بقلم إيتاي ماك
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد أصدرت محكمة العدل الدولية أمراً يقضي بأن “تتخذ دولة إسرائيل جميع التدابير في حدود سلطتها لمنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة”، وهو إجراء أيده حتى القاضي الذي بعثته إسرائيل، أهارون باراك!
أما داخل إسرائيل، فقد ترك القرار صدى جدل واسع خاصة مع استشهاد المحكمة بتصريحات مسؤولين إسرائيليين تحمل في طياتها النية لارتكاب إبادة جماعية، على رأسها انتقادات للمدعية العامة، غالي باهاراف ميارا، بسبب صمتها.
“أريد رؤية حوارة مغلقة ومحترقة” – زفيكا فوغل- عضو الكنيست
الحقيقة أنها ليست المرة الاولى التي تصمت فيها ميارا، فقد سبق أن صمتت عندما أشعل 400 مستوطن النار في قرية حوارة في الضفة الغربية في 26 فبراير 2023.
لقد قام عدد كبير من السياسيين الإسرائيليين بتشجيع الحريق آنذاك، فيما طالب عدد آخر النائب العام بفتح تحقيق جنائي، ولكن تم تجاهل الطلب وتلقينا رداً مقتضباً من الشرطة.
تحريض على العنف
من بين المسؤولين الذين قاموا بالتحريض على العنف في السنة الأخيرة، نائب رئيس مجلس المستوطنين الإقليمي، ديفيد بن تسيون، الذي كتب على موقع اكس: “يجب محو قرية حوارة اليوم، ليس هناك مجال للرحمة”، وهو المعنى الذي كرره وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بعد أيام بقوله: “أعتقد أن قرية حوارة يجب أن تمحى”.
أما السياسية اليمينية وعضو الكنيست، ليمور سون هارملك، فسارعت بالذهاب إلى حوارة معلنة أن ذلك بهدف “دعم مئات من سكان السامرة الذين خرجوا للاحتجاج “، فيما قالت دانييلا فايس، التي ترأس حركة استيطان ناشالا، في مقابلة مع هيئة الإذاعة العامة: “هل يجب أن أناشد الناس مغادرة حوارة؟ يجب أن أدعوهم إلى التوقف؟ أوقفوا ماذا؟ نحن نحمي حياة اليهود”.
إضافة إلى ذلك، فقد شجع عضو الكنيست، زفيكا فوغل، أيضًا على العنف في مقابلة مع محطة راديو “أمواج إسرائيل” قائلاً: “أريد رؤية حوارة مغلقة ومحترقة”.
لقد تسبب هذا التحريض السافر على العنف ضد ما يقرب من 7000 فلسطيني يعيشون هناك، في استمرار المذبحة لعدة ساعات، بل وتحول الأمر إلى سلسلة من المذابح في قرى الضفة الغربية عوريف واللبان الشرقية وترمسعيا.
ورغم التواطؤ الواضح لسياسيين إسرائيليين، إلا أن المدعي العام لم تفتح سوى تحقيق جنائي ضد فوغل، الذي لم توجه إليه اتهامات بعد مرور ما يقرب من عام.
الإفلات من العقاب
بموجب القانون في إسرائيل، يتم منح النائب العام السلطة الحصرية لبدء إجراءات جنائية ضد الأفراد، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الحساسية تجاه حرية التعبير وحقيقة أن المشتبه بهم قد يكونون سياسيين منتخبين، فقد تمت إدانة وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، بجرائم إرهابية من قبل، كما أن بعض من حرض على الهجوم على حوارة هم أعضاء في البرلمان الإسرائيلي من حزبه “عوتسما يهوديت” وآخرون على صلة به.
في ظل غياب أي مساءلة في قضية حوارة، فليس من المستغرب أن يستغل المسؤولون والسياسيون الإسرائيليون هجوم حماس من أجل التحريض على المدنيين في غزة
لم يقتصر الأمر على عدم قيام النائب العام بفتح تحقيق جنائي جدي ولكنها رفضت التحدث عن الأمر تمامًا، ولم تصدر تحذيرًا إلا في 9 يناير، قبيل جلسة الاستماع التي عقدتها محكمة العدل الدولية.
أما على الجانب الآخر، فقد أوضحت مؤسسة “ياد فاشيم”، المسؤولة عن النصب التذكاري لضحايا المحرقة، أن “أي تعبير عن العنف، الجسدي أو اللفظي غير مقبول، خاصة عندما يتم توجيهه بطريقة عشوائية كما حدث في حوارة”.
من التحريض إلى الممارسة
في ظل غياب أي مساءلة في قضية حوارة، فليس من المستغرب أن يستغل المسؤولون والسياسيون الإسرائيليون هجوم حماس من أجل التحريض على المدنيين في غزة، فالأمر لم يقتصر على عدم قيام النائب العام بفتح تحقيق جنائي جدي، بل إنها لم تتحدث في الأمر على الإطلاق.
من الأمثلة على ذلك، كيف تم التعامل مع عضو الكنيست نسيم فاتوري، والذي لا يعرف معظم الإسرائيليين عن فساده في كواليس البرلمان منذ انتخابه لأول مرة في ديسمبر 2020.
وفي نوفمبر 2023، احتل فاتوري عناوين الأخبار في إسرائيل بعد أن دعا إلى حرق غزة بأكملها في مقابلات ومنشورات على X، وبدون خوف من الملاحقة الجنائية، قال فاتوري في مقابلة مع قناة راديو كول باراما أنه يجب حرق غزة.
فما هو سبب تقاعس النائب العام؟ في 26 مارس، بعد شهر واحد من مذبحة حوارة، وفي إطار رد بهاراف ميارا على الالتماسات المقدمة إلى المحكمة العليا الإسرائيلية لإبطال تعيين بن غفير كوزير للأمن القومي بسبب تصريحاته العنصرية، حيث أعربت عن اعتقادها بعدم وجود أي مخالفة قانونية في تعيينه، وأنه يتعين على المحكمة رفض الالتماسات.
إن من يدعو إلى العنف والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين صراحة هم كبار أعضاء حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ولذلك فإن أي إجراءات جنائية يتم اتخاذها ضدهم سوف ينظر إليها عبر الطيف السياسي في إسرائيل على أنها محاولة للإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطياً، ولذلك يبدو أن النائبة العامة فضلت السياسة على القيام بدورها المهني!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)