كيف يتم استخدام الهولوكوست كسلاح لقمع الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية في غزة؟

بقلم مارك إتكيند

ترجمة وتحرير مريم الحمد

يغتنم الساسة الإسرائيليون والأمريكيون الفرصة كل عام في ذكرى الهولوكوست للإشارة إلى أن تدميرهم لغزة يهدف بطريقة أو بأخرى إلى حماية اليهود من محرقة أخرى، وأن أي شخص يحتج على هذا التدمير هو في الواقع مدفوع بمعاداة السامية.

لقد كان هذا ما حدث في العام الماضي، عندما أطلق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق جو بايدن تلك الادعاءات، ولكن رد عليهم آنذاك 10 ناجين من الهولوكوست برسالة جاء فيها: “إن استخدام ذكرى الهولوكوست بهذه الطريقة لتبرير الإبادة الجماعية في غزة أو القمع في حرم الجامعات هو إهانة كاملة للذكرى نفسها”.

لم يكن نتنياهو وبايدن فقط هم من أساءوا استخدام الهولوكوست، فقد كان لرئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إشارة واضحة أيضاً إلى الحركة المؤيدة لفلسطين عندما تحدث عن معاداة السامية في حرم الجامعات و”الكراهية التي تسير في شوارعنا”، وذلك في خطاب ألقاه في الصندوق التعليمي للهولوكوست في سبتمبر عام 2024.

“بدلاً من معالجة التهديد المتمثل في العنف المعادي للسامية، يبدو أن سياسة شرطة العاصمة تتمثل في أن اليهود اللندنيين الملتزمين بالقانون لا ينبغي لهم أن يتواجدوا في أجزاء لندن التي تجري فيها هذه المسيرات وكأنها مناطق محظورة على اليهود”! جدعون فالتر- رئيس الحملة  ضد معاداة السامية في بريطانيا

إن سوء استخدام الهولوكوست ومعاداة السامية لتشويه سمعة معارضي الإبادة الجماعية في غزة قد مهد الطريق الآن أمام الحكومة البريطانية لإعلان قانون جديد يحظر الاحتجاجات قرب أماكن العبادة خاصة اليهودية، حيث بررت وزيرة الداخلية إيفيت كوبر ذلك بأن العديد من المعابد اليهودية في لندن قد “تعرضت للتعطيل” بسبب الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في “مناسبات كثيرة” على حد زعمها.

ما لم تذكره الوزيرة هو أنه لم يتم الإبلاغ عن حادثة واحدة تتعلق بأي تهديد لكنيس يهودي مرتبط بأي مظاهرة مؤيدة لفلسطين، وهنا يمكن التحدث من منظور تجربة شخصية، فقد حملت إلى جانب الكثيرين لافتات تسلط الضوء على التراث اليهودي الذي يمثلني كيهودي في العديد من المظاهرات المؤيدة لفلسطين.

لقد حملت لافتة كتب عليها “أنا ابن أحد الناجين من الهولوكوست وأقول أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة”، ومعي العديد من أحفاد الناجين من الهولوكوست في مظاهرة مؤيدة لفلسطين يتم الترحيب بنا فيها بشكل كبير.

ما من خلاف بأن المعابد يجب أن تكون في مأمن من أي تهديدات، ولكن حقيقة أن بعض الحاضرين في الكنيس لديهم خلافات سياسية قوية مع معارضي الإبادة الجماعية في غزة لا تعني أنه ينبغي قمع حق أي شخص في الاحتجاج.

انتصار للمؤيدين لإسرائيل!

من المؤسف، كما هي الحال في الولايات المتحدة وألمانيا، أن أولوية الحكومة البريطانية لا تتمثل في الدفاع عن حقوق مواطنيها، بل الأهم دعمها لحروب تبدو بلا نهاية في الشرق الأوسط، فحقيقة قيام الشرطة مؤخراً باستجواب الناجي من الهولوكوست ستيفن كابوس حول مشاركته في مظاهرة مؤيدة لفلسطين في 18 يناير الماضي، هو مجرد مؤشر واحد على هذا الاتجاه المثير للقلق نحو المزيد من الحرب والقمع.

كان منظمو احتجاج 18 يناير عازمون في الأصل على القيام بمسيرة من مقر هيئة الإذاعة البريطانية إلى منطقة وايت هول، ولكن تم حظر المسيرة بحجة أنها تشكل تهديدا لكنيس محلي، وهو مبنى لم يكن حتى على طريق المسيرة، حيث زعمت صحيفة “جويش كرونيكل” بأن حاخام هذا الكنيس قال بأنه سمع هتافات “الإبادة الجماعية لليهود” في احتجاج سابق، ولكن تبين لاحقاً بأن الحاخام كان يقصد هتاف ” من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرة”.

بمعنى آخر، يبدو أن الشرطة اتخذت خطوة غير مسبوقة بحظر مظاهرة كبرى بناءً على تفسير خاطئ لشعار واحد، وقد كان هذا بمثابة انتصار واضح للمؤيدين لإسرائيل، والذين كانوا يحاولون وقف احتجاجاتنا لبعض الوقت، فقبل عام من الآن، كان رئيس الحملة  ضد معاداة السامية في بريطانيا، جدعون فالتر قد صرح بالقول: “بدلاً من معالجة التهديد المتمثل في العنف المعادي للسامية، يبدو أن سياسة شرطة العاصمة تتمثل في أن اليهود اللندنيين الملتزمين بالقانون لا ينبغي لهم أن يتواجدوا في أجزاء لندن التي تجري فيها هذه المسيرات وكأنها مناطق محظورة على اليهود”!

حظيت تصريحات فالتر آنذاك بتغطية إعلامية واسعة، خاصة بعد أن منعته شرطة العاصمة من السير نحو مسيرة مؤيدة لفلسطين في إبريل عام 2024، حين زعم أحد ضباط الشرطة آنذاك بأن مظهر فالتر “اليهودي” يمكن أن يثير استعداء المتظاهرين، وبأنه رأى فالتر “يترك الرصيف عمداً ويسير ضد المسيرة”، وأن مجموعتنا من أحفاد الناجين من الهولوكوست كانوا يقفون في الواقع على بعد أمتار قليلة من فالتر، وكل هذا يتعارض مع ادعاءاته بأن فالتر كان يحاول فقط “عبور الطريق” وأن المنطقة كانت منطقة محظورة على اليهود!

إن إساءة استخدام التاريخ هو بالضبط ما يفعله السياسيون بالعادة، ولكن الشيء الوحيد الصادم حقاً هو موقف وتعليقات العديد من الصحفيين والمعلقين السياسيين، ولكن ليس لنا إلا الاحتجاج لعلهم يرون الحقيقة يوماً ما

تلاشت قصة فالتر في النهاية، لكن تبعتها قصة أكثر سخافة على وسائل الإعلام، فخلال مسيرة أخرى مؤيدة لفلسطين في إبريل أيضاً، تمت تغطية النصب التذكاري للهولوكوست في هايد بارك بقماش مشمع وسط مخاوف من إمكانية تخريبه من قبل “غوغاء معاديين للسامية”، متجاهلين حقيقة أنه كان حشداً لمعارضة الإبادة الجماعية، وليس لمهاجمة النصب التذكاري للإبادة الجماعية!

قصص ملفقة

في خطابه في سبتمبر الماضي، قال ستارمر: ” كما ناضلت من أجل إعادة حزبي من هاوية معاداة السامية، فإنني أعدكم بأنني سأفعل الشيء نفسه في قيادة البلاد، لذا، سوف نبني ذلك المركز الوطني التذكاري للهولوكوست وبجوار البرلمان”.

أعتقد أنه سوف يكون لهذا النصب التذكاري الجديد معنىً إذا كان لدينا نصب تذكارية بارزة بنفس القدر لعشرات الملايين من ضحايا الحروب والمجاعات والمذابح التي ارتكبتها الإمبراطورية البريطانية، لكن بالطبع، لا توجد خطط لبناء نصب تذكارية ضخمة بجوار البرلمان لهؤلاء الضحايا.

إن إصرار المؤسسة البريطانية على إبادة جماعية واحدة دون غيرها من الإبادات، دفع ستارمر إلى التصريح في يناير الماضي بأن على كل طالب الاستماع إلى شهادة الناجين من الهولوكوست، في احترام يبدو مقتصراً على الناجين من الهولوكوست دون أن يمتد إلى أولئك الذين ينتقدون إسرائيل.

في عام 2018، وفي حادثة داخل حزب العمال سببت جدلاً وصراخاً كثيراً، لم يكترث الصحفيون والسياسيون بذلك، رغم أن المتحدث الرئيسي في ذلك الحدث كان أحد الناجين من الهولوكوست في أوشفيتز، بل ركزوا اهتمامهم على الكيفية التي سمح بها رئيس الاجتماع، زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين، لهذا الناجي تحديداً بمقارنة سياسات إسرائيل بسياسات النازيين!

لقد كانت هذه الحادثة مجرد مثال على القصص الملفقة حول مشكلة معاداة السامية المفترضة في حزب العمال، وهي “مشكلة” بالغ فيها أعداء كوربين في حزب العمال البرلماني لتشويه سمعة قيادته، ولذلك فليس من المستغرب أنه عند اختلاف كابوس مع ستارمر في اجتماع لمندوبي حزب العمال، بقوله بأنه لم يواجه أي معاداة للسامية في الحزب، اتهمه ستارمر بتقسيم الحزب ولم يتحدثوا مرة أخرى أبداً.

لاحقاً، وفي عام 2023، هدد حزب العمال بتأديب كابوس إذا تحدث في حدث يوم ذكرى الهولوكوست الذي نظمته شبكة العمل الاشتراكية المحظورة، مما دعا كابوس إلى الاستقالة من الحزب.

إن إساءة استخدام معاداة السامية والهولوكوست، فضلاً عن سوء معاملة الناجين من الهولوكوست، أمر صادم حقاً، ولكن لماذا نشعر بالصدمة؟ حتى فلاديمير بوتين استخدم ذكرى الفظائع النازية لتبرير حربه في أوكرانيا!

إن إساءة استخدام التاريخ هو بالضبط ما يفعله السياسيون بالعادة، ولكن الشيء الوحيد الصادم حقاً هو موقف وتعليقات العديد من الصحفيين والمعلقين السياسيين، ولكن ليس لنا إلا الاحتجاج لعلهم يرون الحقيقة يوماً ما.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة