كيف خلصت منظمة العفو الدولية إلى أن إسرائيل كان لديها نية ارتكاب إبادة جماعية في غزة؟

كيف خلصت منظمة العفو الدولية إلى أن إسرائيل كان لديها نية ارتكاب إبادة جماعية في غزة؟

أكدت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر يوم الخميس أن دولة الاحتلال كانت لديها النية لتدمير الفلسطينيين لدى دولة الاحتلال، باعتبار ذلك معياراً أساسياً دفع المنظمة إلى الاستنتاج بأن دولة الاحتلال مذنبة بارتكاب الإبادة الجماعية.

ويعد إثبات وجود نية خاصة لتدمير مجموعة وطنية أو عرقية أو عنصرية أو دينية كلياً أو جزئياً هو ما يميز الإبادة الجماعية عن الجرائم الدولية الأخرى، مثل الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب.

ويُستمد الإطار القانوني لتعريف وتفسير جريمة الإبادة الجماعية من اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، فضلاً عن الفقه الجنائي الدولي الذي تلا ذلك، وخاصة القضايا أمام محكمة العدل الدولية والمحاكم الخاصة لرواندا ويوغوسلافيا السابقة.

ويعتبر تحديد وجود نية الإبادة الجماعية أمراً بالغ الأهمية لتحديد المسؤولية الجنائية الفردية ومسؤولية الدولة عن الجريمة.

وفي سبيل التوصل إلى استنتاج مفاده أن الإبادة الجماعية قد ارتُكبت، فإن منهجية منظمة العفو الدولية تضمنت ثلاث خطوات: –

أولاً، قررت أن الفلسطينيين في غزة يشكلون جزءًا من مجموعة محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وهي مجموعة وطنية أو عرقية أو عنصرية أو دينية.

ثانيًا، قررت أن ثلاثة من أصل خمسة أفعال إبادة جماعية أساسية كما هو منصوص عليه في المادة الثانية من الاتفاقية قد ارتُكبت، وهي تشمل “قتل أعضاء المجموعة”، “التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء المجموعة”، و “إلحاق ظروف معيشية متعمدة بالمجموعة بهدف تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا”.

الخطوة الثالثة والأخيرة هي فحص ما إذا كانت دولة الاحتلال قد ارتكبت هذه الأفعال بقصد محدد لتدمير الفلسطينيين كمجموعة محمية.

وعقب صدور تقرير منظمة العفو الدولية، قالت الأمينة العامة للمنظمة أجنيس كالامارد أن “هذه عتبة صعبة، وقد استغرق الأمر عدة أشهر من البحث والتحقيق للوصول إلى استنتاج مفاده أنه كان لدى إسرائيل بالفعل نية إبادة جماعية”. 

واتبعت منظمة العفو الدولية المنهجية الشاملة التي تستخدمها تقليديا محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا في استنتاج نية الإبادة الجماعية بشكل مباشر وغير مباشر.

الأدلة غير المباشرة

وفيما يتعلق بالأدلة غير المباشرة، استنتج باحثو منظمة العفو الدولية نية الإبادة الجماعية من الأدلة الظرفية، وهذا يشمل “السياق العام الذي ارتكبت فيه الأفعال المحظورة، ووجود نمط من السلوك، وحجم وطبيعة الأفعال المحظورة المزعومة، وحجم وطبيعة ومدى ودرجة الإصابات والأضرار التي لحقت بالمجموعة المحمية”.

وقد أخذ التقرير في الاعتبار السياق التاريخي للاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية منذ عام 1967، ونظام الفصل العنصري الذي يخضع الفلسطينيين للهيمنة المؤسسية الإسرائيلية، إلى جانب 17 عامًا من الحصار على غزة.

كما فحص التقرير السياق السياسي لحكومة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو التي تعتمد على دعم الصهاينة المتدينين والأحزاب المعادية للفلسطينيين، بقيادة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، وكلاهما من زعماء حركة المستوطنين اليمينية المتطرفة.

ونظرًا للسياقات التاريخية والسياسية، قامت منظمة العفو الدولية بعد ذلك بتحليل النمط العام لسلوك إسرائيل في غزة، بما في ذلك الهجمات القاتلة والمدمرة، وحجم القتل والجرح الذي لحق بالفلسطينيين جراء لذلك، وتدمير الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين الفلسطينيين، وفرض الحكومة الإسرائيلية لظروف معيشية محسوبة لإحداث الدمار المادي للفلسطينيين في غزة.

كما أخذ التحليل في الاعتبار تدمير إسرائيل للمواقع الثقافية والدينية الفلسطينية في غزة، فضلاً عن انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان تستهدف الفلسطينيين المنحدرين من غزة، مثل التعذيب والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي.

الأدلة المباشرة

ثانيًا، فيما يتعلق بالأدلة المباشرة على نية الإبادة الجماعية، نظرت منظمة العفو الدولية في “الخطاب المهين والعنصري والمهين” الذي استخدمه المسؤولون الإسرائيليون قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وكيف تصاعد بعد ذلك.

وشملت الأدلة الشفوية 102 تصريحًا من قبل أعضاء إسرائيليين في مجلس الوزراء الحربي وغيرهم من كبار المسؤولين، الذين يتحملون المسؤولية المباشرة عن تصرفات إسرائيل في غزة.

“توجد أدلة كافية الاستنتاج أن الغرض والهدف الإسرائيلي في غزة هو تدمير الفلسطينيين هناك، ولا يوجد تفسير بديل معقول”- منظمة العفو الدولية

كما وجدت المنظمة أدلة على قيام جنود إسرائيليين بتكرار نفس اللغة المهينة من قبل المسؤولين الإسرائيليين، بناءً على تحليل 62 مقطع فيديو وتسجيل صوتي وصور منشورة على الإنترنت.

وفي تقييم الأدلة على نية الإبادة الجماعية، نظرت منظمة العفو الدولية أيضًا في فشل إسرائيل في التحقيق في أو معاقبة الأفعال أو التصريحات الداعية للإبادة الجماعية.

بالإضافة إلى ذلك، فحصت منظمة العفو الدولية الفرضية البديلة القائلة بأن أفعال إسرائيل كانت جزءًا من حملة عسكرية انتهكت القانون الإنساني الدولي في التسبب في وفيات وتدمير عرضي، ولكنها لم تكن تنوي على وجه التحديد تدمير الفلسطينيين في غزة، ورفضت المنظمة هذه الفرضية.

وقالت كالامارد: “تزعم إسرائيل أنها تسعى إلى تحقيق هدف عسكري مشروع، وهو التخلص من حماس، ما جادلنا به على أساس أدلتنا وعلى أساس القضايا القانونية في جميع أنحاء العالم، هو أنه في سياق نزاع مسلح، من المنطقي أن نجد أن لدى إسرائيل أهداف عسكرية، بما في ذلك التخلص من حماس”.

لكن المسؤولة الأممية استدركت بالقول لميدل إيست آي: “ومع ذلك، فإن هذه الأهداف العسكرية لا تبرر أو تعذر نية الإبادة الجماعية التي يمكن أن تتعايش مع الأهداف العسكرية”.

“الاستنتاج المعقول الوحيد”

يتمثل جزء من منهجية منظمة العفو الدولية في فحص ما إذا كانت نية الإبادة الجماعية هي “الاستنتاج المعقول الوحيد” الذي يمكن التوصل إليه من التحليل.

فقد جاء في تقرير المنظمة أن “من الأهمية بمكان أن الإبادة الجماعية لا ينبغي أن تكون الهدف الوحيد المنشود، وبدلاً من ذلك، يجب أن يكون واضحاً، ويجب أن يكون الاستدلال المعقول الوحيد الناشئ عن نمط السلوك أن تدمير المجموعة المستهدفة، كلياً أو جزئياً، بحد ذاته هو أحد الأهداف التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها”.

وجاء أيضاً: “في أي صراع مسلح، ستكون هناك أهداف عسكرية قد تعمل جنباً إلى جنب مع نية الإبادة الجماعية، أو قد تكون الإبادة الجماعية هي الوسيلة التي يتم بها تحقيق الأهداف العسكرية.

وورد في التقرير أن “من شأن تفسير القانون على نحو مختلف أن يجعل حظر الإبادة الجماعية بلا معنى في الصراعات المسلحة، حيث ستكون هناك دائماً تقريباً أهداف عسكرية أيضاً”.

وخلص تحليل منظمة العفو الدولية إلى أن نية الإبادة الجماعية هي الاستدلال المعقول الوحيد الذي يمكن استخلاصه من السلوك العسكري الإسرائيلي في غزة.

وأضافت المنظمة: “هناك أدلة كافية تشير إلى أن الغرض والهدف الإسرائيلي في غزة هو تدمير الفلسطينيين هناك ولا يوجد تفسير بديل معقول”.

وأوضح التقرير أن الأهداف العسكرية الإسرائيلية “غير كافية لتفسير حجم ونطاق الإجراءات غير القانونية المستمرة التي تقوم بها إسرائيل، حيث إن الهدف الوحيد من ذلك هو تدمير الفلسطينيين في غزة”.

مقالات ذات صلة