كيف يمكن لصراع الاحتلال مع لبنان أن يعيد تعريف الحرب الحديثة

كيف يمكن لصراع الاحتلال مع لبنان أن يعيد تعريف الحرب الحديثة

كيف يجر السيسي مصر نحو الهاوية؟هل غير الإسلام اندرو تيت؟بقلم عمر عاشور 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

على إثر الموجة الأخيرة من الاغتيالات، ما تأكد منها وما لم يتأكد بعد، وضربات قطع الرؤوس في بيروت وطهران وخان يونس، تزايدت بشكل ملحوظ احتمالات نشوب حرب ثالثة بين الاحتلال وحزب الله، ومن المتوقع أن ينشر كلا الخصمين على نطاق واسع طائرات من دون طيار (UAVs) من أنواع مختلفة في حرب باتت على عتبة بابهما.

في نيسان/أبريل، كتبت مقالاً تناولت فيه القدرات العسكرية لحزب الله، وكنت آمل في ذلك الوقت أن يتم التوصل إلى سيناريو “السلام عن طريق الردع”، حيث يسود الردع التقليدي ويمنع أو يؤجل اندلاع حرب واسعة النطاق، وفي ذلك الوقت، كان مقام الاحتلال على طول الحدود اللبنانية دفاعياً في المقام الأول، لكنه وكما كان متوقعاً، سرعان ما تحول إلى موقف هجومي.

وقد تم تعزيز هذا الموقف الهجومي من خلال إعادة انتشار الوحدات من غزة، بما في ذلك ألوية من الفرقة النظامية 36 التابعة للقيادة الشمالية، وهذا هو نفس الإجراء الذي قسم غزة في السابق إلى أجزاء شمالية وجنوبية، وشق طريقه إلى البحر الأبيض المتوسط ​​لإنشاء ممر نتساريم.

وبالإضافة إلى ذلك، تم إعادة نشر ألوية من فرقة المظليين 98 (النظامية) وفرقة الاحتياط 146 أو تم وضعها حديثاً في الشمال، حيث باتت القوة القتالية الحالية تتكون من ثلاث فرق، 12 لواء، وهو ضعف حجم القوة التي نفذت غزو الاحتلال في يوليو/تموز 2006 تقريباً.

التجسس على الجواسيس

وخلال كتابة هذا المقال، ورد أن بعض الألوية الهجومية التابعة لهذه الفرق فقط كانت موجودة في مواقعها، ولتجنب كوارث حرب عام 2006 وللنجاح في دفع وحدات حزب الله العنيدة إلى شمال نهر الليطاني، سوف يحتاج جيش الاحتلال إلى قوة بشرية إضافية كبيرة.

ولتقويض الأهداف العملياتية لجيش الاحتلال بشكل فعال، فمن المرجح أن يعمل حزب الله على تكثيف حرب المسيرات واستخدام عدة أنواع من الطائرات بدون طيار بما فيها ثابتة الجناحين، ومتعددة المراوح وذات الذخائر الجوالة، حيث تبدو المسيرات للوهلة الأولى عاملاً مضاداً مضاعفاً في مواجهة تفوق قوات الاحتلال.

فكيف يمكن لحزب الله أن يستخدم الطائرات بدون طيار خلال حرب ثالثة محتملة؟ حسناً، إليكم مراجعة تحليلية لذلك.

في يوليو/تموز 2006، تمكن حزب الله من اعتراض وفك تشفير بث الفيديو والاتصالات لمسيرات الاحتلال عبر استخدام مزيج من تقنيات الحرب الإلكترونية واستخبارات الإشارات والاعتراضات الأرضية.

وسمح هذا التسلل للحزب بالحصول على معلومات استخباراتية في الوقت الفعلي عن الخطط العملياتية لجيش الاحتلال وتحركات الوحدات في جنوب لبنان، فقام مقاتلو حزب الله بزرع الألغام والفخاخ في بعض المواقع المستهدفة، وكانت فرق “إعدام الدبابات” التابعة للحزب جاهزة للتعامل معها بالصواريخ المضادة.

ولم يعطل حزب الله البث، بل تجسست وحداته على “الجواسيس الطائرة”، أي طائرات الاستطلاع التابعة لجيش الاحتلال، وبعد تحديد المواقع المستهدفة، أعدت وحدات القتال التابعة لحزب الله كمائن لوحدات الهجوم التابعة لجيش الاحتلال.

استندت كافة هذه الاستعدادات إلى الحركة في الوقت الحقيقي التي شوهدت في بث الطائرات بدون طيار، وعلاوة على ذلك، أعاد حزب الله تموضع قواته لتحمل ضربات الاحتلال بشكل أفضل وقام بتحضير نيرانه غير المباشرة مسبقاً، مثل المدفعية الصاروخية وقذائف الهاون، لتحقيق قدر أعظم من الدقة من خلال معرفة مواقع وتحركات وحدات جيش الاحتلال.

وبشكل عام، نفذ حزب الله في عام 2006 عملية مضادة للطائرات بدون طيار ألحقت الضرر بجيش الاحتلال في كمائن مميتة.

القوة البرية القاتلة

لم يعد حزب الله اليوم ذات القوة التي كان عليها في عام 2006، فقدرات العسكرية الحالية متفوقة على الغالبية العظمى من القوات غير الحكومية، وعلى القوات البرية للعديد من الدول الصغيرة.

ولا تزال القوات البرية تهيمن على القدرات العسكرية لحزب الله، وهي تشمل أنواعاً مختلفة من المشاة والقوات الخاصة والمدرعات والمدفعية والدفاعات الجوية البرية.

وقد أظهرت فرق المشاة المضادة للدروع التابعة لحزب الله قوتها القاتلة البرية في عام 2006، حيث تسببت هذه الفرق في سقوط أعلى نسبة من القتلى في صفوف قوات الاحتلال في لبنان (أكثر من 28٪ حسب تقديراتي)، مقارنة بوحدات وفروع أخرى، بما في ذلك الصواريخ وقذائف الهاون والمدفعية، والعبوات الناسفة المرتجلة، والقنص وحتى بالمقارنة مع النيران الصديقة الإسرائيلية، والتي أسفرت عن حوالي 12٪ من قتلى جيش الاحتلال.

كما يتمتع الحزب بالقدرة في المجالات الإلكترونية والسيبرانية والاستخباراتية/المعلوماتية، وأقل من ذلك في المجال البحري.

كانت القدرات في مجال العمليات الجوية لدى حزب الله تتقدم بشكل مطرد، ولكن بشكل غير تقليدي، ففي عام 2006، أسفرت النيران غير المباشرة من الصواريخ والقذائف عن خسائر مدنية في إسرائيل أكثر من الخسائر العسكرية في لبنان، بسبب عدم الدقة وأسباب أخرى.

وفي عام 2024، تغير مستوى الدقة (وكذلك المدى والحمولات) بشكل كبير، ويرجع ذلك جزئياً إلى سلاح الجو بدون طيار التابع لحزب الله.

ورغم أن للحزب تاريخ في استخدام الطائرات بدون طيار حتى قبل حرب 2006، فقد أظهر قدرة جديدة نسبيا في عام 2024، حيث بات يستطيع “الرؤية” في عمق دولة الاحتلال.

و”الرؤية” في المصطلحات العسكرية تعني “الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع”، وقد نجح حزب الله في تنفيذ العديد من الاختراقات للمجال الجوي، حيث اخترقت طائرات بدون طيار عسكرية المجال الجوي الإسرائيلي لجمع المعلومات الاستخباراتية وإجراء عمليات المراقبة والاستطلاع.

لم تكن المواقع المستهدفة بالاستطلاع سهلة البتة، فقد شملت قاعدة رامات ديفيد الجوية المحمية جيداً وقاعدة بحرية إسرائيلية في حيفا، فضلاً عن العديد من السفن الحربية والبنية الأساسية لوحدة الغواصات البحرية “شايتيت 7”.

وقد أثبتت العمليات قدرة حزب الله على إجراء عمليات مراقبة عن بعد لقواعد القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية، فضلاً عن المراكز الحضرية.

وإذا اندلعت الحرب، أو عندما تندلع، فمن المرجح أن ترسل هذه الطائرات بدون طيار المخصصة للاستخبارات والمراقبة إحداثيات مواقع أهدافها إلى بطاريات الصواريخ والمدفعية ووحدات الصواريخ والطائرات بدون طيار القتالية و/أو الذخائر الجوالة (طائرات بدون طيار أحادية الاتجاه أو “انتحارية”) لتوجيه ضربات دقيقة.

ويحاكي ذلك إلى حد ما ما تفعله طائرات الاستطلاع والمراقبة الروسية من طراز أورلان-10 والذخائر الجوالة من طراز لانسيت في أوكرانيا، حيث قد يكون التنسيق بين طائرات الاستطلاع والمراقبة والطائرات بدون طيار القتالية ووحدات الصواريخ الروسية هو ما أدى إلى تدمير منصتي إطلاق صواريخ باتريوت وهما مكونان من أحد أكثر أنظمة الدفاع الجوي قدرة وتكلفة في العالم.

ومن عجيب المفارقات أن حزب الله ربما يتبع مقولة عسكرية بريطانية أميركية قديمة: “إذا كان من الممكن رؤيته، فيمكن ضربه، وإذا كان من الممكن ضربه، فيمكن قتله”، حيث أخذت مشكلة حزب الله في المدفعية الصاروخية العمياء والنيران غير المباشرة غير الدقيقة تتلاشى، ويرجع ذلك جزئياً إلى الطائرات بدون طيار.

لكن القدرات عن بعد لا تقتصر على الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، فقد نفذ الحزب ضربات عن بعد في عمق دولة الاحتلال، وكان آخرها في أغسطس 2024، حين تمكنت طائرات بدون طيار متعددة من اختراق شمال إسرائيل، مما أدى إلى إصابة جنود ومدنيين إسرائيليين. 

وأكدت الهجمات على الطبيعة المزدوجة لاستخدام أسطول حزب الله من الطائرات بدون طيار لكل من عمليات المراقبة والضرب.

وبشكل عام، لا تزال تأثيرات الطائرات بدون طيار على الحرب محل نقاش حاد بين الخبراء العسكريين والأمنيين، لكن، وبالنسبة لحزب الله وجيش الاحتلال على حد سواء، ستمارس الطائرات بدون طيار تأثيرات تكتيكية وربما عملياتية كبيرة في الصراع المتوقع.

وحتى الآن، لا تشكل الطائرات بدون طيار بغض النظر عن أنواعها فئة استراتيجية من أنظمة الأسلحة، ومن غير المرجح أن تقرر هذه الطائرات نتيجة الحرب.

تقدم ملحوظ

وحتى على المستوى العملياتي للحرب، فإن حزب الله يواجه تحديات في تطوير وبناء وتوظيف قوته الجوية من الطائرات بدون طيار، فهو حالياً لا يستطيع نشر وتثبيت أسراب المسيرات الكبيرة اللازمة لتحقيق التفوق الجوي تحت 3000 قدم، وبالتالي تنفيذ هجمات جوية كبيرة.

ومع أسراب الطائرات بدون طيار، سيواجه حزب الله قضايا التداخل المدمر للترددات، والحرب الإلكترونية بين الأخوة، والهجمات الإلكترونية الإسرائيلية المتقدمة.

ومن غير أسراب المسيرات ومزاياها، قد تظل فعالية حزب الله القتالية ومستويات فتكه في المجال الجوي محدودة، وخاصة عند مقارنتها بفرق المشاة المضادة للدبابات أو حتى المدفعية الصاروخية غير الموجهة.

ويصدق هذا حتى مع نشر الذخائر العسكرية الجوالة المنفردة أو بأعداد صغيرة، ومع ذلك، تتطور قدرات حزب الله في مجال المسيرات وكذلك الحلول للتحديات الحالية التي باتت مسألة إرادة ومهارة ووقت.

وحالياً، زودت الطائرات بدون طيار حزب الله بقدرات استطلاع خفية غير مسبوقة فوق إسرائيل مع قدرات استهداف دقيق الأمر الذي يمثل تقدماً ملحوظاً، كان يُعتبر مستحيلًا قبل عقدين من الزمن فقط.

إن تطور حرب الطائرات بدون طيار في هذا الصراع وما بعده لم ينته بعد، ومع استمرار حزب الله في تحسين وتوسيع ترسانته من هذه الطائرات، فإنه يمكن لهذه الطائرات أن تصبح قوة لا يستهان بها في المجال الجوي، وبالتالي، قد تكون قصة الحرب المتكشفة هذه عنواناً لإعادة تعريف المعارك الجوية البرية في الحرب الحديثة.

مقالات ذات صلة