بقلم نانسي خليل
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
مع بداية العام الدراسي، تصطدم الجامعات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة بسياساتها المتعلقة بحرية التعبير والاحتجاج وحرية التجمع.
وتعمل بعض الجامعات على مراجعة هذه السياسات لتشمل إدراج عواقب سريعة بحق الذين يجرؤون على اتباع معايير الاحتجاج الطلابية المعمول بها لعقود من الزمن، وتلوح بتهديدات مماثلة للموظفين وأعضاء هيئات التدريس، هذه التهديدات لا توجه فقط لأولئك الذين يمارسون الاحتجاج، بل إنها تصل حتى إلى بعض الذين يتحدثون عنها ببساطة.
ومن شأن مثل هذه السياسات أن تعيق في نهاية المطاف الجامعات من الوصول إلى مسار نحو أهدافها الخاصة بالتنوع والشمول.
ففي الأشهر الأخيرة، قمت بزيادة العديد من المخيمات الجامعية المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا الشمالية، من الغرب الأوسط الأمريكي، إلى الساحل الغربي، وحتى كندا، وبصفتي عالمة أنثروبولوجيا، فقد لفت انتباهي أن كل معسكر منها حمل اسم “المنطقة المحررة”.
وخلال زيارتي لواحد من تلك المخيمات الطلابية، سمعت أحد المشاركين يعلق على اختصار الشعار المتبع حول سياسات الجامعات حول بشأن التنوع والمساواة والشمول، قائلاً: “يجب أن يكون اختصار الشعار DIE، وليس DEI، فهم يستخدمون هذه السياسات لتبرير قتلنا”.
كما أظهر المعتصمون في المخيم إحباطهم الجماعي إزاء ممارسة مبادرات التنوع والإنصاف والشمول في الحرم الجامعي في مختلف أنحاء البلاد، وهو ما يدفعنا للتساؤل عما يعنيه هذا المصطلح بلا رتوش.
ويبدو أن المحتجين أنفسهم يقومون بعمل أفضل في دعم مثل هذه المثل العليا، ففي جامعة ميشيغان في آن أربور، وخلال عيد الفصح اليهودي، أقام المخيمون وجبة عشاء ورحبوا بكل من في المخيم للانضمام إلى الاحتفالات، ولم يتداخلوا مع مجموعة من المحتجين المعارضين لهم الذين تجمعوا في مكان قريب، حاملين لافتات مؤيدة للاحتلال، ولقد أذهلني أنه حتى في سياق السماح بمساحة للاختلاف والمعارضة السلمية، تم تحرير المخيم.
“نحن نحافظ على سلامتنا”
من خلال ما لاحظته، تهدف معسكرات الاحتجاج هذه إلى العيش وفقاً للمثل العليا التي يحتج الطلبة من أجلها: الحرية والعدالة للجميع، دون التسلسلات الهرمية المشبعة بالعنصرية والنظرة الاقتصادية التي تهيمن على العالم.
وفي جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، التي تعرضت لهجوم من قبل محرضين صهاينة خارجيين، قام المخيمون بحماية بعضهم البعض بينما وقف رجال الشرطة متفرجين، ولم يتدخل الضباط، ولم يستدعهم المخيمون الذين هتفوا: “نحن نحافظ على سلامتنا”.
وفي الصباح الذي تم فيه مداهمة مخيم آن أربور وتفكيكه بالقوة، كان المسلمون قد انتهوا للتو من صلاة الفجر وكان هناك قداس مسيحي مشترك بين الطوائف عندما دخل الضباط.
كما شهدت العديد من المخيمات التي زرتها طقوساً حقيقية، بما في ذلك حفل تبغ الكري، وهو بالضبط نوع الحدث الذي يتخيله المرء في الحرم الجامعي أثناء الوجبات، لقد بذل المخيمون جهداً لتضمين خيارات الكوشر (الطعام المعد وفق الشريعة اليهودية) والحلال والنباتية والنباتية الصرفة والخالية من الجلوتين في ضيافتهم.
إن التواجد في مجتمع واحد هو الطريقة الأكثر صحة للطلاب للتعلم عن بعضهم البعض ومن بعضهم البعض، دون إضفاء طابع موضوعي أو جوهري على المعايير التي قد تكون غير مألوفة للبعض.
كما تضمنت المخيمات أنشطة متنوعة، من عروض الأفلام، مروراً بالاحتفالات بالأعياد، إلى دروس تعليمية حول موضوعات معينة مع متحدثين ضيوف خبراء، وقد أخبرني أحد الأساتذة الذي كان يسكن على بعد أكثر من ساعة من موقع المخيم الذي كان يزوره: “سأقود سيارتي إلى هنا إذا استضاف الطلاب ورشة عمل تنظيمية، ما يقومون بتنسيقه هنا أمر لا يصدق”، وقد شاركني العديد من الذين يسكنون في كل مساحة الولايات المتحدة مثل هذه المشاعر.
دورة لا نهاية لها
بعد أن تم تعييني في عام 2017 في أول مجموعة من الزمالة التي كانت جزءاً من خطة DEI 1.0 التي استمرت خمس سنوات في جامعتي (نحن الآن في DEI 2.0)، طلبت من مشرف المشروع أن يشرح استخدام مصطلح “الإدماج”.
لقد سألت ما الذي يعنيه سعي المؤسسة إلى تحقيق الإدماج، عندما يستلزم هذا المفهوم ذاته تسلسلاً هرمياً، أي أن مجموعة متفوقة واحدة تحظى بفرصة “الإدماج”، في حين يتم استبعاد مجموعة أخرى أدنى حتى أن تسمح لها المجموعة الأولى بالانضمام؟
ولحسن حظه، لم يدافع عن هذا المصطلح، واقترح بدلاً من ذلك أن ننظر إليه باعتباره “عنصراً مؤقتاً”.
لقد انحازت الإدارات إلى مصالح اليمين المتطرف، على حساب قضية الإدماج ذاتها التي يُفترض أن إدارات الجامعات تقاتل من أجلها.
ومع ذلك، يظل المفهوم نفسه مجرد مسعى، وكما هو الحال مع الجهود السابقة لتعزيز “التعددية الثقافية” و”التسامح”، يبدو أن المبادرات الليبرالية اليسارية لمعالجة تاريخ التهميش والعنصرية لا يمكنها أن تنجح تماماً، لقد أصبحت مؤسسات التعليم العالي مسارح للاستجابات الرامية إلى معالجة هذه الصراعات التاريخية من أجل المساواة من جهة، والانتقادات الموجهة إلى هذه الاستجابات من جهة أخرى، بطريقة دوارة غير منتهية.
لقد درست لسنوات كيف يمكن للواقع المتناقض للتنوع في مؤسسات التعليم العالي أن يؤدي إلى الاستبعاد الذاتي، وقد تصارعت بعض الحُرُم الجامعية مع هذا الأمر من خلال استبدال تسمية DEI القياسية بكلمات أخرى، فقد قلصت جامعة كورنيل في نيويورك اسم مكتبها إلى “الانتماء إلى كورنيل”.
ما لم أتوقعه عندما بدأت هذه الرحلة قبل أكثر من عقد من الزمن هو الهجوم المصاحب على DEI في الجامعات وخارجها من قبل اليمين المتطرف، مما دفع بعض الولايات إلى تقييد تمويل المشروع في الكليات العامة.
لو فكرنا في الأمر بعمق أكبر، فإن هذه الخطوة ما كانت لتكون مفاجئة، حيث إن عمل DEI يركز على سياسات الهوية، ولأسباب واضحة، فإنه لا يفسح المجال للهويات غير المهمشة، الأمر الذي دفع البعض إلى الثورة.
كما يضع هذا الموقف التقدميين المنتقدين في الزاوية: هل يستمرون في انتقاد DEI، أم يتحولون للدفاع عنه من الهجمات اليمينية باعتباره الوسيلة الأساسية في التعليم العالي بهدف معالجة تاريخ التحيز والتمييز المنهجي؟
درس قيم
وفي ظل هذه الخلفية، شعرت بالذهول إزاء استجابة أغلب مؤسسات التعليم العالي للمخيمات المقامة على حرمها الجامعي، حيث يُتصور أن الكليات هي مواقع لحرية التعبير، والاستقصاء الفكري، ومواجهة الاختلافات، وبالنسبة للعديد من الناس، فإنها تشكل جسراً نحو الاستقلال كبالغين، وقد أمضت أغلب الكليات الجزء الأعظم من سنوات الألفية الجديدة في تكثيف استثماراتها في العمل المتعلق بالتنوع والإنصاف والشمول.
ولكن اليوم، في اللحظة التي توحد فيها الطلاب لإقامة معسكرات نجحت بشكل عضوي، حتى في خضم خلافاتهم الداخلية، في بناء مجتمعات تعددية ترحب بالناس من خلفيات لا حصر لها، فإن الجامعات لا تحتضنهم، بل تعاملهم باعتبارهم تهديداً.
وبدلاً من الانضمام إلى مجتمعات المعسكرات ومحاولة التعلم من طلابها حول كيفية تعزيز ثقافة التحرر، أبقت معظم إدارات الجامعات هذه المجتمعات على مسافة بعيدة، أو ما هو أسوأ من ذلك، فككتها بعنف، وعلى هذا فقد اصطفت الإدارات مع مصالح اليمين المتطرف، على حساب قضية الإدماج ذاتها التي يفترض أنها تقاتل من أجلها.
وبدلاً من الاستمرار في استهداف الطلاب وهدم المعسكرات، ينبغي لإدارات الجامعات أن تخرج وتشهد التحرر في العمل، وربما يتبين لها بعد ذلك أن تركيز التنوع والإنصاف والشمول دون تركيز التحرير هو مسعى عبثي، مما يؤدي إلى اعتبار مبادرات التنوع والإنصاف والشمول مجرد تمثيل من قِبَل ذات المجتمعات التي تدعي أنها تخدمها.
لا ينبغي أن يكون التحرير معقداً، من المؤكد أن هذا ممكن في الحرم الجامعي وفي مختلف أنحاء العالم، إذا آمن الناس به بدلاً من الخوف منه، وعلى أقل تقدير، علمتنا معسكرات الطلاب هذا.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)