بقلم إيمان الحاج علي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لقد اعتادت عائلتي مثل الآخرين في غزة على رتابة البقاء على قيد الحياة، فقد تعرضنا للتهجير مراراً وتكراراً خلال أكثر من 8 أشهر،
وأثرت عمليات الإخلاء المستمرة والظروف المعيشية الضيقة وندرة الضروريات الأساسية على مسار أيامنا وتفاصيلها.
لقد أصبح مرور الوقت مشوهاً، حيث امتزج فيه الإرهاق والخوف واليأس معاً واستغرقنا في حالة من التخدير، فكل يوم هو صراع، وحياتنا أضحت خالية من الفرح أو السعادة، وعلقنا في روتين لا ينتهي يطرح فيه إخوتي أسئلة تقطع قلبي، وتذكرني بكل الأشياء التي فقدناها ولا نستطيع استعادتها.
كان من المفترض أن تكون منطقة المغازي، التي لا تبعد كثيراً عن مخيم النصيرات للاجئين، منطقة آمنة، لكن أحداث ذلك السبت 8 يونيو سوف تظل محفورة في ذاكرتي إلى الأبد، فلم يكن بوسعنا التنبؤ بأحداث ذلك اليوم
في اللحظات التي تصبح فيها الأمور صعبة للغاية، أحاول التظاهر بأن كل شيء سيكون على ما يرام رغم أنني لست متأكداً من صحة ذلك، فهذه الحرب مرعبة والجيش الإسرائيلي حرفياً يدمر غزة، ولذلك لا يمكن التكهن بما سيحدث!
كان سريري في منزلي في مخيم المغازي وسط غزة ناعماً ومريحاً، ولكن منذ نزوحي مع عائلتي منذ أشهر اضطررت للنوم على أرض صلبة تؤذي جسدي كلما تحركت، حتى عدنا إلى المغازي بعد أن علمنا أن إسرائيل تخطط لشن غزو جديد على رفح، واليوم نعيش مع أحد أقاربنا لأن منزلنا تعرض للحرق والتدمير.
لقد أصبحت وجباتنا تدريجياً أصغر حجماً، فلا يمكننا الحصول على طعام طازج أو أي من الأطباق التقليدية التي كنا نستمتع بها، فشراء البيض والحليب أصبح أمراً نادراً، وقد أصبح من الصعب علي أن أشاهد إخوتي الصغار ينامون بدون الطعام الذي يحتاجونه للتمتع بصحة جيدة.
تجمدنا من الصدمة!
في ذات يوم سبت كأي يوم آخر في روتين هذه الحرب المتعب، وبينما والدي يخبز الخبز على الحطب وأنا أعد مع أمي وجبة الإفطار، فجأة تغير كل شيء.
كان من المفترض أن تكون منطقة المغازي، التي لا تبعد كثيراً عن مخيم النصيرات للاجئين، منطقة آمنة، لكن أحداث ذلك السبت 8 يونيو سوف تظل محفورة في ذاكرتي إلى الأبد، فلم يكن بوسعنا التنبؤ بأحداث ذلك اليوم.
بينما نحن في المنزل نعد الطعام وإخوتي ينتظرون جوعى، إذ امتلأ الهواء بأصوات إطلاق النار التي تصم الآذان، مثل هطول أمطار غزيرة، ففتحنا النافذة ونظرنا إلى السماء وما حولنا محاولين فهم ما كان يحدث، فلم يكن هناك أي تحذير لإخلاء المنطقة، ولكن عندما نظرنا من النافذة، رأينا الدبابات والمدفعية على بعد أمتار قليلة.
تجمدنا في أماكننا من الصدمة مدركين بأن حياتنا في غزة يمكن أن تنقلب رأساً على عقب في لحظة، حيث أخذ الناس يصرخون في الشوارع لإخلاء المنطقة بسرعة، فقد كانت تلك اللحظة الأكثر رعباً في حياتنا فقد كنا محاصرين وليس لدينا مكان نذهب إليه بعد ذلك!
لقد عدنا الآن، فلا مكان نذهب إليه حتى لو كان ذلك يعني فقط أن نعيش حتى نشهد المذبحة التالية!
كانت الفوضى في الشوارع تؤلم القلب، فقد هربنا ولم نأخذ شيئاً معنا سوى الملابس التي نحملها وحقيبة من الوثائق الأساسية، تاركين وراءنا كل ما نملكه!
لا نعرف إلى أين نذهب
كان إخوتي يبكون ويرتجفون، وعندما أمسكت بأيديهم كان همي الوحيد هو ضمان بقائنا على قيد الحياة وأصوات إطلاق النار والمدفعية تملأ الهواء، في لحظات تحولت فيها الشوارع إلى بحر من الفوضى من أناس يفرون للنجاة بحياتهم.
رأيت أماً تمسك بمولودها الجديد ورجلاً يحمل أمه المسنة وامرأة حامل تكافح من أجل المشي، فكلهم يريدون الهروب من الخطر، فقد كان القصف المستمر مرعباً.
ركضنا في الشوارع دون وجهة واضحة في الأفق، فقد كانت المدفعية تقترب وكان علينا الخروج بأسرع ما يمكن، فواصلنا الركض للنجاة بحياتنا فقط ولكننا لم نكن نستطيع التكهن بالمستقبل المجهول!
في مرحلة ما، اضطررنا إلى عبور الشارع أمام الدبابات الإسرائيلية، لأننا نعلم أنها يمكن أن تستهدفنا في أي لحظة، فقد كانت فكرة الإصابة بشظية أو صاروخ طائش مرعبة، ولكننا نجونا بمعجزة وكانت تلك المرة السادسة التي نتشرد فيها خلال الحرب، وهنا بكت أختي الصغيرة تقول “لا أريد أن أموت، لا أريد أن أموت يا أمي، لم نأخذ الألعاب من المنزل”.
كان هناك ضباب في الجو من شدة الغبار، فلم نتمكن من رؤية بعضنا البعض، كان الرصاص يتطاير حولنا في كل مكان، فقد كان هناك طائرة هليكوبتر على ارتفاع منخفض تطلق النار على أي شخص يتحرك في الشوارع، ومع ذلك واصلنا الفرار حتى وجدنا الأمان في منطقة الزوايدة.
قُتل في المجزرة المروعة في النصيرات أكثر من 270 شخصاً في وأصيب المئات، وأنا أشكر الله أنني وعائلتي نجونا من الهجوم الذي كان متزامناً مع المجزرة في منطقتنا المغازي.
لقد عدنا الآن، فلا مكان نذهب إليه حتى لو كان ذلك يعني فقط أن نعيش حتى نشهد المذبحة التالية!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)