كيف ستتغير ملامح الشرق الأوسط في حال فوز ترامب بولاية ثانية؟

بقلم ميتشل بليتنيك

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

بالنسبة لمن يملك عائلة أو أصدقاء في غزة، أو أي صلة بفلسطين، يعد الاختيار صعباً للغاية بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، فالأول فرض حظراً على تأشيرات الوافدين من الدول الإسلامية، ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه فاشي، وحاول القيام بانقلاب في المرة الأخيرة التي خسر فيها الانتخابات، أما الثانية، فهي نائبة الرئيس والمسؤولة الأولى عن الشراكة الكاملة للولايات المتحدة في الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.

أما فيما يتعلق بالناخبين في الولايات المتأرجحة، فيُعد الأمر أكثر صعوبة، حيث يكتنفهم الغضب من هاريس والرئيس الحالي جو بايدن بسبب دعمهما المطلق والدؤوب للإبادة الجماعية في غزة، وبسبب مواصلة هاريس استرضاء إسرائيل والناخبين المؤيدين لدولة الاحتلال بينما تبذل قصارى جهدها على ما يبدو لعزل العرب والمسلمين الأمريكيين في كل منعطف، مما يجعل الأمر أسوأ.

وفي حين أيد عدد قليل من القادة المسلمين ترامب مؤخرا، فإن معظم أولئك الذين يرفضون التصويت لهاريس يعترفون بالرئيس السابق رغم كونه نرجسيًا استبداديًا.

وحتى عندما يكون ترامب هو البديل، لا يستطيع العديد من الناخبين إجبار أنفسهم على وضع علامة في المربع الذي يقابل اسم “كامالا هاريس” في الانتخابات، لتورطها في جريمة الإبادة وازدراءها أولئك الذين يعترضون على تلك الجريمة.

إن رفض التصويت لهاريس هو خيار، وهو خيار مفهوم، والواقع أن بعض الانتقادات التي يواجهها الناخبون المناهضون لهاريس، والتي غالبًا ما تكون مشوبة بالعار والعداء وحتى التعصب، غير مقبولة في حد ذاتها.

ومع ذلك، لا بد لأولئك الذين إما يرفضون التصويت في السباق الرئاسي أو يصوتون لمرشحين من حزب ثالث – وبالتأكيد أولئك القلائل نسبيًا الذين اختاروا التصويت لترامب بسبب غزة – أن يدركوا تماماً تداعيات تصويتهم.

توترات متصاعدة

هناك العديد من الحجج التي تفسر لماذا يشكل ترامب خطرًا استثنائياً، منها انحيازه المفتوح لليمين الشعبوي العالمي المتنامي، وشيطنته للعديد من المجتمعات المهمشة وتحريضه على العنف ضدها، ونهجه المتهور والمعاملاتي والأناناني في السياسة الخارجية، ومن بين هذه الأسباب أيضاً رغبته الواضحة في حكم الولايات المتحدة كدكتاتور استبدادي فاشي.

لقد ساعد ترامب في خلق الظروف التي أدت إلى أحداث السابع من أكتوبر وكل ما فعلته إسرائيل منذ ذلك الحين

لقد دافع آخرون كثر عن ترامب في هذه القضايا، لكن حتى لو اقتصرت المناقشة على سياسة الشرق الأوسط، فهناك مخاوف جدية بشأن ترامب وأسباب ضئيلة للاعتقاد بأنه لن يكون أسوأ من الديمقراطيين، مهما كان من الصعب تخيل ذلك.

يزعم البعض أن ترامب يعارض الحرب، وهو يقول ذلك بالتأكيد ويحب أن يدعي أنه لم يبدأ حروبًا جديدة عندما كان في منصبه، ولكن هل كان ذلك بسبب “ضبط النفس” الذي يتسم به ترامب، أم كان بسبب وجود أطراف أخرى من العقلاء في غرفة القيادة؟

الحجة المضادة الأكثر وضوحًا هي اغتيال ترامب للقائد الإيراني قاسم سليماني، وهو الاعتداء الذي قررت إيران عدم الرد عليه من أجل تجنب الحرب، كما أشرف على توسع هائل في الضربات بالطائرات المسيرة، بما في ذلك زيادة تواترها وتخفيف القيود التنظيمية المتعلقة بالإبلاغ عنها، ولقد ساهم ترامب في خلق الظروف التي أدت إلى السابع من أكتوبر وكل ما فعلته إسرائيل منذ ذلك الحين.

لقد فعل ذلك من خلال اتفاقيات إبراهيم، وهي محاولة صريحة لعزل الفلسطينيين وتجريدهم من النفوذ الدبلوماسي الوحيد المتاح لهم: التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.

قبل ذلك، كسر ترامب سابقة استمرت لسنوات برفضه إصدار الإعفاءات الرئاسية التي أبقت السفارة الأمريكية في تل أبيب بدلاً من القدس وأبقت مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن مفتوحة، وهو ما أدى إلى تمزيق الدبلوماسية بين الفلسطينيين والولايات المتحدة، وأكد للفلسطينيين أنه لا يوجد مسار دبلوماسي نحو الحرية.

عندما افتُتِحَت السفارة الأميركية رسمياً في القدس، احتفل ترامب والقيادة الإسرائيلية بينما أطلقت القوات الإسرائيلية النار على المدنيين الفلسطينيين الذين تجمعوا عند حاجز الفصل في غزة خلال مسيرة العودة الكبرى.

وكجزء من نقل السفارة، اعترف ترامب بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، معترفاً فعلياً بمطالبة إسرائيل بالقدس بأكملها، كما اعترف ترامب بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان.

وتسبب ترامب في فوضى هائلة بقرارات متهورة، فقد ألغى من جانب واحد الاتفاق النووي مع إيران، وقد أوقف هذا الاتفاق، الذي أكد حتى أعضاء حكومته أنه كان ناجحاً، التصعيد النووي وخفض التوتر الإقليمي، لكن ترامب عكس ذلك.

وبسبب جهله بالمنطقة وقابليته للإطراء، أعطى ترامب الضوء الأخضر العلني لحصار المملكة العربية السعودية لقطر، الأمر الذي أثار التوترات في جميع أنحاء المنطقة.

“إنهاء المهمة”

يقول البعض إن هذا كان من الماضي.

في تجمع مؤيد لترامب في ديربورن بولاية ميشيغان – وهي ولاية رئيسية في هذه الانتخابات حيث تعتبر أصوات العرب والمسلمين الأميركيين بالغة الأهمية – قال بلال الزهيري، وهو إمام محلي: “أود، خاصة الآن، أن أتحدث عن الحاضر والمستقبل. لا أريد أن أتحدث عن الماضي”.

إذن، كيف تبدو ولاية ترامب الثانية، من حيث ما نعرفه وما يقوله ترامب نفسه؟

لا يناقش أي مرشح رئاسي السياسة الخارجية كثيراً، ومن المؤكد أنها ليست المكان الذي يشعر فيه ترامب بأكبر قدر من الراحة، لكنه قال بعض الأشياء التي يجب أن نكون جميعاً على دراية بها.

فيما يتعلق بغزة، فإن شكواه ضد إسرائيل لا تتعلق بالإبادة الجماعية، بل بالإبادة الجماعية التي تسير ببطء شديد، حيث قال ترامب: “يحاول بايدن كبح جماح [رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو[“. 

وأضاف: “إنه يحاول كبح جماحه، وربما كان ينبغي له أن يفعل العكس، في الواقع، أنا سعيد لأن [نتنياهو] قرر أن يفعل ما كان عليه أن يفعله، لكن الأمر يسير بشكل جيد”.

في وقت سابق من هذا العام، دعا ترامب دولة الاحتلال إلى “إنهاء المهمة” في غزة، مما يعني أنها يجب أن تصعّد المذبحة الجماعية التي كانت منخرطة فيها بالفعل.

نظرًا لهذه التعليقات، فمن المستحيل أن نتخيل أن ترامب قد يفكر حتى في ممارسة نوع الضغط على نتنياهو الذي ثبت أنه مطلوب لكبح جماحه: وقف تدفق الأسلحة إلى إسرائيل.

هذا ليس افتراضيا، ففي مكالمة هاتفية أجراها ترامب مع نتنياهو مؤخرا، قال له إنه يجب عليه “أن يفعل ما يتعين عليه فعله”، ووفقا للسيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، فإن ترامب “أعرب عن دهشته من العمليات العسكرية [الإسرائيلية] وما فعلته”.

القمع

وفي حين قوبلت الاحتجاجات في الولايات المتحدة بالعنف من جانب الدولة، وخاصة في الجامعات، فمن المرجح أن يفعل ترامب ما هو أسوأ بكثير، فقد تحدث عن استخدام الحرس الوطني، أو حتى الجيش، ضد المتظاهرين، وبالتالي فإن قدرة النشطاء على التأثير على السياسة ستكون أكثر محدودية.

كما تحدث عن ترحيل الجميع من غير المواطنين إذا كانوا “مؤيدين لحماس”، ولنتذكر أن أنصار دولة الاحتلال، عبر الطيف السياسي، يعتبرون أي شخص يحتج على الإبادة الجماعية في غزة “مؤيدًا لحماس”.

لقد كانت سياسات بايدن سيئة للغاية لدرجة يمكننا معها أن نزعم أن سياسات ترامب قد لا تكون أسوأ من نائب الرئيس بايدن

كان يحمل ترامب هذه الأفكار في المرة الأولى، فقد أراد استخدام الجيش خلال الاحتجاجات بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة في عام 2020 لكنه تراجع عن ذلك، كما تحدث عن الحرب ضد فنزويلا وإيران، لكنه لم يتمكن من إقناع كبار موظفيه بالانضمام إليه.

في ضوء رغبته المعلنة بوجود جنرالات حوله يفعلون ما يريد دون سؤال، يمكننا أن نكون على يقين من أن المعيار الأول لموظفي ترامب في فترة ولايته الثانية سيكون الطاعة، فلن يكون لدينا حواجز الحماية في فترة ولاية ترامب الثانية التي كانت لدينا في الأولى.

كل هذا يتعلق فقط بالشرق الأوسط، الساحة التي كانت فيها سياسات بايدن سيئة للغاية لدرجة يمكن معها الزعم بأن سياسة ترامب قد لا تكون أسوأ من نائب الرئيس بايدن.

يجب على الجميع التصويت وفقًا لضميرهم وترجيح أفضل حكم لديهم.

يعيش بعضنا، مثلي، في ولايات حيث الانتخابات الرئاسية هي نتيجة محسومة مسبقًا، وبالتالي يمكننا أن نشعر بحرية أكبر في عدم التصويت لشخص لطخ يديه بقدر كبير من الدماء مثل هاريس، ولكن إذا كنت أعيش في ولاية متأرجحة، فربما أجبر نفسي على التصويت بأكبر قدر ممكن من التأثير ضد ترامب، مما يعني التصويت لهاريس.

لا يستطيع الكثيرون ببساطة التصويت لشخص متواطئ بعمق في الإبادة الجماعية، ويجب احترام هذا الاختيار، لكن لا أحد منا يستطيع أيضاً أن يتحمل أن يكون ساذجاً بشأن ما تعنيه عودة ترامب.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة