كيف يسرّع السيسي الانهيار الاقتصادي في مصر

بقلم عماد شاهين 

ترجمة وتحرير مريم الحمد

لقد عانى الاقتصاد المصري من مشاكل هيكلية واضحة لعقود من الزمن، من النفقات الحكومية العالية التي تجاوزت الإيرادات إلى عجز في الصادرات والواردات واقتصاد تسيطر عليه الدولة، وبدون معالجة نقاط الضعف الهيكلية هذه، لن تكون للإصلاحات المالية قصيرة المدى أي فائدة على المدى الطويل.

يبدو ظاهر هذه المشاكل الهيكلية اقتصادياً، ولكنه جوهرها سياسي، فهي حصيلة خيارات سياسية اتخذتها الأنظمة المصرية المتعاقبة منذ ثورة الضباط في يوليو عام 1952 وتأسيس الجمهورية المصرية، فقد خلقت هذه الخيارات السياسية ما أسماه الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه “دولة متهالكة”، وبناء على ذلك، تعهد ببناء “جمهورية جديدة” وإبراء نفسه والمؤسسة العسكرية من المسؤولية، ولم ينسَ إلقاء اللوم في الإخفاقات على الرؤساء السابقين.

لاشك أن إخفاقات الرؤساء السابقين الاقتصادية كانت لأسباب سياسية واضحة، فقد فشلوا في محاربة الفساد وخفض الإنفاق الحكومي وتطوير الصناعة وسحب يد الجيش من السيطرة على الاقتصاد، بل على العكس كانت التنمية الاقتصادية مصنفة على أنها من أهم قضايا الأمن القومي، مما برر سيطرة الدولة على أنشطة القطاعات الاقتصادية الرئيسية والإنتاج والتوزيع، وأصبحت الدولة هي المزود والوسيلة.

السيسي  يعتبر نفسه صانع القرار ومالك الحكمة الإلهية، ويصف نفسه بـ “حكيم الفلاسفة”، مدعياً أنه درس بناء الدولة، ولذلك اعتبر أن على المصريين الاستماع إليه فقط!

إضافة إلى الأسباب السابقة، لم يكن هناك ثقة في الاستثمار الأجنبي أو القطاع الخاص، فكان استبدال الواردات استراتيجية وطنية للاستثمار، فكانت النتيجة عجزاً مزمناً في الإيرادات، ونقصاً في العملات الأجنبية، وديوناً متزايدة من أجل تعويض عجز الموازنة، من 2 مليار دولار عام 1970 إلى أكثر من 150 مليار دولار).

دولة يوليو عام 1952 كانت رهينة دوماً للتحالفات الاجتماعية والسياسية الخاطئة، فعبد الناصر لم ينجح في تصميم السياسة لمصالح قاعدة سلطته، بالتوازن مع الطبقات الوسطى والفقيرة في ظل بيروقراطية عملاقة، ولذلك أخذت الموارد تنفد ببساطة، أما السادات ومبارك فقد وقعا تحت تأثير المقربين من الدولة مما جر الدولة إلى أسوأ مستنقع للفساد.

استراتيجية خاطئة

لقد أدى افتقار الإرادة السياسية إلى دفع الاقتصاد للوراء والفشل في حل التحديات التي واجهتها الدولة المصرية مثل علاقتها مع البيروقراطية السائدة وتدخل الجيش وقدرتها على تلبية الموارد واحتياجات المجتمع، حتى علاقاتها الإقليمية والدولية.

بطبيعة الحال، الوضع في عهد السيسي ليس أفضل حالاً، بل ربما أسوأ، فقد أدى توجهه السياسي إلى دفع الاقتصاد المصري نحو الهاوية، هو يعتبر نفسه صانع القرار ومالك الحكمة الإلهية، ويصف نفسه بـ “حكيم الفلاسفة”، مدعياً أنه درس بناء الدولة، ولذلك اعتبر أن على المصريين الاستماع إليه فقط!

الحقيقة، أن السيسي لم يختلف عن أسلافه، فقد تبنى استراتيجية خاطئة للتنمية، اعتمدت على بناء بنية تحتية ضخمة لجذب الاستثمار الأجنبي من خلال المنح والقروض، وبالمقابل، تهميش وتخويف المستثمرين المحليين، وزيادة دور الجيش في الاقتصاد ليصبح المقاول رقم واحد في البلاد، كما قام بزيادة رواتب ومزايا الجيش والشرطة والقضاء، وباع العديد من أصول مصر لدول الخليج أي ما يمثل 83% من الإيرادات الحكومية!

كل هذه الإجراءات مدفوعة بأسباب سياسية وليست اقتصادية، جاءت على حساب القطاعات المدرة للدخل، فكيف يرى السيسي من خلالها أنه سوف يدخل التاريخ كباني مصر الجديد كما يدعي؟!

غرق في الديون

يتحمل السيسي مسؤولية دفع الاقتصاد المصري إلى الانهيار وتعريض الشعب لصعوبات وتحديات اقتصادية واجتماعية جمة، فقد وصل الأمر بأبواقه الإعلامية أن تشجع الناس  على أكل أقدام الدجاج للتكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة!

لعنة الدولة ليست في اقتصادها، ولكن في قادتها من النخب العسكرية والسياسية!

 منذ عام 2016، اقترضت مصر حوالي 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، لتصبح بذلك ثاني أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين، ومن جانب آخر، فقد ضخت دول الخليج عشرات مليارات الدولارات في خزينة مصر منذ تولي السيسي السلطة، ودون الاعتراف بأهمية دراسات الجدوى، فقد أهدر السيسي موارد البلاد والأموال على مشاريع فارهة وليست أساسية مثل العاصمة الإدارية الجديدة والقصور الفخمة.

في ظل هذه السياسة، أغرق السيسي البلاد في الديون وفقد الدعم المالي من مانحيه الخليجيين بعد أن قاموا مؤخراً بوضع شروط لقروض إضافية، من ضمنها الحد من نفوذ الجيش على الاقتصاد وخفض قيمة الجنيه المصري أكثر، وتعيين مجلس وزراء اقتصاد لإدارة الإصلاحات ومحاولة إنقاذ الاقتصاد.

يجب على المانحين الدوليين القيام بوضع شروط للقروض كذلك، من أجل الضغط على السيسي للقيام بإصلاحات هيكلية، يجب عليهم ربط المساعدات بإجراءات محددة لتحفيز الاقتصاد، مثل إصلاح السياحة والحد من الفساد، واحترام الملكية الخاصة وطمأنة المستثمرين المحليين.

مصر بحاجة لاستراتيجية تنمية طويلة الأمد، تعطي الأولوية للتصنيع الزراعي والصناعي وتعزيز قطاع الخدمات والاقتصاد الموجه للتصدير، وذلك أن مصر، على عكس الشائع، دولة غنية بالموارد الطبيعية المتنوعة ورأس المال البشري من الشباب، لكن لعنة الدولة ليست في اقتصادها، ولكن في قادتها من النخب العسكرية والسياسية!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة