كيف ستكون ملامح الشرق الأوسط بعد حرب غزة؟

بقلم محمد ابو رمان

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

لا يمكن التنبؤ بشكل كامل بالكيفية التي سيبدو عليها الشرق الأوسط بعد الحرب على غزة، هذه الحرب التي تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن تعيد تشكيل المنطقة.

وإلى الآن، لا نعرف المآلات السياسية التي ستفضي إليها الحرب رغم زيادة وضوح أبعاد الكارثة، مع مقتل أكثر من 16 ألف فلسطيني حتى الآن أغلبهم من النساء والأطفال، وقد تم تهجير حوالي 1.8 مليون شخص بسبب تدمير البنية التحتية في غزة.

وبالتالي فإن “الوجه الجديد” للشرق الأوسط سوف يتسم بوجود عدد كبير من اللاجئين والنازحين، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم التأثيرات المترتبة على نكبة عام 1948، الذين يسكن أحفاد من هُجّروا خلالها أساساً في مخيمات غزة، نحن نواجه حالة من نزوح للأجيال.

يشابه الوضع في غزة الحرب السورية التي أجبرت أعداداً كبيرة من اللاجئين والنازحين على العيش في مخيمات مكتظة في ظل ظروف غير إنسانية.

في الواقع، هناك جيل جديد ناشئ في جميع أنحاء المنطقة، وفي الأردن، تفيد التقارير أن معدل المواليد بين اللاجئين السوريين أعلى منه بين الأردنيين، ويوجد أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري مسجل في جميع أنحاء تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، بالإضافة إلى ملايين النازحين السوريين داخل البلاد، والكثيرون يعيشون في ظروف صعبة ويواجهون الفقر المدقع.

إن الدور المتصاعد الذي تلعبه الجهات الفاعلة غير الحكومية وشبه الحكومية يعكس الفشل الذريع لمفهوم الدولة القومية العربية.

لقد أدت الحرب في اليمن إلى تأجيج أزمة اللاجئين، حيث اضطر حوالي 4.5 مليون شخص إلى الفرار من منازلهم، يحدث كل هذا بعد أن أدى غزو العراق وأفغانستان إلى تدفق اللاجئين إلى الخارج على مدى العقدين الماضيين.

اليوم، ينضم أولئك الذين نزحوا في غزة إلى هذه القائمة، وستخلق الحرب أيضاً جيلاً جديداً من الألم النفسي، حيث تكافح العائلات للتعامل مع الحجم الهائل من الموت والخسائر.

جيل غير مستقر

ترتبط ديناميكيات النزوح بالضرورة بديناميكيات التطرف والقلق وعدم اليقين والغضب، وهذا يسهل عملية تجنيد الشباب الساخطين في جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية، أي أن ما لدينا هو قنبلة موقوتة، تتمثل في جيل مهمش وغير مستقر يعيش في ظروف غير طبيعية.

سوف يتأثر “الشرق الأوسط الجديد” الذي سينشأ بعد حرب غزة أيضاً بالدور المتصاعد الذي تلعبه الجهات الفاعلة غير الحكومية وشبه الحكومية، وقد عززت هذه الحرب أهمية هذه الجهات الفاعلة، وفي المقام الأول حماس، التي تصنف على أنها منظمة إرهابية في المملكة المتحدة ودول أخرى، كما أثيرت ملفات تعريف حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن.

وإذا أضفنا هذه العناصر إلى مجموعة أخرى من الجهات الفاعلة خارج نطاق حرب غزة مثل هيئة تحرير الشام في إدلب وسوريا، وقوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، فيمكننا أن نرى انخفاضًا نسبيًا في الثقل العسكري للقوات الرسمية والجهات الحكومية الفاعلة في سياق الديناميكيات الإقليمية.

إن الدور المتصاعد الذي تلعبه الجهات الفاعلة غير الحكومية وشبه الحكومية يعكس الفشل الذريع لمفهوم الدولة القومية العربية، كما أن له عواقب وخيمة، بما في ذلك العودة إلى الانتماءات العرقية والدينية والطائفية، وتفكك سيادة الدول الإقليمية.

كما أنه يعكس طفرة في العلاقات عبر الحدود واتساع النفوذ الإيراني (كجزء من محور المقاومة) ونحن نشهد أيضًا تحولًا في طبيعة الحروب الإقليمية، مع التركيز المتزايد على حرب المدن والمعارك بالوكالة والحرب النفسية والدعاية والتضليل.

ومن جهة أخرى، فإن حرب غزة تعمل على تجديد الجدل حول الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط في عالم السياسة الدولية، ففي الوقت الذي كانت الولايات المتحدة فيه تتبع سياسة فك الارتباط الإقليمي لصالح التركيز على الصين وروسيا فإن الحرب الحالية تدفعها إلى إعادة التفكير في مثل هذه السياسات.

وبشكل متنامٍ، أصبح من الواضح أن قيمة الشرق الأوسط وأهميته تتجاوز الاعتبارات الاقتصادية والتجارية إلى المجالات الدينية والرمزية والثقافية التي تربط الدول الكبرى في جميع أنحاء المنطقة وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

وإذا كانت هذه هي بعض التداعيات الإقليمية الأولية، فإن من المؤكد أن بعضها الآخر سيظهر مع مرور الوقت وظهور صورة أوضح لنتائج حرب غزة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة