كيف ساهم الضغط الإمبريالي الغربي في إنشاء أنظمة استبدادية في الشرق الأوسط؟

كيف ساهم الضغط الإمبريالي الغــربــي فــي إنــشــاء أنـظــمــة استبدادية في الشرق الأوسط؟

بقلم أندرو هاموند

لطالما تساءل المختصون في العلوم السياسية ورواد الإعلام عن سبب الربط بين المجتمعات المسلمة والاستبداد وكأنها سمة من سمات تلك المجتمعات، بل حتى ارتبط تعريف الإسلام ذاته بشكل أو بآخر بوجود شكل من أشكال التعصب والاستبداد في تكوينه كديانة، وهنا تفرض جدلية نفسها لتقول بأن ذلك الاستبداد لطالما ارتبط بمجتمعات أخرى أيضاً حول العالم ولم يقتصر على المسلمين!

شهدت فترة أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ضغطاً غربياً كبيراً في محاولة الحد من تأثير العلماء في المجتمعات المسلمة

جدل يستحضر معه تباهي الغرب باعتبارهم النموذج التقدمي لبقية المجتمعات إن صح التعبير، ولكنه في المقابل يغفل عن نقطة مهمة كانت واضحة لدى مؤرخي النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، وهي أن تدمير النظام القضائي الإسلامي الذي سعت له القوى الغربية الإمبريالية حين جاءت لاستعمار شعوب المنطقة، كان سبباً لا يقل تأثيراً عن غيره من الأسباب في إنشاء أنظمة استبدادية ابتُليت بها شعوب الشرق الأوسط حتى يومنا هذا.

في كتابهما “خليفة الله”، يشير الكاتبان باتريشيا كرون ومارتن هيندز إلى أنه على عكس المعتقد السائد في الغرب، فقد كان في النموذج القضائي الإسلامي سمة مميزة في الحكم، فقد عملت السلطات الدينية الإسلامية لقرون على مراقبة سلطة الحكام، تحت أي مسمى كان خديوي أو سلطان أو خليفة، وكان ذلك بمثابة وظيفة وقائية يقوم بها العلماء بصفتهم قضاة ومفتين وخطباء.

شهدت فترة أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ضغطاً غربياً كبيراً في محاولة الحد من تأثير العلماء في المجتمعات المسلمة، استناداً إلى نظرية التنوير الغربية التي تعتبر أن كل ما هو ديني يجب إبعاده عن الشأن العام في المجتمع، مما أدى إلى انكماش دور المحاكم الشرعية بتسارع كبير، بالإضافة إلى الحد من التأثير التعليمي والتربوي وغيرها من تأثيرات العلماء، باستثناء مجتمعات أكثر تطرفاً أو تحفظاً مثل المملكة العربية السعودية.

وفي الوقت نفسه، توسعت قوة الحكام الذين كانوا يسيطرون على الجيوش والضرائب، ليس فقط في نزع الأسلمة من المجتمعات، وإنما عبر الشكل الجديد للتفاوض وتحديد شكل العلاقة بين مختلف الطبقات الاجتماعية، ألا وهو البرلمان،حيث بدأت الجمعيات الدستورية بمختلف أشكالها وعمرها الزمني في تونس عام 1861 وفي اسطنبول عام 1876 وفي القاهرة عام 1923، ورغم أن النخب الحاكمة كانت تنظر إلى تلك البرلمانات بالبداية كتهديد، إلا أنها سرعان ما توصلت إلى كيفية التلاعب بها.

تحولات تصاعدت بتسارع لم يتح للعلماء وأنصارهم وقتاً للتوقف عند التغير المفاجئ ودراسة وفهم ما يحدث للدولة بسبب تفكيك الحداثة الغربية للنظام الإسلامي، ويعد المفتي العثماني مصطفى صبري أحد الأمثلة على ذلك، فقد فر المفتي من تركيا عام 1922 بعد فشله في وقف صعود القومية العلمانية في أعقاب ثورة حزب “تركيا الفتاة” عام 1908، وأمضى عقوده الأخيرة يراقب نفس التحولات في مصر، منفاه.

وأشار صبري في رؤيته، التي كتب عنها في أربعينيات القرن العشرين، إلى أن الحكومات الإسلامية أرادت التحرر من النظام القضائي الإسلامي ومن رقابة العلماء واستبدالها بالقيود السطحية للديمقراطية البرلمانية، كما توقع أن النتيجة ستنتهي بشكل أنظمة عسكرية يكون فيها “الدين وكل شيء آخر خاضعاً للسلطة المطلقة للحكومة”، كما قام صبري بالمقارنة بين القانون الوضعي الأوروبي الذي اعتبره تطوراً لمجموعة تغيرات اجتماعية واقتصادية في المجتمعات الغربية، بينما جاء فرضه على المجتمعات المسلمة بهدف ملء فراغ خلفه نزع النظام الإسلامي، الأمر الذي جعله مجرد أداة جديدة في يد الحاكم المستبد الجديد.

يذكر أن انتقادات صبري ورؤيته، والتي نُشرت لأول مرة عام 1934، جاءت في وقت بدأت فيه بالفعل ظاهرة استيلاء الطبقات العسكرية على السلطة من خلال الانقلابات، بدءاً من سوريا عام 1949، ومصر عام 1952 وتركيا عام 1960.

أنظمة القهر والاستبداد

في كتابه Politische Theologie، تصادم المنظر السياسي الألماني، كارل شميت، أيضاً مع منظور الدولة الحديثة بسبب إقصائها التاريخي للسلطة الدينية والنظام الملكي، حيث اعتبر أن الديمقراطية الدستورية الألمانية كانت ضعيفة للغاية، لدرجة استدعت تدخل شخصيات تعمل باسم الحكومة، مدعية أن لها سلطات استثنائية لإنقاذها من الانهيار.

صارت السلطة أو القوة الاستثنائية سمة من سمات الساحة السياسية في الشرق الأوسط منذ انتهاء فترة الاستعمار، فتم تقليص المجالس المنتخبة إلى هيئات تحركها إرادة القوة الاستثنائية للحاكم، واستخدمت مصر قوانين الطوارئ لإضفاء الطابع الرسمي على السلطات الأمنية الهائلة للدولة منذ عام 1958، أما نظام الوصاية العسكرية في تركيا فقد أطاح بحكومات منتخبة عديدة، حتى هدمه حزب العدالة والتنمية تحت قيادة رجب طيب أردوغان، حين كان لا يزال تياراً صاعداً قريباً من الفكر الغربي الحديث.

لقد أصبح التشابك الغربي مع هذه الأنظمة الاستبدادية شراً في السنوات الأخيرة

بدلاً من الاستغراق بإدانة الديكتاتوريات والأنظمة البوليسية كما يفعل أصحاب منهج توماس فريدمان في الإعلام الغربي، لابد من نظرية تاريخية متعمقة لتحليل الأسباب وراء السرعة التي يتم بها استبدال نظام بآخر بدعم ومباركة القوة الأوروبية، فقد أصبح التشابك الغربي مع هذه الأنظمة الاستبدادية أكثر شرأً في السنوات الأخيرة، وجاءت ثورات الربيع العربي كبدايات حركة شعبية لتصحيح مسار هذه الحكومات التي مارست الوحشية والقمع لسنوات وضد الملايين من الناس، الأمر الذي جعل تلك الأنظمة تطور من تقنياتها وأساليب قمعها ومراقبتها لتصبح اليوم من أكثر البلدان قمعاً في العالم.

للاطلاع على المادة الأصلية من مصدرها باللغة الانجليزية:

https://www.middleeasteye.net/opinion/islam-west-removed-limits-state-tyranny

مقالات ذات صلة