بقلم جوزيف مسعد
تباحث أعداء الشعب الفلسطيني الغربيون حول كيفية إنشاء قيادة فلسطينية جديدة يمكنها تقديم جميع الخدمات التي تقدمها السلطة الفلسطينية لإسرائيل والغرب منذ عام 1993، وتحظى في الوقت نفسه بالشرعية في نظر الشعب الفلسطيني.
ويبدو أن هؤلاء الأعداء الغربيين لا يعزون فقدان شرعية السلطة الفلسطينية بين الفلسطينيين إلى دورها باعتبارها المتعاون الرئيس مع العدو الإسرائيلي، بل يعزونها فقط إلى فسادها وسوء حكمها في الضفة الغربية، وقبل عام 2006 في غزة، وكأنما لا علاقة لفسادها وحكمها الفاشل هذا بدورها كسلطة عميلة ومتعاونة مع إسرائيل وأعداء الشعب الفلسطيني الغربيين.
وقد قامت الولايات المتحدة مؤخرا بتسويق مقترحات سربتها عبر بعض الحكومات العربية وعبر الصحافة الغربية السائدة المناهضة للفلسطينيين، يقترح بعضها ضم حركة حماس، بعد تطهيرها من التزامها بالكفاح المسلح ضد نظام التفوق العرقي اليهودي والاستعمار الاستيطاني، في حين يصر البعض الآخر على ضرورة إصلاح السلطة الفلسطينية، دون أن يكون ثمة مكان فيها لحماس. ويبدو أن أعداء الشعب الفلسطيني في الغرب لا يعرفون، أو على الأقل لا يكترثون، بتاريخ المحاولات الفاشلة العديدة السابقة لتصميم قيادة فلسطينية على مقاس احتياجات إسرائيل الاستعمارية والعنصرية اليهودية. على ضوء ذلك، ربما تكون المراجعة التاريخية لهذه المحاولات ضرورية.
فمنذ بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين في كانون الأول/ ديسمبر 1917، عكف البريطانيون وأتباعهم الصهاينة على تصميم قيادة فلسطينية عميلة تتعاون مع المستعمرين الغزاة، وتحل محل القيادة الوطنية لـ”الجمعيات الإسلامية المسيحية الفلسطينية” القائمة آنذاك ونضالها من أجل الاستقلال.
وفي العشرينيات من القرن الماضي، أنشأ الغزاة المستعمرون هيئات عميلة متعاونة مع الاحتلال، مثل “الجمعية الوطنية الإسلامية” الطائفية والمدعومة من الحركة الصهيونية و”الحزب الزراعي” بقيادة عائلة مقدسية بارزة، والتي تعاونت مع الصهاينة لاغتصاب أراضي الفلاحين الفلسطينيين. وقد تم على الفور وصم الجمعية و”الحزب الزراعي” على أنهم “خونة” من قبل الفلسطينيين ولم يكتسبوا شرعية أبدا.
وفي محاولة لقمع الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، أنشأ الاستعمار في عام 1938 عصابات “فصائل السلام”، التي شرع أعضاؤها الفلسطينيون بقتل الثوار الفلسطينيين بالتعاون مع العصابات الاستعمارية الصهيونية والجيش البريطاني. وقد تم اغتيال العديد من قادة “فصائل السلام” على يد الوطنيين الفلسطينيين، ولم يزل عار الخيانة مرتبطا بأسمائهم لغاية اليوم.
وبعد إنشاء إسرائيل، قام الصهاينة بتجنيد “مخاتير” القرى الفلسطينية للتعاون معها. لم يكتسب المخاتير قط أي شرعية بين السكان الفلسطينيين الأسرى، الذين أخضعتهم إسرائيل لحكم الفصل العنصري العسكري منذ عام 1948 وحتى عام 1966. وفي أعقاب إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964 وبعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة في عام 1967، حاولت إسرائيل مرة أخرى تجنيد المزيد من المتعاونين من خلال إقامة انتخابات بلدية في عامي 1972 و1976، وعبر مشروعها اللاحق “روابط القرى” التي أنشئت عام 1978 من أجل نزع الشرعية عن منظمة التحرير الفلسطينية، لكنها فشلت فشلا ذريعا. فقد تم نزع شرعية رؤساء البلديات المنتخبين في عام 1972 واستبدالهم برؤساء البلديات المؤيدين لمنظمة التحرير الفلسطينية الذين انتخبوا في عام 1976، والذين قامت إسرائيل بإقالتهم لاحقا لأنهم رفضوا تنفيذ أوامرها.
وفي الوقت نفسه، اعترفت حركة عدم الانحياز بمنظمة التحرير الفلسطينية (التي كانت تهيمن عليها فتح، والتي كانت أكبر حركة تحرير فلسطينية حجما وتمويلا في ذلك الوقت) في عام 1973، كما فعلت جامعة الدول العربية والأمم المتحدة في عام 1974 باعتبار المنظمة “الممثل الشرعي والوحيد” للشعب الفلسطيني. أما بالنسبة لـ”روابط القرى” العميلة، فإن أي شخص تعاون معها وُصف بالخائن على الفور، ليس فقط من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن أيضا من قبل الحكومة الأردنية.
وفي أواخر الثمانينيات، وفي خضم الانتفاضة الفلسطينية الأولى، بدأ عزم منظمة التحرير الفلسطينية يضعف، فقبلت صفقة يعترف بموجبها الأعداء الغربيون للشعب الفلسطيني وإسرائيل بشرعيتها؛ بشرط اعتراف المنظمة بحق إسرائيل في الوجود كدولة تكرس فوقية العرق اليهودي.
وبعد عدة تعثرات، بداية من عام 1988 في الجزائر، تم إبرام الصفقة في عام 1993 من خلال اتفاقيات أوسلو. وقد سُمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بموجب الاتفاقية بإقامة السلطة الفلسطينية كمقاول من الباطن للاحتلال الصهيوني. وعلى هذا النحو، فقدت السلطة الفلسطينية كل شرعيتها بعد وقت قصير من توليها السلطة، باستثناء بعض النخب الفلسطينية التي دعمتها لفترة من الوقت، لكن حتى تلك النخب لم تعد قادرة على الحفاظ على تأييدها لها كما فعلت في السابق.
وقد شُق الطريق إلى خيانة منظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح بعد أشهر قليلة من بروز حركة حماس على الساحة الفلسطينية في كانون الأول/ ديسمبر 1987، عندما قبلت منظمة التحرير الفلسطينية رسميا بحل الدولتين في تشرين الثاني/ نوفمبر 1988 في الجزائر العاصمة.
وبعد بروز الجناحين السياسي والعسكري داخل حركة حماس، غدت الديناميكية المستمرة لفهم الحركة لطبيعة إسرائيل واحتلالها السمة المميزة لها. وعلى النقيض من منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح اللتين قررتا التعاون مع الاحتلال، فقد اختارت حركة حماس، جنبا إلى جنب مع حركة الجهاد الإسلامي التي تشكلت في عام 1981 (ويظل هذان الفصيلان الفلسطينيان الرئيسان خارج منظمة التحرير الفلسطينية)، مواصلة المقاومة.
وبعد إعادة انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي حول غزة في عام 2005، بذل الغرب عدة محاولات عبر الأنظمة العربية لضم حماس إلى الحظيرة، وتحويلها على شاكلة منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال حثها على التخلي عن النضال الوطني من أجل التحرير والاستقلال، والانضمام إلى “عملية السلام” التي ابتكرتها الولايات المتحدة، والتي ضمت أهدافها دائما ترسيخ التفوق العرقي اليهودي الإسرائيلي والاستعمار الاستيطاني، وهزيمة النضال الفلسطيني من أجل التحرير.
وقد جرت محادثات بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية في القاهرة في ذلك العام، وبدأت القيادة السياسية لحركة حماس بالتردد في معارضتها لاتفاقيات أوسلو. وقد قررت أخيرا حماس المشاركة في انتخابات عام 2006 لقيادة السلطة الفلسطينية التي كانت تعمل تحت نير الاحتلال الإسرائيلي.
وحققت حماس انتصارا ساحقا في الانتخابات، الأمر الذي أدى إلى التعجيل بانقلاب أمريكي وإسرائيلي وفتحاوي ضدها في عام 2007. وقد نجح الانقلاب في الضفة الغربية، حيث أعيدت “فتح” للتحكم بكل مفاصل السلطة الفلسطينية، ولكنه فشل في غزة حيث استمرت حماس المنتخبة في الحكم.
ومنذ عام 2007، شنت إسرائيل حملات قصف متعددة لتدمير حماس، أو على الأقل لحمل حماس على التخلي عن المقاومة المسلحة والانضمام مرة أخرى إلى السلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها فتح، والتي أطاحت بحماس بعد فوزها في الانتخابات الأخيرة. وقد تردد الجناح السياسي لحركة حماس مرة أخرى، لكنه في النهاية شارك في محادثات جديدة عقدت في القاهرة قبل ثلاث سنوات، في شباط/ فبراير 2021، ووافق على إجراء انتخابات جديدة للسلطة الفلسطينية، والتي كانت السلطة الفلسطينية قد رفضت إجراءها منذ عام 2006 خوفا من فوز حماس مرة أخرى.
وعلى الرغم من المرونة والتنازلات التي قدمها الجناح السياسي لحركة حماس، إلا أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تراجع عن الاتفاق ولم يعقد انتخابات جديدة قط. وفي الوقت نفسه، واصلت السلطة الفلسطينية التعاون (أو ما تسميه “التنسيق الأمني”) مع إسرائيل والإبلاغ عن جميع الفلسطينيين الذين يقاومون الاحتلال والمشاركة في قمعهم.
وتم انتخاب الزعيم الحالي لحركة حماس، يحيى السنوار، في شهر آذار/ مارس 2021 لولاية ثانية، أي بعد شهر من انتهاء محادثات القاهرة. والسنوار، بخلاف القيادات السياسية الأخرى لحماس، قريب من الجناح العسكري لحركة حماس، حيث إنه كان أحد مؤسسيه. وحتى شهر أيار/ مايو 2021، كان السنوار قد أعرب عن انفتاح حركة حماس على إجراء محادثات مع السلطة الفلسطينية من أجل “ترتيب البيت الفلسطيني”، لكنه رفض التخلي عن الكفاح المسلح، حيث سعى اقتراحه إلى الجمع بين “المقاومة المسلحة، وشرعية مؤسسات السلطة [الفلسطينية]، والجهود السلمية على طريق التحرير والعودة”. لكن السلطة الفلسطينية ورعاتها الغربيون استمروا في المماطلة.
وفي خضم حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل حاليا على غزة والانهيار الكامل لسمعة السلطة الفلسطينية باعتبارها كيانا عميلا، بدأ الأعداء الغربيون للشعب الفلسطيني، الذين يقومون بتمويل وتسليح إسرائيل ويدافعون عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها، في التخطيط لتشكيل قيادة فلسطينية عميلة جديدة.
وبما أن السلطة الفلسطينية قد قامت بدورها التعاوني كعميل على أكمل وجه وهو ما أفقدها شرعيتها، فإن الأمريكيين يسعون إلى تصميم هيئة فلسطينية جديدة متعاونة وعميلة من أجل الاستمرار في الخوض في “عملية السلام” التي لا نهاية لها.
فبعد عدة أسابيع من بدء الحرب على غزة، بدأت صحيفة نيويورك تايمز في نشر تقارير في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بأن “الحل الوحيد، كما يقول العديد من الفلسطينيين، هو إيجاد طريقة لضم حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، وكلتاهما يديرهما السيد عباس وفتح”. وأكدت الصحيفة أنه “بإمكان منظمة تحرير فلسطينية أكثر تمثيلا للشعب الفلسطيني إجراء انتخابات جديدة لسلطة فلسطينية أكثر تمثيلا، تتمتع بمصداقية أكبر بكثير في كل من غزة والضفة الغربية، بحسب هذا التفكير. لكن الأمر سيتطلب أيضا موافقة حركة حماس التي تم إضعافها؛ على قبول وجود إسرائيل والالتزام بالتفاوض على إقامة دولة فلسطينية إلى جانبها”.
لكن يبدو أن هذا التفكير، الذي تعبر عنه النيويورك تايمز، أقرب إلى التفكير الأمريكي منه إلى تفكير الفلسطينيين.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أعلنت المجلة الأمريكية “فورين أفيرز” أن “الفلسطينيين سيحتاجون إلى إحياء ليس فقط مؤسسات الحكم والأمن، بل أيضا، وبشكل أكثر جوهرية، السياسة”؛ نتيجة “الافتقار إلى قيادة سياسية فعالة بسبب تعفن المؤسسات السياسية الفلسطينية، لا سيما السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية”. وأضافت المجلة أن “أي مناقشة حول اليوم التالي [بعد انتهاء الحرب] يجب أن تقوم على تشجيع ظهور قيادة سياسية فلسطينية موحدة ومتماسكة.
وسوف يكون لزاما على الزعماء الفلسطينيين أن ينحّوا جانبا التزاماتهم الفصائلية، كما يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة أن تتخلى عن الفكرة غير الواقعية على الإطلاق بأن حماس حركة يمكن استبعادها إلى الأبد من السياسة الفلسطينية”.
وتتضمن المقترحات المطروحة في دوائر الحكم الأمريكية اقتراحا “يمكن لعباس من خلاله تعيين نائب له، وتسليم صلاحيات تنفيذية أوسع لرئيس وزرائه، وإدخال شخصيات جديدة في قيادة المنظمة”. وقد أصرت الولايات المتحدة، القوة العالمية الأكثر عدائية لأي حكم ديمقراطي في أي مكان في العالم، من خلال وزارة الخارجية على أن “اختيار القيادة هي مسألة متروكة للشعب الفلسطيني”، لكنها لم تقم بتوضيح الخطوات اللازمة “لإعادة إحياء السلطة الفلسطينية”.
ومع ذلك، وبينما كشفت استطلاعات الرأي عن تزايد شعبية حماس وتراجع شعبية عباس وسلطته الفلسطينية، الأمر الذي سيؤدي إلى فوز آخر لحماس في الانتخابات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن الولايات المتحدة “تعتقد أنه سيكون من السابق لأوانه إرسال الفلسطينيين إلى صناديق الاقتراع بعد وقت قصير من انتهاء الحرب.
ولم ينس المسؤولون الأمريكيون فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، والتي شجعتها واشنطن وحكومات غربية أخرى”. لذا، فبينما تصر وزارة الخارجية الأمريكية على أن الشعب الفلسطيني هو من يجب أن يختار قادته، فإنها تؤكد أنه “عندما تجرى انتخابات، ينبغي استبعاد حماس”.
وتزامنت مثل هذه المقترحات مع الخطة المصرية الجديدة التي أُعلن عنها في كانون الأول/ ديسمبر 2023، والتي تدعو إلى “تشكيل هيئة حكم جديدة من الفلسطينيين للإشراف على الضفة الغربية وقطاع غزة اللذين تحتلهما إسرائيل، من شأنها أن توجه عملية إعادة إعمار غزة بعد الحرب وتتيح إجراء انتخابات مستقبلية محتملة لإنشاء حكومة وحدة وطنية”.
لكن نتيجة المعارضة الإسرائيلية والأمريكية، فقد “تم إسقاط هذا الجزء من النسخة الأخيرة من الاقتراح المكون من صفحتين، ولكن من المتوقع أن تتم مناقشة القيادة الفلسطينية المستقبلية في محادثات مع مصر، ومن المتوقع أن تكون جزءا حاسما من أي اتفاق يتم اعتماده”.
وقد رحبت السلطة الفلسطينية بالخطة المصرية، وشدد رئيس وزرائها محمد اشتية على أن أي اقتراح للقيادة المستقبلية في الضفة الغربية وقطاع غزة يجب ألا يلتف على منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها دوليا”.
إن محاولة السلطة الفلسطينية إعادة بعث منظمة التحرير الفلسطينية المحتضرة هو أمر جدير بالملاحظة؛ نظرا لأن السلطة الفلسطينية نفسها هي التي قوضت المنظمة، كجزء من استراتيجية أوسلو، وأفلستها ماليا منذ عام 1994.
وفي الواقع، لقد أفادت التقارير مؤخرا من أن الرسائل غير الرسمية التي أرسلها محمود عباس إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي مؤخرا أبلغتهما بأن المنظمتين لن يمكنهما الحصول على أكثر من مقعد واحد لكل منهما لتمثيلهما في منظمة التحرير الفلسطينية. ومما يزيد من أهمية هذا الأمر أن توماس فريدمان، الكاتب الصهيوني في صحيفة نيويورك تايمز والمناهض للشعب الفلسطيني والمقرّب من دوائر الحكم الأمريكي، قد دعا قبل بضعة أيام إلى إنشاء “نسخة إصلاحية من السلطة الفلسطينية الحالية التي تتخذ من رام الله مقرا لها -والتي تبنت اتفاق أوسلو للسلام مع إسرائيل وعملت مع قوات الأمن الإسرائيلية- أو مؤسسة جديدة تماما تعينها منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
وأضاف فريدمان أن “الفلسطينيين، من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، سوف يقومون بإجراءاتهم لتعيين سلطة حكم انتقالية -قبل إجراء انتخابات لاختيار سلطة دائمة- وسيساعد الغرب والدول العربية هذه السلطة في بناء مؤسسات مناسبة، بما في ذلك قوة أمنية في غزة والضفة الغربية”.
وفريدمان هنا واضح في أن أيا من هذا لا يصب في مصلحة الفلسطينيين على الإطلاق. بل على النقيض من ذلك، فإن كل ذلك يهدف إلى حماية نظام الفصل العنصري اليهودي العنصري في إسرائيل: “لذلك، فإن المفتاح كي لا تشكل غزة تهديدا وعبئا دائما على إسرائيل هو وجود هيكل حكم فلسطيني بديل يُنظر إليه على أنه شرعي لأنه جزء من حل الدولتين، وعلى أنه فعّال لأنه يحظى بتمويل ودعم من الدول العربية”.
ولا يبدو أن فريدمان سعى إلى ضم حماس إلى القيادة الجديدة لأنه يعرّف حماس، كما يعرفها بنيامين نتنياهو، بأنها “منظمة رهيبة مكرسة لتدمير الدولة اليهودية”.
وفي مناشدة يوجهها إلى إسرائيل ومؤيديها الغربيين نشرتها صحيفة الغارديان، يدفع أحمد سامح الخالدي، المفاوض السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية والمناهض لحماس، إلى تشكيل قيادة جديدة.
ولكن خلافاً لفريدمان، يدرك الخالدي أن أي قدر من الإصلاح في السلطة الفلسطينية لن يمنحها الشرعية وأن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يقوم بذلك هو انضمام حماس إليها؛ “فيما يتعلق بإعادة إنشاء سلطة سياسية قابلة للحياة في قطاع غزة وإعادة تشكيل هيئة تمثيلية فلسطينية قادرة على اتخاذ القرارات واستدامتها. إن القضية الحقيقية هي كيفية دمج حماس وروح المقاومة المرتبطة بها في السلطة الفلسطينية الجديدة، بدلا من كيفية سحقها أو استئصالها”. ويضيف الخالدي: “في داخل هذه السلطة أو مرتبطة بها، يمكن أن تكون حماس جزءا من الحل، بينما خارجها، ستلعب دورا مخرّبا وستكون قطبا معاكسا للجذب”.
ويبدو أن ما لا يأخذه الخالدي في الحسبان هو أنه إذا تحولت قيادة حماس إلى نسخة من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وتنازلت وقبلت بحق إسرائيل في البقاء كدولة استيطانية استعمارية تحكمها فوقية العرق اليهودي، فإن حماس أيضا ستهدر رأسمالها التحرري الوطني، وتتحول إلى سلطة فلسطينية عميلة أخرى.
يشعر الخالدي بالقلق من أن حرب إسرائيل الإبادية على غزة “بدلا من سحقها لحماس”، سيكون التأثير الأكثر ترجيحا لها هو “إعادة أسطرة مفهوم المقاومة وزرع بذور لتكرارات مستقبلية قد تكون مستوحاة من حماس”. وفي حين أن استمرار المقاومة ضد الاستعمار حتى تحقيق التحرير الوطني هو كفاح عريق ومشرِّف تبناه أغلب الشعب الفلسطيني منذ عشرينيات القرن الماضي، فإن الخالدي محق في أن ذلك لن يكون أمرا جيدا لإسرائيل وأعداء الفلسطينيين الغربيين.
والواضح مما سبق هو أنه ليس لدى الولايات المتحدة ولا حلفائها العرب أفكار جديدة، بل إنهم بدلا من إعادة النظر في فشلهم السابق، يسعون إلى الاستمرار في نفس النهج والاستراتيجية التي اتبعوها منذ أوائل السبعينيات، والتي استخدمها البريطانيون والإسرائيليون منذ عشرينيات القرن الماضي، والتي فشلت جميعها في إنتاج قيادة فلسطينية متعاونة وعميلة اكتسبت شرعية عند أغلبية الفلسطينيين.
صحيح أن اتفاق أوسلو نجح لفترة قصيرة في خداع عدد لا بأس به من الفلسطينيين للاعتقاد بأن قيادة السلطة الفلسطينية التي أفرزها كانت شرعية، لكن الأغلبية سرعان ما تخلت عن هذه الأوهام.
تدرك الولايات المتحدة وإسرائيل جيدا أنه لا يمكن أبدا أن تكون هناك قيادة فلسطينية شرعية تقبل بحق إسرائيل في البقاء كدولة استعمارية يهودية يحكمها تفوق العرق اليهودي، بغض النظر عن أي حكم ذاتي أو شبه دويلة صغيرة يمكن أن تمنحها للفلسطينيين، ولهذا السبب يتعين عليهما أن تخططا لإنشاء قيادة فلسطينية تبدو شرعية فقط، وفي الوقت نفسه تقوم بتدمير أو احتواء القيادة الفلسطينية الشرعية القائمة بالفعل.
لقد نجحت إسرائيل وأعداء الفلسطينيين الغربيين لفترة قصيرة في عام 1993 عندما حولوا منظمة التحرير الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية العميلة، لكن فرص نجاحهم اليوم في تحويل السلطة الفلسطينية مرة أخرى إلى منظمة تحرير فلسطينية عميلة، إن ضمت حماس أو لم تضمها، تبدو أقل احتمالا وبعيدة المنال.
للإطلاع على النص باللغة الانجليزية من (هنا)