كيف شيطن اللوبي الإسرائيلي جيرمي كوربن بحجة معاداة السامية؟

بقلم ريتشارد ساندرز

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في الخمسين سنة القادمة، سوف يرجع المؤرخون للنظر إلى السياسة البريطانية في الفترة ما بين عامي 2015 و2020 بدهشة، فطوال تلك الفترة، سلطت المؤسسة الإعلامية السياسية بأكملها طاقاتها نحو زعيم حزب العمل، جيريمي كوربن، بلا هوادة أو تردد، ليس لانتقاده إسرائيل فحسب، ولكنها عنصرية طالت كل أنصاره كذلك.

بحلول خريف عام 2019، كان الأمر أشبه بمسح ساحة معركة، ففي الوقت الذي تمت فيه مهاجمة مناهضي إسرائيل باستمرار وعنف، وجد المؤيدون والمدافعون عن إسرائيل بمرتبة المناضلين الشجعان ضد “العنصرية”، لقد كان المشهد زجاجياً هشاً في ظاهره.

الجانب الوحيد الجيد في تلك الحرب القانونية ضد النشطاء المؤيدين لفلسطين، والتي كانت ممولة من قبل اللوبي الإسرائيلي، أنها فرضت معايير صحفية عالية في تحري الحقيقة والكتابة عنها، مما أسهم في إظهار تناقض الذين يكتبون تأييداً لشيطنة النشطاء

بالنسبة لكوربن، كان هناك مساعٍ حثيثة لمنعه من تولي منصب رئيس الوزراء، ساهمت وسائل الإعلام المحلية في تأجيجها ومحاصرة فكر كوربن ومؤيديه، أما الصحفيون المحترفون، فقد التزموا بنقل الحقيقة كما هي، ليس من دافع الأمل بأن أقلامهم أو أصواتهم قد تغير الواقع في ذلك الوقت، وإنما لترك موقفهم كدليل للأجيال القادمة.

أيام سوداء

بصفتي الصحفية، هذا كان النهج الذي اتبعته عندما أنتجت فيلمي الخاص عن أزمة معاداة السامية في حزب العمال، وغيره من الأفلام، كما أنه نفس المنهج الذي اتبعه الكاتب والمحرر في موقع “الانتفاضة الإلكترونية”، آسا وينستانلي، في كتابه “تسليح معاداة السامية: كيف أسقط اللوبي الإسرائيلي جيريمي كوربن”.

على الجانب الآخر، يوصف السياسي هيلاري بن، خصم كوربن، صراحة بأنه “المتحدث الأبرز المؤيد للحرب ضد حزب العمال” في الساحة البريطانية، الحرب بشكل عام وليس ضد قضية محددة، فهو يرفض سياسة الاسترضاء والاعتذار تجاه كوربن ويعتبرها فاشلة في نهاية المطاف.

خلال تلك السنوات التي يمكن اعتبارها مظلمة، كان الكثيرون حول كوربن يميلون إلى الابتعاد عن وينستانلي، وعلى إثر ذلك استقال كوربن من حزب العمال عام 2020 بعد التحقيق معه بتهمة “معاداة السامية” وتهم اخرى، حيث كان قد كتب على تويتر آنذاك “إسرائيل أيديولوجية سياسية وليست هوية”.

الجانب الوحيد الجيد في تلك الحرب القانونية ضد النشطاء المؤيدين لفلسطين، والتي كانت ممولة من قبل اللوبي الإسرائيلي، أنها فرضت معايير صحفية عالية في تحري الحقيقة والكتابة عنها، مما أسهم في إظهار تناقض الذين يكتبون تأييداً لشيطنة النشطاء، ومن هؤلاء كان وينستانلي المحرر الدقيق الشامل، الذي يكتب جيداً ويدعم نصوصه بالمصادر الكثيرة.

ازدراء مشروط!

بدأت رواية وينستانلي فعلياً عام 2010، حين كتب تقريراً لمعهد ريوت، حث فيه الاستخبارات الإسرائيلية على “دق إسفين بين النقاد اللطفاء والمتشددين”، معتبراً أن الفئة الأولى يجب أن تخضع “لاستراتيجيات مشاركة معقدة”، فيما يجب أن تخضع الثانية “للتخريب والهجوم” على حد وصفه.

وفي موقف آخر، قدم وينستانلي سرداً دقيقاً للدعوى القضائية التي تم رفعها عام 2011 ضد اتحاد الجامعات والكليات في بريطانيا، تمهيداً للحملة على كوربن، حيت اتُهم الاتحاد “بمعاداة السامية” كمؤسسة، وذلك بسبب موقفه من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تم دعم القضية من قبل مجلس القيادة اليهودي في لندن، لكن القاضي رفضها في ذلك الوقت، واصفاً إياها بأنها “محاولة مرفوضة لتحقيق هدف سياسي من خلال القضاء”، ثم تسببت هذه الحادثة في تحول أنظار نشطاء حملة “معاداة السامية” نحو كوربن، ولكن تقرير وينستانلي سيظل دليلاً شاهداً على الحقيقة.

في أبريل من العام 2016، وعلى الهواء مباشرة عبر لقاء على الراديو، عبر عمدة لندن السابق وحليف كوربن، كين ليفنجستون، عن رأيه في أن “هتلر كان يدعم الصهاينة قبل أن يُصاب بالجنون ويقتل 6 مليون يهودي”، فكانت تعليقاته مستفزة بلا مبرر، أيده القليلون، فيما ذهب وينستانلي إلى كشف الحقائق عن العلاقة بين الصهيونية والنازية في ثلاثينيات القرن العشرين.

كان وينستانلي أيضاً جريئاً في إعادة سرد ما حصل مع الناشطة اليهودية من أصل أفريقي والداعمة لكوربن، جاكي ووكر، والتي ظُردت من حزب العمال عام 2019 على خلفية “تعليقات معادية للسامية”، حيث كانت قد كتبت على فيسبوك “كان العديد من اليهود أسلافي من الممولين الرئيسيين لتجارة السكر والرقيق”، أوضحت ووكر مرات عديدة أنها كانت تقصد “بعض الممولين”، ولكن تمت معالجة قصتها بشكل مشين أيضاً.

إساءة عنيفة وعنصرية

كانت القضية ضد ووكر غير عادلة، لكن ليست تلك المشكلة الأكبر، بل الأمر الاكثر إثارة للقلق كان معاملتها لاحقاً، من خلال سيل من الانتهاكات العنصرية العنيفة، جعلتها منبوذة من قبل الكثيرين بعد ذلك، فقد وصفها أحد الصحفيين بـ “المهووسة”، بينما أيد آخر طردها، وبدا الأمر وكأن عدداً من مؤيدي كوربن يريدون تهدئة منتقديهم برمي آخرين منهم بالنار، فعندما قدم مجلس نواب اليهود البريطانيين للمرشحين لقيادة حزب العمال عام 2020 “تعهدات لإنهاء أزمة معاداة السامية”، ذكروا اسم ووكر باعتبارها شخصاً “لا يمكن قبول عضويته أبداً”.

بحسب تعبير وينستانلي، كانت قضية ووكر تعبيراً واضحاً عن القلب المظلم لأزمة معاداة السامية داخل حزب العمال، الأمر الذي يطرح سؤالاً مهماً، إذا كانت ووكر الاسوأ فماذا عن البقية؟ 

معاداة السامية تزود الصهاينة بالسلاح الأمثل لنزع الشرعية عن الفلسطينيين وشيطنتهم، كما تزود ساسة الوسط واليمين بالسلاح المثالي لتدمير أولئك الذين ينتمون لليسار، تماماً كما حصل مع كوربن!

في كتاباته، أشار وينستانلي مراراً وتكراراً إلى أن منظمات مثل حركة العمل اليهودية وأصدقاء العمل في إسرائيل تعتبر “واجهات” او “قطع غيار” للسفارة الإسرائيلية و”أسلحة لدولة إسرائيل”، مصطلحات تسببت في خضوعه للتحقيق بتهمة معاداة السامية، رغم أن المنظمتين مؤيدتان لإسرائيل علناً، ولهما صلات وثيقة معروفة بالسفارة الإسرائيلية!

سلاح “معاداة السامية”!

من الواضح أن معاداة السامية باتت تستخدم كسلاح، حتى في داخل حزب العمال، خاصة من قل بعض العناصر المناهضة لكوربن داخل الحزب، فقد استخدمت هذه التهمة كوسيلة لمهاجمة جيرمي كوربن.

لقد مررت بمجموعة من رسائل الواتس آب المسيئة لكوربن، والتي وردت في تقرير خاص بالحزب تم الكشف عنه عام 2020، رسائل تتحدث عن تعامله مع معاداة السامية باستخدام عبارات مسيئة، مما يؤكد أنهم يترصدون أي فرصة مع بروز أي قضية لإثارة الغضب حول هذه التهمة ومن يتهمونه بها.

وقد عكست هذه الأزمة مشكلة أعمق، وهي أن الثقافة السياسية في أوروبا والولايات المتحدة مبنية على رؤية إسرائيل فقط عبر عدسات الهولوكوست، فنحن غير قادرين على مواجهة المأساة التي خلفها المشروع الصهيوني المتمثلة بالعنصرية، فإسرائيل بنيت على ضمان هيمنة عرقية على أخرى.

لقد أدى الفشل الغربي في فهم العنصرية الإسرائيلية إلى تآزر قاتل معها، فقضية معاداة السامية تزود الصهاينة بالسلاح الأمثل لنزع الشرعية عن الفلسطينيين وشيطنتهم، كما تزود ساسة الوسط واليمين بالسلاح المثالي لتدمير أولئك الذين ينتمون لليسار، تماماً كما حصل مع كوربن!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة