كيف يمكن أن تغير الحرب مع إسرائيل وعودة ترامب عقيدة الأمن القومي الإيراني؟

بقلم سيد حسين موسويان

ترجمة وتحرير مريم الحمد

تم انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة ليصبح بذلك الرئيس رقم 47، وخلال حملته الانتخابية، كان ترامب قد وعد بإنهاء الحرب في الشرق الأوسط، الأمر الذي ساعده على كسب دعم الأمريكيين المسلمين والأمريكيين العرب.

لقد كانت الحروب المدمرة التي شنتها إسرائيل على غزة ولبنان، إلى جانب الهجمات المتواصلة التي شاركت فيها إيران، سبباً في دفع الشرق الأوسط إلى نقطة غليان واحتمالات نشوب صراع إقليمي شامل وكارثي. 

خلال العام الماضي، نزح جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة تقريباً، في حين هرب ما يقرب من ربع سكان لبنان من منازلهم، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد الشهداء في غزة، يمكن أن يتجاوز في نهاية المطاف 186 ألف شخص، فيما قُتل أو جُرح أكثر من 15000 لبناني حتى الآن.

 “لن تكون هناك مفاوضات ولا حرب، فالتفاوض يكون مع الأشخاص الذين ينكثون وعودهم ويعودون إلى الوراء في التزاماتهم، وليس مع من لا يلتزمون بأي شيء، لا بالأخلاق ولا بالشرعية ولا بالاتفاقيات الدولية” – آية الله خامنئي- المرشد الأعلى الإيراني

لقد كانت الإستراتيجية التي تبنتها إسرائيل للقضاء على حماس وحزب الله، إلى جانب الدعم الإيراني الكامل لمحور المقاومة والشعب الفلسطيني، سبباً في تأجيج المواجهة العسكرية بين تل أبيب وطهران، الأمر الذي قد يتحول إلى صراع طويل الأمد، يؤثر على عقيدة الأمن القومي الإيراني والمشهد السياسي الإقليمي عموماً.

يدخل ترامب البيت الأبيض في وقت توشك فيه إيران على تغيير عقيدتها الأمنية القومية، فمنذ الثورة الإسلامية عام 1979، أدت 3 أحداث إلى تحولات كبيرة في عقيدة الأمن القومي الإيراني.

التحول الأول كان في الثمانينات أثناء الحرب العراقية الإيرانية، حيث تعرضت إيران للعقوبات وسط دعم إقليمي ودولي للطرف المعتدي وهو العراق، رغم استخدام نظام صدام حسين آنذاك للأسلحة الكيميائية.

لقد دفعت هذه التجربة إيران نحو استراتيجية عرفت باسم “الاعتماد على الذات الدفاعي”، حيث أعطت من خلالها الأولوية للإنتاج المحلي للمعدات العسكرية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، كما سعت إيران إلى استعراض قوتها خارج حدودها لردع المعتدين المحتملين من خلال تهديد مصالحهم في المنطقة. 

يعد دعم إيران اليوم لحركات مثل حزب الله وحماس والحوثيين في اليمن نابعاً من تجارب الحرب التي استمرت 8 سنوات مع العراق، إلى جانب استمرار العقوبات والضغوط الغربية. – “لا حرب ولا سلام”

أما التحول الثاني فكان في عام 2018، ففي الوقت الذي كانت فيه إيران ممتثلة بشكل كامل لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق وأعاد فرض العقوبات على إيران، مستخدماً العقوبات الثانوية لإجبار شركاء طهران التجاريين على فعل الشيء نفسه.

رداً على ذلك، قامت إيران بتوسيع برنامجها النووي وأنتجت اليورانيوم المخصب إلى مستويات تقترب من مستوى صنع الأسلحة، كما شكلت محوراً رئيسياً نحو إقامة علاقات سياسية واقتصادية أوسع مع قوى الكتلة الشرقية، بما في ذلك العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس. 

أما تجاه الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، فقد تبنت إيران سياسة “لا حرب ولا سلام”، حيث قال المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي: “لن تكون هناك مفاوضات ولا حرب، فالتفاوض يكون مع الأشخاص الذين ينكثون وعودهم ويعودون إلى الوراء في التزاماتهم، وليس مع من لا يلتزمون بأي شيء، لا بالأخلاق ولا بالشرعية ولا بالاتفاقيات الدولية”.

وأخيراً، التحول الثالث والأخير والذي يحصل الآن، فالدعم المطلق الذي تقدمه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لإسرائيل في حربيها على غزة ولبنان، إلى جانب اغتيال كبار قادة حماس وحزب الله والحرس الثوري، عمل على تطوير عقيدة الأمن القومي الإيراني.

تتحدد عقيدة الأمن القومي الإيراني في 6 عناصر، أولها أن حلف شمال الأطلسي، الناتو، قد أصبح عدواً، فالاستمرار في إمداد إسرائيل بالأسلحة اللازمة للهجمات العشوائية التي تشنها على غزة ولبنان، فضلاً عن الدعوات الأحادية الجانب التي تطالب إيران بضبط النفس، كان سبباً في دفع إيران إلى الاعتقاد بأن حلف شمال الأطلسي هو خصمها.

يمكن تلخيص موقف الحلف فيما قاله الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، مؤخراً: “إن إسرائيل لا تقف وحدها”، وبالتالي فإن استراتيجية الردع الإيرانية السابقة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل قد تتحول إلى الردع ضد حلف شمال الأطلسي.

أما ثاني تلك العناصر، فهو امتلاك إيران للأسلحة النووية، حيث أن الردع النووي على جدول أعمالها، خاصة في هذه المرحلة التي أصبحت فيها إيران دولة على عتبة السلاح النووي وتواجه هجمات عسكرية مباشرة على أراضيها من جانب إسرائيل، بدعم من حلف شمال الأطلسي.

صرح مستشار المرشد الأعلى الإيراني، كمال خرازي، مؤخراً بأن إيران قد تراجع عقيدتها النووية، بعد أن أظهرت دراسة استقصائية أجريت في وقت سابق من هذا العام أن ما يقرب من 70% من الإيرانيين يوافقون على ضرورة امتلاك البلاد لأسلحة نووية.

يوجد لدى ترامب فرصة اليوم لإنهاء الحروب الإسرائيلية على غزة ولبنان وكبح المواجهات العسكرية بين إسرائيل وإيران، فاحتواء الأزمة الحالية في الشرق الأوسط يتطلب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل وإنهاء الهجمات الإسرائيلية على لبنان وغزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس

ويتمحور العنصر الثالث حول تطلعات إيران إلى تطوير محور المقاومة في أعقاب الاغتيالات الإسرائيلية، فبعد نجاح إسرائيل في اختراق المستويات العليا للمؤسسات الأمنية الإيرانية، قد تقوم إيران والجماعات التي تدعمها بإجراء إصلاحات جوهرية على هياكلها التنظيمية والأمنية وشبكات الاتصال.

التحالف مع الشرق

الحقيقة أن الاغتيالات السابقة قد فشلت في هزيمة خصوم إسرائيل، فالضربات الأخيرة ضد حماس وحزب الله قد تغذي صعود جيل جديد من المقاومة. 

في حديثه لصحيفة بوليتيكو، قال السفير الأمريكي السابق، ريان كروكر والذي قضى عقوداً من العمل في دبلوماسية الشرق الأوسط: “إذا كنا نعتقد أن الضرر الذي لحق بقيادة حزب الله والقضاء على يحيى السنوار وغيره من قادة حماس يمكن ترجمته بطريقة أو بأخرى إلى ديناميكية جديدة للسلام، وأنه يمكننا بطريقة أو بأخرى تحويل ذلك إلى تسوية عالمية ذات رؤية، فذلك ضرب من الجنون”. 

أما العنصر الرابع في عقيدة الأمن القومي الإيراني فهو التحالف مع الشرق، فمن المرجح أن يدفع الدعم العسكري الذي يقدمه حلف شمال الأطلسي لإسرائيل طهران إلى التفكير في تحالف عسكري طويل الأمد مع قوى الشرق.

لقد أرسى التعاون العسكري الحالي بين روسيا وإيران الأساس لمثل هذه السياسة، إلا أنه ما زال من غير الواضح ما إذا كانت الصين أو الهند يمكن أن تصبحا شريكتين في المستقبل.

يتركز العنصر الخامس حول حصول إيران على أنظمة دفاع جوي، حيث تتمتع إيران بقدرات صاروخية هجومية قوية نسبياً، لكنها تحتاج إلى تعزيز قدراتها الدفاعية ضد الصواريخ الإسرائيلية والطائرات المقاتلة من طراز F-35، ويعد إبداء روسيا استعدادها لتزويد إيران بطائرات سوخوي سو-35 وأنظمة الدفاع الجوي إس-400 مؤشراً على ما إذا كانت علاقات البلدين سوف تصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.

وفي عنصر أخير، فقد تتحول استراتيجية إيران السابقة المتمثلة في “لا حرب ولا سلام” إلى “حرب أو سلام”، حيث أشار وزير الخارجية، عباس عراقجي، مؤخراً إلى أن “جمهورية إيران الإسلامية لا تسعى إلى تصعيد التوتر والصراع والحرب، رغم أنها مستعدة لأي موقف، فنحن مستعدون للحرب كما استعدادنا للسلام”.

في ظل استمرار المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، إلى جانب الهجمات الإسرائيلية المستمرة على لبنان وغزة، يظل هناك تهديد قائم باندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، تخسر فيها الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران على حد سواء.

إن الدبلوماسية هي الخيار الوحيد لتجنب وضع لا يمكن السيطرة عليه في الشرق الأوسط، حيث أن عمليات القتل الجماعي والاغتيالات وتدمير البنية التحتية العامة انتهاكات لا يمكن أن تحقق السلام، بل سوف تزيد من الكراهية والتطرف والعداء. 

يوجد لدى ترامب فرصة اليوم لإنهاء الحروب الإسرائيلية على غزة ولبنان وكبح المواجهات العسكرية بين إسرائيل وإيران، فاحتواء الأزمة الحالية في الشرق الأوسط يتطلب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل وإنهاء الهجمات الإسرائيلية على لبنان وغزة وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس. 

من جانب آخر، فإن تنفيذ قرارات الأمم المتحدة حول حل الدولتين يمكن أن يمثل خطوة مهمة نحو أمن منطقة الشرق الأوسط، فالاستقرار والأمن في الشرق الأوسط يتطلبان إنهاء الأعمال العدائية المستمرة بين إيران والعالم الغربي في نهاية المطاف والبدء بحوار شامل وجاد، يمكن أن يسعى له ترامب للوصول إلى اتفاق كبير مع إيران.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة