كيف نجحت قطر في وساطتها في صفقة الهدنة بين غزة وإسرائيل؟

بقلم أندرياس كريغ

ترجمة وتحرير مريم الحمد 

في الأعراف السياسية، يعتبر اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح الرهائن مقابل المساعدات الإنسانية والإفراج عن السجناء الفلسطينيين، انتصاراً للدبلوماسية بعد أكثر من 6 أسابيع من الحرب، بالإضافة إلى كونه انتصاراً للقوة الناعمة التي تمثلها وساطة قطر.

لعبت الدولة الخليجية الصغيرة دوراً كبيراً للخروج من أزمة الرهائن في غزة، الأمر الذي أتاح في المقابل دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، مع تجنب تصعيد إقليمي أكبر، في الوقت الحالي على الأقل.

اعتمدت الوساطة القطرية على الاعتماد المتبادل، وبذلك جعلت من نفسها شريكًا لا غنى عنه لكلا الطرفين، يربط بين الجهات الفاعلة وشركاء التفاوض.

لقد زاد دور الوساطة هذا من ترسيخ مكانة قطر كمركز جيوسياسي للوساطة والحوار، وهو ما يشكل عنصراً أساسياً في نهجها خاصة في العقد الأخير، حتى أنه يمكن القول مجازاً أنه أصبح بمثابة الحمض النووي للإمارة، خاصة بعد أن تم تكريس الالتزام بالوساطة في المادة 7 من دستورها لعام 2003.

في فلسطين، وغزة على وجه الخصوص، تتمتع الدوحة باحتكار البيئة الدبلوماسية كأقوى لاعب فيها منذ منتصف العقد الأول من القرن 21، من خلال التوسط في صفقة بين الفصائل الفلسطينية، حماس وفتح، لكنها لم تنجح.

الدوحة كانت وسيطاً موثوقاً به بين إسرائيل وحماس منذ حرب غزة 2008-2009، فكل اتفاقات وقف إطلاق النار على مدى الأعوام الماضية لم تكن ممكنة لولا ثقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وحماس في قطر

الحقيقة أن دور الوساطة بحد ذاته، زاد من علاقات قطر الدبلوماسية والسياسية مع مرور الأيام ، الأمر الذي استخدمته خلال حروب غزة المتعاقبة.

في عام 2012، ضغطت إدارة أوباما على الدوحة لمنح حماس مكتبًا سياسيًا في البلاد بعد مغادرة قادتها سوريا، أضف إلى ذلك، استضافة طالبان بناء على طلب الولايات المتحدة، مما يعني أن قطر لا غنى عنها.

قنوات اتصال موثوقة

علاوة على ذلك، فقد كانت علاقة قطر مع إيران، والمبنية على البراغماتية وليس الثقة المتبادلة، مفيدة للإدارات الأمريكية المتعاقبة حيث كانت تحاول فتح باب الحوار مع القيادة الإيرانية من خلال قنوات موثوقة مثل قطر، وكان أحدث الأمثلة على ذلك ما حدث في سبتمبر الماضي، حيث توسطت قطر في صفقة رهائن بين إيران والولايات المتحدة.

وبالنظر إلى مكانة قطر كوسيط موثوق، لم يكن من المستغرب أن تتطلع الولايات المتحدة بسرعة إلى الدوحة لتنقذ الوضع بعد 7 أكتوبر في غزة، خاصة وأن الدوحة كانت وسيطاً موثوقاً به بين إسرائيل وحماس منذ حرب غزة 2008-2009، فكل اتفاقات وقف إطلاق النار على مدى الأعوام الماضية لم تكن ممكنة لولا ثقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وحماس في قطر.

من جانب آخر، فقد ساهمت الوساطة القطرية بين الولايات المتحدة وطالبان، والتي أدت إلى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتسهيل خروج قوات الناتو عام 2021، في التخلص من معظم ذكريات نشاطها خلال الربيع العربي، لو كان هناك ما يشوب الثقة بها قبل ذلك بسبب مواقفها إبان الربيع.

تعتبر الصفقة نصراً مؤقتاً، على أمل أن تكون سبباً لوضع أسس لإطار دبلوماسي يقوض النهج العسكري الذي تفضله إسرائيل حتى الآن!

ساهمت علاقتها المستقرة مع لإيران أيضاً في زيادة حظوظها بالنسبة للولايات المتحدة، فقد أصبحت قطر حليفها الأكثر أهمية وموثوقية في الخليج، في وقت يتقرب فيه جيرانها من روسيا والصين.

وعلى الرغم من وضوح موقف قطر تجاه فلسطين، وهو عدم التطبيع مع إسرائيل ما لم تلتزم بحل الدولتين، فقد قدمت الدوحة نفسها كوسيط واقعي عقلاني، يظهر في استيعابها وامتصاصها للموقف الغربي تجاه ما يحدث في غزة رغم أنه معارض لموقفها بشكل كامل.

موقف واحد متجانس

لقد كان تعاطف قطر مع ضحايا هجوم 7 أكتوبر سبباً حاسماً في في تقبل الإسرائيليين لها كوسيط، خاصة بعد أن التقى سفيرا قطر لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أقارب الرهائن.

في ظل الصراع بين حماس وإسرائيل، تمكنت قطر من الحفاظ على موقف واحد متجانس، والسبب في ذلك هو أنها لم تشتت انتباهها السياسة الداخلية، فقد تمت الوساطة في مساحة محددة، يتم اتخاذ القرارات فيها ضمن دائرة محدودة على المستوى الاستراتيجي.

لقد كان وسطاء قطر صبورين للغاية، رغم تغير الطلبات والمطالبات من قبل كل من حماس وإسرائيل مرات عدة، وأهمها رفض الحكومة الإسرائيلية الحلول الدبلوماسية مبكراً، ومع ذلك، فيبدو أن الوقت كان في صالح قطر، بسبب تصاعد الغضب الشعبي في إسرائيل ضد السياسات الفاشلة وافتقار حكومة نتنياهو إلى الإستراتيجية.

في المحصلة، أظهرت قطر درجة كبيرة من الحرفية تفتقر إليها معظم الجهات الفاعلة الأخرى ذات المصالح الخاصة في الصراع، وبذلك تعتبر الصفقة نصراً مؤقتاً، على أمل أن تكون سبباً لوضع أسس لإطار دبلوماسي يقوض النهج العسكري الذي تفضله إسرائيل حتى الآن!

الآن على قطر إثبات قدرتها على ترتيب الخطوة التالية، ومحاولة توسيع الصفقة، فإذا ما نجحت، فإن ذلك سيكون بمثابة انقلاب جيوسياسي لصالح قطر الصغيرة التي تكون قد تمكنت من حشد الحكومات الغربية والشركاء العرب لبناء اتفاق طويل الأجل يمكن أن يشكل في نهاية المطاف الأساس لحل الدولتين.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة