كيف يمكن أن ترتد الإسلاموفوبيا الحكومية وبالاً مؤذياً على الغرب؟

بقلم ديفيد هيرست

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

تتخذ الكراهية ضد المسلمين في الولايات المتحدة منحى متواصل الصعود حيث يبلغ التحيز العام ضد المسلمين أعلى مستوياته من بين كافة المجموعات الدينية، وفقاً لاستطلاع جديد أجرته مؤسسة بروكينجز، أما في المملكة المتحدة، فقد قال 92% من المسلمين الذين شملهم الاستطلاع إنهم يشعرون بأمان أقل في العيش في بريطانيا بعد أعمال الشغب الأخيرة، وأن واحداً من كل ستة شهد شخصياً حادثة معادية للإسلام أو عنصرية في الأسبوع الذي أعقب طعنات ساوثبورت.

وبات التراجع في المواقف الإيجابية تجاه المسلمين في الولايات المتحدة لافتاً بشكل خاص بين الديمقراطيين، الناخبين الذين يعتبرون أنفسهم تقدميين بشكل طبيعي، حيث وجد استطلاع بروكينجز أنه بعد سنوات من التحسن، انخفضت الآراء الإيجابية تجاه المسلمين بشكل عام إلى 64% بعد أن كانت 78% قبل عامين، وقد بدا الانخفاض بدا أكثر وضوحاً بين الديمقراطيين.

حددت مؤسسة بروكينجز عدداً من العوامل في هذا الاستطلاع من بينها التغيير الجيلي، والفجوة بين التصورات العامة لليهودية والإسلام، والعرق، والتعليم الجامعي، لكن الأكثر لفتاً للانتباه كان الدليل على أن الرأي العام تجاه الإسلام يتأثر بتصريحات ومواقف القادة العامين.

لقد أدى حظر السفر الذي فرضه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على القادمين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة إلى زيادة التعاطف العام مع المسلمين، لكن يبدو أن تصريحات الرئيس جو بايدن بشأن غزة كان لها تأثير معاكس، حيث لاحظ شيبلي تلحمي، وهو زميل بارز في معهد بروكينجز أن “تصريحات الرئيس جو بايدن، التي جاءت في وقت كان فيه الاهتمام الوطني كبيراً بالحرب في إسرائيل وغزة، وخاصة نبرة الرئيس، التي انتقدها البعض باعتبارها غير حساسة للخسائر المدنية للمسلمين والعرب، أثارت احتمال أن يكون موقفه غير إنساني تجاه العرب والمسلمين”.

وقال تلحمي أن الآراء الإيجابية عن المسلمين انخفضت في الاستطلاعين اللذين أجريا منذ بداية حرب غزة وخاصة بين الديمقراطيين، معرباً عن تشاؤمه حيال دور موقف بايدن كعامل محتمل في هذا الاتجاه، وقال سيحتاج الامر إلى “مزيد من الاستكشاف”.

رفض الأصوات الفلسطينية

ماذا كان رد فعل الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، التي تدعي اعتناق آراء تقدمية؟ كيف كان رد فعل الديمقراطيين في الولايات المتحدة وحكومة حزب العمال في بريطانيا على هذا الارتفاع في العنصرية ضد المسلمين؟

في وقت سابق من هذا الشهر، كان رد اللجنة الوطنية الديمقراطية هو رفض دعوة لإحضار متحدث فلسطيني على المسرح الرئيسي لمؤتمره، ولم يكن الأمر متعلقاً بالإصرار على أن تعتلي شخصية فلسطينية أمريكية بارزة مثل رشيدة طليب، التي تمثل الدائرة الثانية عشرة في الكونغرس في ميشيغان المنصة، فهي لم تذهب حتى إلى مؤتمر حزبها.

بل إن المتحدث الذي رفضته اللجنة الوطنية الديمقراطية كان ممثلاً عادياً للحزب اقترحته حركة (غير ملتزم)، وهي مجموعة مؤثرة تضم العديد من الأميركيين العرب، الذين يمكنهم إحداث الفارق بين فوز ترامب أو فوز المرشحة الرئاسية كامالا هاريس بولاية ميشيغان، وهي ولاية متأرجحة رئيسية.

وفي المقابل، لم تتردد اللجنة الوطنية الديمقراطية في تقديم منصتها لعائلة رهينة إسرائيلي، ولكن على الرغم من استضافة المؤتمر الوطني الديمقراطي لندوة حول حقوق الإنسان الفلسطينية وتوفير أوراق اعتماد لقادة حركة “غير ملتزم” لحضور المؤتمر الوطني الديمقراطي، إلا أنه لم يتم السماح لمتحدث فلسطيني حتى بمساحة رمزية على برنامج المؤتمر رغم خطر تكبد تكاليف انتخابية في تصويت متقارب.

فلماذا فعل الحزب هذا؟ ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن زعماء الحزب الديمقراطي كانوا قلقين من أن خطاب المؤتمر الوطني الديمقراطي الذي تناول الحرب في غزة من شأنه أن “يهدد الوحدة” التي كانت حاضرة طوال الحدث، لقد أرادوه مهرجاناً للحب، فأبقوا غزة خارج احتفالات الحزب.

وقد قالت ليلى العبد، إحدى مؤسسي حركة “غير ملتزم”، للصحفيين يوم الأربعاء: “لقد قيل لي للتو إنني لا أملك صوتاً هنا في هذا الحزب”.

أعمال شغب اليمين المتطرف

هل ينطبق الامر ذاته على بريطانيا؟ للأسف، ينطبق الأمر أكثر من ذلك، حيث اهتزت رئاسة كير ستارمر للوزراء هذا الصيف بسبب أسوأ أعمال شغب عنصرية شهدتها بريطانيا منذ قرن من الزمان، وقد أشعلتها شائعة كاذبة مفادها أن قاتل ثلاث فتيات صغيرات في فصل للرقص في ساوثبورت كان مسلماً.

زار ستارمر مسجداً في سوليهل، حيث استقبله المتظاهرون، لكنه لم يفعل شيئاً للقاء ممثلي الجاليات المسلمة أو الفلسطينية منذ ذلك الحين، ولم يفعل أي عضو في حكومته ذلك أيضاً، بل إن ستارمر تجاهل خلال أعمال الشغب الاتصالات الواردة من المجلس الإسلامي في بريطانيا، وهو أكبر هيئة في البلاد تمثل المسلمين البريطانيين.

سواء أحب ستارمر ذلك أم لا، فإن المجلس الإسلامي البريطاني (MBC) يضم أكثر من 500 جهة بينها المساجد والمدارس والمجالس المحلية والشبكات المهنية وجماعات المناصرة، ولا يوجد أي مجموعة إسلامية أخرى تستحوذ على مثل هذا النطاق.

ومنذ أعمال الشغب، تجاهل ستارمر دعوات من 80 منظمة إسلامية لاتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة الإسلاموفوبيا وإطلاق مراجعة مستقلة، لكن هذا التجاهل للمجتمع المسلم، الضحية الرئيسية لأعمال الشغب، لا يعني أن الحكومة كانت غير نشطة، لقد كانت متجاوبة للغاية مع ممثلي المجتمع اليهودي.

فقد التقى وزير الخارجية ديفيد لامي مؤخراً بالحاخام اليهودي الاكبر للمملكة المتحدة، إفرايم ميرفيس وتحدثا عن السياسة الخارجية لبريطانيا، هل يمكنك أن تتخيل الضجة إذا طالب إمام بريطاني بمقابلة وزير الخارجية لمناقشة السياسة الخارجية للبلاد؟

لكن لامي لم يخجل حين نشر ميرفيس على X، إلى جانب صورة له مع وزير الخارجية: “ناقشنا التهديدات الوشيكة والواسعة النطاق التي تواجه إسرائيل في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وقرارات الحكومة البريطانية المتعلقة بالصراع، والأهمية الملحة لتحرير الرهائن، وتحقيق السلام طويل الأمد، والتأثير العميق للحرب على هذا البلد”.

بالإضافة إلى ذلك، التقى وزير العلوم بيتر كايل مؤخراً بالعديد من المجموعات اليهودية، بما في ذلك Community Security Trust، ومجلس نواب اليهود البريطانيين وHolocaust Educational Trust، لمناقشة التدابير لمكافحة معاداة السامية عبر الإنترنت.

ومن الصواب أن يتم عقد مثل هذا الاجتماع، ولكن كيف يمكن أن يكون من الصواب ألا يلتقي كايل أيضاً بممثلي المجتمع المسلم لمناقشة موجة المد الهائلة من الإساءة المعادية للإسلام على وسائل التواصل الاجتماعي؟

نظام قيم مزدوج المستوى

كيف يمكن لأي حكومة، ناهيك عن حكومة يسارية ميولها أممية، أن تفلت من مقاطعة مثل هذا المجتمع المهم بعد أسابيع من استهدافه صراحة من قبل الفاشيين والبلطجية؟ ولماذا تحذو وزيرة الداخلية إيفيت كوبر حذو اليمينية المتطرفة سويلا برافيرمان، في مواصلة استئناف الحكومة ضد حكم المحكمة العليا بشأن قانون أسفر عن اعتقال وإدانة مئات الأشخاص بسبب الاحتجاج السلمي؟

لقد أصبحت الإساءة العنصرية ضد المسلمين البريطانيين مشكلة هائلة وقبيحة في جميع أنحاء البلاد، حيث لا يشعر أي مسلم في بريطانيا بالأمان بعد أعمال الشغب.

يجب التعامل مع جميع أشكال الإساءة العنصرية ضد أي مواطن بريطاني على قدم المساواة، ولكن من الواضح أن هذا ليس هو الحال في ظل نظام ستارمر ذي المكيالين للقيم، فلماذا يبدو أن العنصرية ضد المواطنين اليهود تحظى بوزن أكبر بكثير من العنصرية ضد المسلمين البريطانيين؟ إن التحيز المناهض للمسلمين لدى هذه الحكومة متجذر بعمق لدرجة أنه يتغلب حتى على الغريزة الواضحة التي يتمتع بها الساسة من أجل بقائهم.

خسر حزب العمال أربعة مقاعد في الانتخابات الأخيرة بسبب سياسته في غزة، ونجح بصعوبة في الفوز بالمقعد الخامس، إن المجتمع الإسلامي يشكل كتلة تصويتية ضخمة، فلماذا نتجاهله؟ ولماذا نتصرف كما لو أنه غير موجود؟

هل هي العنصرية؟ أم هو الخوف من وصمه بمعاداة السامية إذا التقت الحكومة بأقارب الفلسطينيين الذين ذبحهم الجيش الإسرائيلي في غزة؟ أم أن الحاجة إلى دعم إسرائيل، بغض النظر عن جرائم الحرب التي ترتكبها، هي التي تشغل بال ستارمر أكثر من غيرها؟

مهما كانت الحال، فإن هذه القضية لا تتعلق بالسياسة الخارجية أو إسرائيل، بل تتعلق بكيفية تعامل الحكومة البريطانية مع المواطنين البريطانيين، وخاصة أولئك الذين يستهدفهم الغوغاء العنصريون، إنها تتعلق بالمساواة في الحقوق السياسية في الولايات المتحدة.

فالمساجد تحتاج إلى أكثر من الحماية المادية، حيث إن حدثاً بحجم ونطاق أعمال الشغب في المملكة المتحدة، وقد كان كبيراً بما يكفي لمنع ستارمر من قضاء إجازته الصيفية، كان يتطلب تشكيل لجنة تحقيق، فلماذا يقاوم رئيس الوزراء الضغوط لتشكيل لجنة؟ هل يخاف ستارمر، المحامي السابق في مجال حقوق الإنسان، مما قد تصل إليه؟

المعركة العالمية

المسلمون ليسوا أقلية، بل إن عددهم يبلغ أكثر من 1.8 مليار مسلم، أو ما يقرب من ربع سكان العالم، وتجاهل ستارمر وبايدن للمسلمين بسبب الحاجة القصوى إلى دعم إسرائيل يتم تغطيته بشكل مكثف وشامل في وسائل الإعلام العربية يومياً، هذه التغطية هي دليل آخر للمجتمعات العربية على أن شيئاً لم يتغير في الغرب منذ أيام الاستعمار.

تخيل فقط التأثير الذي قد يحدث إذا تراجعت بريطانيا أو الولايات المتحدة عن مسارها واستمعت إلى صوت مسلم، حتى لو لم يعجبهما ما يقول، “عانق الأقليات في بريطانيا والولايات المتحدة، وسوف يصبحون المدافعين عنك ورسلك الأكثر فعالية، إذا تعاملت هذه الدول مع المسلمين كما تفعل مع اليهود، فإن هذه المجتمعات ستصبح أفضل سفرائها للعالم الإسلامي، وسيتغير الخطاب بأكمله في جميع أنحاء المنطقة تجاه الغرب وضده كقشرة فارغة”، لكن استمر في المسار الحالي، وسيجد ستارمر وهاريس أنفسهما يفتحان أبواب السلطة لأعدائهما.

لا يملك اليمين المتطرف سوى فكرة واحدة، والتي تنمو في شدتها وشعبيتها كل شهر، وهي أن العالم الغربي في معركة حضارية وجودية، حيث يقاتل العالم اليهودي المسيحي الهمجية، وحيث أن إسرائيل هي الخط الأمامي لهذه المعركة العالمية، وإذا خسرت، فإننا جميعاً سنخسر، لقد قال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو لمجلسي الكونغرس ما معناه أن جميع البيض يخسرون.

أجندة معادية للمسلمين

لا يفعل يسار الوسط شيئاً لمحاربة هذا الخطاب، بل على العكس تماماً، فهم يتبنونه وهم أيضاً يغازلون إسرائيل، إنهم كذلك يخشون أن يُوصَموا بمعاداة السامية لمجرد الدفاع عن حقوق الإنسان للفلسطينيين.

إنهم أيضاً يعاملون المسلمين الأميركيين والبريطانيين بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي يعاملون بها أتباع الديانات الأخرى، وكما تظهر استطلاعات الرأي في كل بلد بوضوح شديد، فإن هذا يؤثر على المواقف العامة، وخاصة بين شرائح غير متعلمة من السكان.

من خلال تجنب المسلمين، يتكيف ستارمر مع الأجندة المناهضة لهم، إنه يقوم بعمل زعيم اليمين المتطرف نايجل فاراج نيابة عنه حيث تجعل آراء فاراج الفجة المسلمين بمثابة طابور خامس محتمل في بريطانيا، تماماً كما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من قبله، وانظر ماذا حدث في فرنسا.

لن تتمكن بريطانيا ستارمر أيضاً من تحرير نفسها من العناق القاتل لرئيس أميركي من أقصى اليمين إذا فاز ترامب، فقد قال روبرت أوبراين، أحد أصحاب الأصوات الأمنية الرئيسية في فريق ترامب، أن بريطانيا ستخاطر “بصدع خطير” في علاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة إذا مضت قدماً في حظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل، لقد تلقى ستارمر الرسالة بالفعل.

ومن خلال أفعاله، فإن ستارمر يدعو اليمين المتطرف إلى الساحة السياسية، وعندما يصلون إلى هناك، ويتم نفي ستارمر إلى الظل السياسي، سيكون جميع التقدميين، وليس أقلهم المواطنون اليهود منهم أول من يشعر بذلك.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة