لا أحد سوى الإمبراطورية الأمريكية يصفق لنتنياهو والإبادة الجماعية التي يرتكبها!

بقلم جوناثان كوك

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في ظل ما ترتبكه إسرائيل من إبادة في غزة، هناك دولة واحدة فقط في العالم اليوم يحظى فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالتصفيق الحار من قبل الغالبية العظمى من ممثليها المنتخبين، وهي الولايات المتحدة، وليست حتى إسرائيل نفسها!

في طريقه إلى الكونغرس، تلقى نتنياهو صفعات من الغضب في الشارع فيما أغرقه الكونغرس في الداخل بالتصفيق المتكرر باعتباره بطلاً منتصراً، وهنا يجب علينا ألا ننسى أن هذا هو نتنياهو نفسه الذي أشرف خلال الأشهر العشرة الماضية على ذبح أكثر من 40 ألف فلسطيني، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال، كما تم الإبلاغ عن فقدان أكثر من 21.000 طفلاً ربما يكون غالبهم قد ماتوا تحت الأنقاض!

إنها حرب إمبريالية أمريكية وجزء من حملة عسكرية من أجل الهيمنة العالمية تنفذها الدولة العميلة المفضلة لدى واشنطن

هذا نتنياهو نفسه الذي قام بتدمير المناطق السكنية التي كانت في الأصل موطناً لـ 2.3 مليون فلسطيني، ومن المتوقع أن تستغرق إعادة بنائها 80 عاماً بتكلفة لا تقل عن 50 مليار دولار، كما أن هذا هو نتنياهو نفسه الذي دمر كل مستشفى وجامعة في غزة وقصف جميع مدارسها تقريباً التي تستخدم كملاجئ للعائلات التي شردتها القنابل الإسرائيلية الأخرى.

هذا نتنياهو نفسه الذي يسعى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى اعتقاله بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والمتهم باستخدام المجاعة كسلاح حرب من خلال فرض حصار على المساعدات، مما أدى إلى مجاعة في جميع أنحاء غزة.

هذا نتنياهو نفسه الذي أعلنت محكمة العدل الدولية أن حكومته تعمل على تكثيف حكم الفصل العنصري الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وهو نتنياهو نفسه الذي تواجه حكومته تهمة ارتكاب ما وصفته محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في العالم، بأنه “إبادة جماعية معقولة”. 

رغم كل ذلك، لم يكن هناك سوى متظاهر واحد واضح داخل قاعة الكونغرس، هي رشيدة طليب، المشرعة الأمريكية الوحيدة من أصول فلسطينية، حيث جلست بصمت ممسكة بلوحة سوداء صغيرة كتب عليها “مجرم حرب” و “مذنب بالإبادة الجماعية”، هكذا كانت رشيدة بمثابة الشخص الذي يحاول بصمت الإشارة إلى أن الإمبراطور (نتنياهو) كان عارياً!

مغلفاً بالرعب

لم يكن الترحيب بنتنياهو ترحيباً بزعيم أجنبي، بل كان وكأنه ترحيب بجنرال كبير حاصل على أوسمة عند عودته إلى مجلس الشيوخ في روما القديمة مثلاً، أو نائب ملك بريطاني ذو شعر رمادي من الهند يحتضنه برلمان الوطن الأم، بعد إخضاع “البرابرة” بوحشية من قبل الإمبراطورية!

يعتبر مشهد الوحشية الإمبراطورية أو الاستعمارية التي تعاد صياغتها في صورة شجاعة وشرف وحضارة مألوفاً في كتب التاريخ، فقد بدا الأمر في الكونغرس سخيفاً في كل جزء منه وكأننا ننظر إلى ما حدث قبل 200 أو حتى 2000 عام!

لقد كان المشهد بمثابة تذكير بأنه رغم مزاعمنا بالتقدم والإنسانية، فإن عالمنا لا يختلف كثيراً عما كان عليه لآلاف السنين، وأن النخب الحاكمة تحب الاحتفال باستعراض قوتها بعد حماية نفسها من صخب الاحتجاج الصادر ممن يعانون من الآلام.

لم تتغير سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل بأي معنى ملموس منذ عقود، بغض النظر عن كون الرئيس ذا لون أحمر أو أزرق، وسواء كان ترامب هو الرئيس في البيت الأبيض أو باراك أوباما، وإذا ما أصبحت هاريس رئيسة، فسوف تستمر الأسلحة والأموال الأمريكية بالتدفق إلى إسرائيل التي تقرر ما إذا كان سيتم السماح بدخول المساعدات الأمريكية إلى غزة أصلاً!

لقد كان المشهد بمثابة تذكير بأن هذه ليست “حرباً” بين إسرائيل وحماس، أو أنها، كما يريد لنا نتنياهو أن نعتقد، معركة من أجل الحضارة بين العالم اليهودي المسيحي والعالم الإسلامي، ولكنها حرب إمبريالية أمريكية وجزء من حملة عسكرية من أجل الهيمنة العالمية تنفذها الدولة العميلة المفضلة لدى واشنطن. 

يمكن القول أن الإبادة الجماعية في مجملها إبادة جماعية أمريكية، فقد سلحتها واشنطن ودفعت ثمنها وأعطتها غطاء دبلوماسياً، وهو ما يفسر ما قاله نتنياهو في لحظة صراحة أمام الكونغرس: “أعداؤنا هم أعداؤكم ومعركتنا هي معركتكم وانتصارنا سيكون انتصاركم”.

تعد إسرائيل أكبر قاعدة عسكرية لواشنطن في الشرق الأوسط الغني بالنفط، فالجيش الإسرائيلي هو الكتيبة الرئيسية للبنتاغون في تلك المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، ونتنياهو هو القائد الأعلى لتلك البؤرة الاستيطانية، ولذلك يتم دعم تلك البؤرة الاستيطانية بأي ثمن.

سيل من الأكاذيب

في لحظة مفارقة، قال نتنياهو أن ما يحدث في غزة هو “صدام بين الهمجية والحضارة”، ولم يكن مخطئاً في ذلك أبداً، فمن ناحية، هناك همجية الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة ضد شعب غزة اليوم، ومن قبله همجية التصعيد الدراماتيكي للحصار الإسرائيلي الذي دام 17 عاماً على القطاع، كما سبقها عقود من الحكم العسكري في ظل نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.

على الجانب الآخر، فهناك القلة المحاصرون الذين يحاولون حماية قيم “الحضارة” التي يتشدق بها الغرب والقانون الإنساني الدولي وحماية الضعفاء وحقوق الأطفال، ولكن الهمجية الحقيقية هي ما ظهر في موقف الكونغرس.

لقد تمت دعوة نتنياهو للتحدث أمام الكونغرس 4 مرات، متجاوزاً بذلك عدد المرات التي تحدث بها زعيم بريطانيا في زمن الحرب، ونستون تشرشل!

نتنياهو صناعة أمريكية بامتياز، بوحشيته وبشاعته، فقد طلب من المسؤولين الأمريكيين قائلاً: “أعطونا الأدوات سريعاً حتى ننهي المهمة بشكل أسرع”، ويقصد بذلك إنهاء مهمة الإبادة الجماعية!

مواقف معارضة

لقد فضل بعض الديمقراطيين البقاء بعيداً حتى نانسي بيلوسي، فقد فضلت الالتقاء بعائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة فقط دون العائلات الفلسطينية التي ذبحت إسرائيل أحبابهم في غزة بالطبع!

من جانبها، بررت نائبة الرئيس، كامالا هاريس، غيابها بأنه كان هناك تضارب في المواعيد، ثم زعمت، بعد لقاء نتنياهو، أنها ضغطت على نتنياهو بشأن الوضع الإنساني “الخطير” في غزة، لكنها شددت أيضاً على أن إسرائيل “لها الحق في الدفاع عن نفسها”، وهو حق لا تملكه إسرائيل كما أشارت محكمة العدل الدولية.

فبحسب المحكمة، تعد إسرائيل دولة منتهكة لحقوق الفلسطينيين من خلال احتلالها المطول وممارسة الفصل العنصري والتطهير العرقي.

من هذا المنطلق، فإن معارضة مثل معارضة بيلوسي وهاريس، كانت أداءً إجرائياً فحسب، فربما يكون صحيحاً أنهم لا يكنون أي حب شخصي لنتنياهو، إلا أنه ببساطة يخدم هدفاً مهماً، كما أن كلاً من بيلوسي وهاريس تعدان من أشد المؤيدين لإسرائيل، ولا تعد أجندتهم السياسية مرتبطة بإنهاء إبادة شعب غزة، بل هي بمثابة صمام أمان لعدم الرضا الشعبي بين الناخبين الديمقراطيين التقليديين.

يمكن تفسير الهدف من ذلك بالعمل على خداع الناخبين ليتخيلوا أن هناك نوعاً من الصراع السياسي حول تعامل إسرائيل مع القضية الفلسطينية خلف الأبواب المغلقة، على اعتبار أن الديمقراطيين سوف يعملون على الوصول إلى “سلام وحل الدولتين”.

لم تتغير سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل بأي معنى ملموس منذ عقود، بغض النظر عن كون الرئيس ذا لون أحمر أو أزرق، وسواء كان ترامب هو الرئيس في البيت الأبيض أو باراك أوباما، وإذا ما أصبحت هاريس رئيسة، فسوف تستمر الأسلحة والأموال الأمريكية بالتدفق إلى إسرائيل التي تقرر ما إذا كان سيتم السماح بدخول المساعدات الأمريكية إلى غزة أصلاً!

لكل إمبراطورية سقوط، ويصبح انهيارها أمراً حتمياً بمجرد أن يفقد حكامها كل إحساس بمدى سخافتهم

السؤال هنا، لماذا كل هذا الدعم الأمريكي؟ وجوابه الواضح أن إسرائيل هي العمود الفقري في المشروع الإمبريالي الأمريكي، وإذا ما أرادت الولايات المتحدة تغيير مسارها فيما يتعلق بإسرائيل، فسوف يتعين عليها أيضاً القيام بأشياء أخرى بدءاً من تفكيك قواعدها العسكرية البالغ عددها 800 قاعدة في مختلف أنحاء العالم، تماماً كما طلبت محكمة العدل الدولية من إسرائيل مؤخراً تفكيك العشرات من المستوطنات غير القانونية المقامة على الأراضي الفلسطينية.

يتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تتفق على بنية أمنية عالمية مشتركة مع الصين وروسيا، بدلا من السعي إلى ضرب هذه القوى العظمى لإرغامها على الخضوع بحروب دموية بالوكالة، مثل تلك الدائرة في أوكرانيا!

السقوط القادم

يجب ألا ننسى أن بيلوسي قد قامت بتشويه سمعة الطلاب الذين كانوا يحتجون على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة في الجامعات الأمريكية، كما قامت بحث مكتب التحقيقات الفيدرالي على التحقيق معهم، تماماً مثل ما فعل نتنياهو في خطابه، فقد قام بشيطنة المتظاهرين من خلال اتهامهم بأنهم أغبياء يفيدون عدو إسرائيل الرئيسي إيران. 

لا يستطيع أي منهما الاعتراف بأن الملايين من الناس في مختلف أنحاء الولايات المتحدة يعتقدون أنه من الخطأ قصف الأطفال وتجويعهم، كما أنه لا يمكن “القضاء” على حماس من خلال العنف المروع وذلك لسبب واضح هو أن هذه الجماعة مجرد نتاج لنوبات من العنف الإسرائيلي المروع. 

لقد اضطر حتى خبراء مكافحة الإرهاب الغربيون إلى الاعتراف بأن سياسات الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في غزة تعمل على تقوية حماس وليس إضعافها، فالرجال والفتيان الذين يفقدون أسرهم بسبب القصف الإسرائيلي هم المجندون الجدد الأكثر حماساً.

لهذا السبب، فقد أصر نتنياهو على عدم إنهاء الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة، كما طالب بالأسلحة والمال لإبقاء جنوده في عملية وصفها بأنها “نزع السلاح والتطرف”، مما يعني استمرار المعاناة الفلسطينية، ووجود خطر من تحول الحرب الإسرائيلية على غزة إلى حرب إقليمية وربما حرب عالمية!

يمكن القول أن الكونغرس الأمريكي أعمى بسبب مناصرته لدولته الصغيرة المحصنة في الشرق الأوسط، فقد هتف أعضاؤه إلى مرزبانهم من إسرائيل، تماماً كما كان أعضاء مجلس الشيوخ الروماني يهتفون “المجد!” للجنرالات الذين افترضوا أن انتصاراتهم سوف تستمر إلى الأبد، لكن لكل إمبراطورية سقوط، ويصبح انهيارها أمراً حتمياً بمجرد أن يفقد حكامها كل إحساس بمدى سخافتهم.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة