كارولين سيكيوا وآسيا المشرقي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
يواجه اليمن حالياً واحدة من أسوأ اللحظات الإنسانية في التاريخ الحديث، فقد تسبب إلغاء أكثر من 80% من برامج المساعدات الخارجية الأمريكية، إلى جانب التخفيضات التي قام بها مانحون إنسانيون آخرون، إلى وقوع آثار مدمرة.
لقد تم إيقاف البرامج المنقذة للحياة، مما جعل المجتمع أكثر عرضة للكوليرا في ظل غياب مياه نظيفة وغياب الرعاية الصحية لملايين الأشخاص، حيث تم تمويل أقل من 10% من مبلغ 2.5 مليار دولار المطلوب هذا العام للاستجابة الإنسانية في اليمن.
وتكمن وراء هذه الإحصائيات أزمة خفية، فهناك 6.2 مليون امرأة وفتاة في اليمن معرضات لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، ولكن بسبب قيود التمويل، تهدف خطة الاستجابة الإنسانية المنقحة للأمم المتحدة لعام 2025 إلى الوصول إلى حوالي 1% فقط من المحتاجين.
من جانبها، أفادت المنظمات المحلية بأنها اضطرت إلى إغلاق الأماكن الآمنة ووقف الرعاية النفسية والاجتماعية وتعليق المساعدة القانونية، وهذه ليست مجرد تخفيضات في الخدمة، بل تعد أشبه بتفكيك شبكة حماية حيوية تم بناؤها على مر السنين لصالح المرأة اليمنية وبواسطتها.
نحن بحاجة إلى محادثة أوسع حول هذا الموضوع بين مجموعة أوسع من الجهات المعنية، بما في ذلك الجهات المانحة والمنظمات الدولية غير الحكومية، لإعادة تركيز القيادة والخبرة والحلول التي تقدمها المجموعات اليمنية التي تقودها النساء وجماعات حقوق المرأة.
في أواخر العام الماضي، بدأت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) بدراسة لفهم التحديات والعوائق التي تواجه هذه المجموعات النسائية في اليمن، بهدف ابتكار طرق لبناء نظام أكثر إنصافاً للتمويل والشراكات، ولم تؤدِ تخفيضات التمويل هذا العام إلا إلى زيادة الشعور بالحاجة الملحة للتعاون بين المنظمات سعياً وراء الحلول.
نحو خطر الهاوية
خلال لقاء مع مجموعة واسعة من المنظمات النسائية اليمنية كان هناك تحذير واضح بأنه يتم دفع هذه المجموعات إلى حافة الهاوية، حيث تقطعت السبل بالكثيرين بعد الاستثمار في المشاريع التي أنهتها الجهات المانحة فجأة.
خلال اللقاء، أخبرتنا أماني، ممثلة منظمة غير حكومية محلية تم تغيير اسمها لحماية خصوصيتها، بأن النساء “يسافرن لساعات للوصول إلى مكان آمن للعثور فقط على مبنى مهجور بسبب نفاد التمويل”.
هناك حاجة إلى الاستثمار في القدرات المحلية، ويجب أن يعكس الدعم الأولويات التي حددتها المجموعات النسائية المحلية ذاتياً بدلاً من المقاييس الخارجية، كما يجب توفير الموارد للمجموعات الوطنية الأكبر حجماً لتوجيه ورفع مستوى المنظمات الناشئة
إن عمليات الإغلاق هذه تؤكد على وجود سنوات من التقدم الذي تم إحرازه في إطار جهود الإصلاح الإنساني العالمية مثل الصفقة الكبرى والتعهد من أجل التغيير، حيث دعا كلاهما إلى أن تكون المساعدات بقيادة محلية منصة، ومع ذلك، فإن العديد من المنظمات التي سعت هذه المبادرات إلى الارتقاء بها تواجه الآن خطر الانهيار.
تقوم المجموعات النسائية في اليمن بأكثر من مجرد تقديم المساعدات الطارئة، فهن يقدمن دعماً شاملاً وطويل الأمد، بدءاً من الملاجئ واستشارات الصدمات إلى الخدمات القانونية وبناء المهارات، لمساعدة النساء على البقاء والتعافي.
لقد أصبحت تلك المجموعات النسائية متأصلة في المجتمعات، حيث تكافح الجهات الفاعلة الدولية في كثير من الأحيان من أجل العمل، فقدرتهم على التعامل مع المعايير المحلية وكسب الثقة تسمح لهم بتقديم خدمات حساسة ثقافياً خاصة إذا كانت تتمحور حول الناجين، كما أنها تعد محركات تغيير مجتمعية على المدى الطويل من خلال العمل مع قادة المجتمع وصياغة الأعراف الاجتماعية للحديث حول العنف القائم على النوع الاجتماعي.
ورغم انتشارها وفعاليتها، إلا أنها لا تزال تعاني من نقص التمويل ويتم استبعادها في كثير من الأحيان من مجالات صنع القرار، حيث وجدت الأبحاث التي أجرتها لجنة الإنقاذ الدولية بأن هذه المجموعات يتم التعامل معها في كثير من الأحيان كجهات مقاولة وليس كشركاء ومن المتوقع منهم تنفيذ المشاريع فقط دون المساهمة في تشكيلها من الأساس.
في اللحظة الراهنة
هذه ليست مجرد مشكلة تمويل، بل هو خلل في توازن القوى، فالمنظمات النسائية في اليمن هي الأقرب إلى الأزمة، لكنها أبعد عن الموارد اللازمة لمعالجتها، وإلى أن يتغير ذلك، فسوف تستمر الاستجابة الإنسانية في خذلان من هم في أمس الحاجة إليها.
إن الحلول موجودة إذا اخترنا أن نتحرك، أولاً، يجب أن يتغير ميزان القوى كما يجب على الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية الدولية دمج المنظمات النسائية المحلية في هياكل التنسيق وصنع القرار، فالتوطين لا يتعلق بالأرقام بل بمن يقود ومن يقرر.
ثانياً، فإن أنظمة التمويل بحاجة إلى الإصلاح، حيث يجب أن تكون الدعوات لتقديم المقترحات شفافة وشاملة ومتاحة للمجموعات الشعبية، ويجب أن تأخذ الميزانيات بعين الاعتبار الاحتياجات الأساسية مثل الإيجار والأمن ورواتب الموظفين – وليس فقط تكاليف المشروع المباشرة.
ثالثاً، هناك حاجة إلى الاستثمار في القدرات المحلية، ويجب أن يعكس الدعم الأولويات التي حددتها المجموعات النسائية المحلية ذاتياً بدلاً من المقاييس الخارجية، كما يجب توفير الموارد للمجموعات الوطنية الأكبر حجماً لتوجيه ورفع مستوى المنظمات الناشئة.
رابعاً، ينبغي بذل جهود متضافرة لتعزيز التعاون بين الأقران، بما في ذلك إنشاء منصات فعالة من حيث التكلفة لتبادل المعرفة والابتكار والتضامن، مما يساعد في الحفاظ على التجمعات التي تقودها النساء مع تقليص حجم المنظمات غير الحكومية الدولية.
وأخيراً، يجب تعزيز جهود الدعوة نحو التعامل مع المنظمات النسائية والاعتراف بها ليس فقط كمقدمة للخدمات بل أيضاً كجهة قيادية تشكل وجهات نظرهم السياسات والبرامج والإصلاحات.
في لحظات الأزمات، غالباً ما تكون الجهود موجهة بالدرجة الاولى نحو حماية الخدمات الأساسية، لكن الاستجابة للعنف القائم على النوع الاجتماعي ليست اختيارية، فهو أمر ضروري لأكثر من 6 ملايين امرأة وفتاة في اليمن، وقد قامت المجموعات النسائية بملء فجوات حرجة رغم قلة الموارد في فترات سابقة، فتخيل حجم تأثيرهم إذا ما تم تمكينهم كشركاء استراتيجيين وصناع قرار!
ليس هذا مجرد تحدٍ تمويلي بل اختبار لمدى جدية النظام الإنساني في التضامن والمساواة والتغيير على المدى الطويل، ويجب علينا أن ننهض لمواجهة هذه اللحظة بالالتزام والتعاون والشجاعة.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)