية والأساتذة والكتاب، لكنها أيضا تشتهر بتوجهها نحو التمرد الفكري والاستقلال، والأهم من ذلك، تاريخ طويل من النزاع، وبالطبع ينطبق هذا على عهد القذافي”.
ففي عام 2011، كانت درنة ومدينة بنغازي القريبة من أولى المدن التي ثارت ضد حكم معمر القذافي، حيث كانت درنة، على وجه الخصوص، يهابها المستبد، الذي، وفقًا للحرشاوي، شجع شبابها على المغادرة أولاً إلى أفغانستان للقتال ضد السوفييت ثم بعد ذلك إلى العراق للقتال ضد الأمريكيين.
لكن المدينة تعرضت منذ عهد القذافي للإهمال والعقاب من قبل السلطات المتغيرة اللاحقة التي تشرف عليها.
“لا يثق حفتر في أهل درنة، فهم بالنسبة له، حتى لو كانوا هادئين، يحملون بذور التمرد التي رأيناها في الماضي” – جليل حرشاوي، خبير في شؤون ليبيا
وفي الفترة من 2015 إلى 2018، فرض حفتر حصارًا على درنة، محاولًا تخليصها من جماعة مسلحة وتعزيز سلطته في الشرق.
وأضاف حرشاوي أن الدمار الذي أحدثه عقد من الحرب الأهلية في درنة لم يتم الاعتراف به “بشكل غير مباشر” إلا في عام 2022 عندما توجه السياسيون لاستثمار ملايين الدولارات في المدينة، مع استبعاد سكان درنة من عملية صنع القرار.
وقال حرشاوي: “لم يكن الدرناوي يتولى مهمة إعادة إعمار مدينته بنفسه، بل كانت توكل هذه المهمة لأناس آخرين”، مضيفاً: “كان هناك ميل إلى التعامل مع سكان درنة كما لو كانوا أطفالاً”.
وتابع “حفتر لا يثق حقًا في درنة كسكان، فبالنسبة له، حتى لو كانوا هادئين فهم يحتوون بذور التجديد والتمرد الذي رأيناه في الماضي”.
فقد أفادت وسائل الإعلام الليبية بأن عمدة درنة، أكرم عبد العزيز، كان قد طلب الإذن بإخلاء المدينة مع اقتراب العاصفة دانيال، وهو ما رفضه حفتر والسلطات الشرقية.
وأوضح حرشاوي قائلاً: “لقد قالت القيادة لا للإخلاء”، وهو ما يشير إلى عدم ثقة حفتر بالسكان، حسب حرشاوي.
وأضاف حرشاوي أن حفتر يريد “أن يبقى السكان تقريباً ضمن نفس منطق الحصار الذي رأيناه في الماضي القريب، فقد أمر جميع سكان درنة بالبقاء في منازلهم، في أسوأ قرار اتخذه بعد فوات الأوان”.