قصة موقع ميدل إيست آي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
كان من المفترض أن يكون المكان الذي يتجمع فيه النازحون الفلسطينيون للحصول على إمدادات غذائية هم بأمس الحاجة لها شمال غزة، إلا أن شهود عيان تحدثوا عن تعرض حشد كبير كان ينتظر شاحنة طعام، في شارع الرشيد في 11 يناير، لقصف بنيران الدبابات والمروحيات الرباعية، مما أدى إلى قتل وجرح العشرات!
كان الشاب محمد السالم ذو الـ 27 عاماً، شاهداً على المذبحة التي أشار فيها إلى رؤيته لعشرات الجثث متناثرة في الشارع، ويقول: “في الساعة 9 صباحاً، ذهبت أنا وأبناء عمومتي إلى شارع الرشيد بعد أن أخبرنا الناس في منطقتنا أن الشاحنات المحملة بالدقيق ستمر من هناك، وعندما وصلنا، كان هناك مئات الأشخاص ينتظرون هناك”.
وفي شهادته أضاف محمد بقوله: “أثناء عبورنا دوار النابلسي، ظهرت دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي من خلف تلة رملية وبدأت بإطلاق النار على الأهالي بشكل عشوائي، وفي الوقت نفسه، بدأت الطائرات الرباعية بمهاجمتنا من كل جانب”.
لقد تحول الجوع إلى حقيقة يومية في حياة سكان القطاع المحاصر، خاصة في الشمال مع انعدام الأمان وانتشار الآليات الإسرائيلية ومحاصرتها لأحياء عدة، فسكان الشمال خياراتهم صعبة، بين البقاء داخل ملاجئهم على أمل أن يتمكنوا من توفير الطعام لأطول فترة ممكنة أو المخاطرة بالموت من خلال الخروج والعثور على شاحنات المساعدات
أكد محمد أنه رأى ما يزيد عن 50 قتيلاً وجريحاً، وشاهد بعينه فرار مئات الأشخاص من بين الحشود إلى الشوارع الضيقة المجاورة لحي الرشيد لتجنب وابل الرصاص والقذائف.
رغم إطلاق النيران، إلا أن محمداً عاد إلى مكان الحادث مع عشرات آخرين عندما وصلت شاحنات المساعدات في نهاية المطاف في الساعة 11:30 صباحًا، حيث رأى 6 شاحنات، 4 منها تحمل الدقيق والمعلبات،فيما تحمل الاثنتان الأخريان الأدوية
يقول محمد “عاد الكثير من الناس لانتظار الشاحنات كما فعلنا، رغم إصاباتهم والجثث من حولنا، فقد كانوا يحاولون اللحاق بالشاحنات للتأكد من حصولهم على بعض الطعام لعائلاتهم، حتى أني رأيت فتاتين كانتا تجريان بجوار الشاحنة للحصول على بعض الدقيق، ومن سرعتهما علقا تحت عجلات الشاحنة وماتا على الفور”!
“كان المشهد مروعاً”
كانت رواية محمد متطابقة مع روايات شهود آخرين، من بينهم أحمد عابد ذو الـ27 عاماً أيضاً، حيث أوضح أحمد أنه وفي ذات اليوم تجمع هو وشقيقه مع مجموعة من الشباب وتوجهوا إلى شارع الرشيد في بعد أن سمعوا بشاحنات الدقيق هناك.
ومثل سالم، عندما وصل إلى دوار النابلسي شهد على إطلاق النيران العشوائي، “من حيث كان من المتوقع وصول المساعدات وشاحنات الدقيق” على حد وصفه.
يقول أحمد : ” ظهرت طائرات كوادكوبتر فوقنا وبدأت في إطلاق النار بشكل عشوائي علينا جميعاً، كان المشهد مروعاً، فقد رأيت أشخاصاً يسقطون قتلى بجواري”.
في تلك اللحظات، اتجه أحمد نحو أنقاض المنازل المحاذية لشارع الرشيد، يقول: “كنت خائفاً لدرجة أنني نسيت أمر أخي والرجال الذين كانوا معي”، وبعد أن هدأت النار، التقى بمن معه مرة أخرى.
“عدت إلى المنزل دون الحصول على أي طحين أو طعام لأطفالي، ولو كنت أعرف أن الحصول على المساعدات يعني مذبحة، لما ذهبت أبداً، أشكر الله لأنني تمكنت من العودة هذه المرة” – محمود حمدي- من سكان غزة
عاد أحمد إلى المنزل حيث كان والده ينتظره بفارغ الصبر مع آخرين ينتظرون عودة الرجال، الذين كان قد أصيب اثنان منهما بجروح خطيرة، أحدهما أصيب برصاصة في رقبته والآخر في يده.
يقول أحمد: “كنا نبحث عن الدقيق، لن أعود أبداً للحصول على الدقيق حتى لو مت جوعاً”!
“كان إطلاق النار مفاجئاً”
لقد تحول الجوع إلى حقيقة يومية في حياة سكان القطاع المحاصر، خاصة في الشمال مع انعدام الأمان وانتشار الآليات الإسرائيلية ومحاصرتها لأحياء عدة، فسكان الشمال خياراتهم صعبة، بين البقاء داخل ملاجئهم على أمل أن يتمكنوا من توفير الطعام لأطول فترة ممكنة أو المخاطرة بالموت من خلال الخروج والعثور على شاحنات المساعدات.
يعيش محمود حمدي، ذو الـ 33 عامًا، مع زوجته وأطفاله الأربعة في مدينة غزة، كما انضم إليهم والدا حمدي وشقيقه مع عائلته المكونة من ثلاثة أفراد منذ بدء الحرب، لأن منازلهم قد دمرت.
وصف حمدي الوضع بقوله: “إننا نأكل وجبة واحدة في اليوم، معظمها من الأرز أو العدس، حتى نتمكن من الحفاظ على ما لدينا من الأطعمة”، ولذلك عندما سمع عن شاحنات المساعدات، قرر القيام بالرحلة إلى هناك.
يقول حمدي: “كنت أعلم أن الطريق قد يكون خطيراً، لكنني قررت الذهاب لأنه لم يكن لدي خيار آخر، فقد كان أطفالي يطلبون مني باستمرار إحضار الطعام، وكانوا يخبرون والدتهم أنهم يعانون من الجوع الشديد، فلم أستطع تحمل رؤية أطفالي يعانون من الخوف والجوع”.
وعن شهادته حول ما حصل ذلك اليوم، يقول حمدي: “رأيت العديد من الأشخاص يُطلق عليهم الرصاص ويسقطون على الأرض ويموتون، ولم تكن هناك سيارات إسعاف في الجوار ولم يتمكن أحد من فعل أي شيء لأن إطلاق النار بدأ فجأة وكان الناس يركضون في حالة من الفوضى والخوف”.
ويضيف حمدي: “لقد تجمدت، وبدأت بالبكاء لأنني لم أتمكن من الرد أو الهرب، لم أكن أعرف ماذا أفعل”، وأثناء ذلك، أصابته رصاصة أصابته في قدمه، ولكنه واصل الهروب بينما كانت قدمه تنزف.
يقول حمدي: “عدت إلى المنزل دون الحصول على أي طحين أو طعام لأطفالي، ولو كنت أعرف أن الحصول على المساعدات يعني مذبحة، لما ذهبت أبداً، أشكر الله لأنني تمكنت من العودة هذه المرة”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)