بقلم سال أحمد
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
ترك قرار المملكة العربية السعودية، برفض تقديم أي قروض إنقاذ أخرى أو قروض دون فوائد لباكستان، الحكومة في إسلام أباد في حالة صدمة، ودفع بوزير ماليتها للشكوى من عدم حرص الدول الصديقة حتى على مساعدة باكستان في الخروج من حالة الطوارئ الاقتصادية.
تحتاج باكستان بشدة إلى تدفقات مستمرة من الدولار الأمريكي لتجنب التخلف عن سداد قروض دولية تقارب 80 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث والنصف القادمة، بينما تمتلك الدولة حاليًا 3 مليارات دولار فقط من احتياطيات النقد الأجنبي.
تتخذ المملكة العربية السعودية مساراً مختلفاً الآن، لقد أعادت ضبط علاقاتها مع دول أخرى … “- كمال علم، المجلس الأطلسي
وتخوض باكستان أيضًا مفاوضات صعبة مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة الإنقاذ الثالثة عشرة منذ الثمانينات، وإذا لم يتم إبرام اتفاق قريبًا، فستجد إسلام أباد صعوبة متزايدة في الحصول على قروض دولية، بعدما انخفض تصنيفها الائتماني إلى حد غير مرغوب فيه.
وأفاد المحللون المطلعون على التطورات الأخيرة أن المملكة العربية السعودية اشترطت على باكستان تنفيذ إصلاحات نقدية ومالية صارمة إلى جانب خفض كبير في عجز الحساب الجاري للحصول على قروض واستثمارات جديدة بنظام الفائدة، وهي شروط مماثلة لتلك التي يضعها صندوق النقد الدولي.
النظام العالمي الجديد
وفي كانون الثاني/ يناير، أوضح وزير المالية السعودي خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سياسة المملكة الجديدة بشكل صريح للغاية.
وأوضح محمد الجدعان: “كنا نعطي المنح والودائع المباشرة دون قيود والان نغير ذلك، نحن نعمل حاليا مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول في الواقع إننا بحاجة إلى رؤية الإصلاحات “.
وتابع: “نحن نفرض الضرائب على شعبنا، ونتوقع أيضًا من الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه، ليبذلوا جهودهم، نريد مساعدتك، ولكننا أيضا نريدك أن تقوم بدورك “.
وقال كمال علم، الزميل البارز في المجلس الأطلسي، إنه كان ينبغي على السلطات الباكستانية أن تقرأ هذا التغيير، فالمملكة العربية السعودية أصبحت في مسار مختلف الآن، لقد أعادوا علاقاتهم مع دول أخرى ورفضوا تقديم مساعدات مالية إلى كل من الأردن والمغرب وحتى مصر، فكان ينبغي على باكستان التي تعاني من خلل وظيفي أكثر بكثير من جميع الدول الأخرى أن تتوقع ذلك”.
وأضاف علم: “لقد تملك باكستان شعور زائف بالأمن، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 220 مليون نسمة ولديها برنامج أسلحة نووية شامل، وهي أكبر من أن يدعها العالم تفشل، لقد ولّد كل هذا شعورا بالرضا لدى الحكومات المتعاقبة والقيادة العسكرية للبلاد من خلال القروض الميسرة أو قروض الإنقاذ “.
“هناك عجز كبير في الثقة بين الحكومة الباكستانية وصندوق النقد الدولي “- خاقان نجيب، مستشار حكومي سابق
وذكر خاقان نجيب المستشار السابق لوزارة المالية الباكستانية إن السعوديين يريدون من باكستان توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي وعندها فقط سينظرون في أي قروض أو استثمارات.
ولفت إلى: “إن تأخر الحكومة الباكستانية في تنفيذ السياسات النقدية والمالية الأساسية، كما طلب صندوق النقد الدولي، قد أضر بالوضع الاقتصادي”.
وأشار نجيب إلى أن “هناك أيضًا عجز كبير في الثقة بين الحكومة وصندوق النقد الدولي وهذا هو السبب في أن الصندوق يتأكد من أن باكستان تنفذ هذه السياسات قبل أن تتلقى أي تمويل إضافي أو تحصل ختم الموافقة المهم.”
ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم في باكستان إلى 33 في المائة في الأشهر المقبلة، حيث انخفضت قيمة عملة البلاد بنحو 65٪ في الأشهر الـ 12 الماضية.
وفي محاولة لوقف تدفق النقد الأجنبي، أوقفت الحكومة الباكستانية منذ نحو ستة أشهر جميع الواردات تقريبًا، مما أدى إلى نقص في المواد الخام اللازمة لقطاعات التصنيع وتسبب بإغلاق مؤقت للعديد من مصانع تصنيع السيارات والنسيج.
ويرى نجيب أنه مع ارتفاع التضخم، وبطء النمو، وارتفاع أسعار الفائدة حول العالم، أصبح هناك القليل من الأموال المتاحة للأسواق الناشئة مثل باكستان، وأنه من دون “ختم الموافقة” من صندوق النقد الدولي، فحتى الممالك الخليجية الصديقة ستظل خجولة من الاستثمار في البلاد.
ما هي الإصلاحات وماذا يترتب عليها؟
قال كمال علم إنه “من الواضح جدًا” أن “التأخير في تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي يرجع إلى رغبة النخبة السياسية في تجنبها، إضافة إلى أن الفساد العميق في الحكومة هو جوهر ذلك.”
وأوضح علم أن ثقافة “انعدام المساءلة قد دمرت الثقة في القيادة الباكستانية، في الداخل والخارج”، مبيناً إن باكستان تحتل المرتبة 140 في مؤشر تصورات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2022، وهو ليس ترتيبًا ملائما إذا كانت البلاد تريد جذب الاستثمار الأجنبي.
وأوضح نجيب، الذي عمل في الحكومة، أن مجرد جذب الاستثمار الأجنبي لن يحل مشاكل باكستان على المدى الطويل، وأن البلاد بحاجة إلى توسيع قاعدتها الضريبية وتحسين تحصيل الضرائب.
بدوره، قال عمر كريم إن السعوديين غير راضين عن الطريقة التي تتصرف بها إسلام أباد هذه الأيام.
وأوضح كريم أن لدى رئيس الوزراء الحالي 77 وزيراً، وهو العدد الأكبر من الوزراء في العالم، وأنهم جميعا يحصلون على الامتيازات الكاملة، متسائلا:” فلماذا سيساعدك السعوديون إذا استمررت في تحمل مثل هذه الكماليات بينما يضعون أنفسهم في حملة لخفض التكاليف؟”.
ويعتقد كريم أن السعوديين مهتمون بالاستثمار في قطاع الطاقة الباكستاني – سواء الوقود الأحفوري أو مصادر الطاقة المتجددة – وأنهم مهتمون أيضًا بالاستثمار في قطاع تكنولوجيا المعلومات المزدهر في باكستان، لكنه قال إن هذا الاستثمار لن يحدث إلا بعد أن يتم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
وبينما تعاني باكستان من أزمة طاقة خانقة، قد يكون الاستثمار السعودي في قطاع الطاقة المتجددة أمرًا بالغ الأهمية، حيث يشير تقرير صادر عن البنك الدولي لعام 2020 إلى أن البلاد تملك إمكانات هائلة لتوليد الطاقة الشمسية.
وذكر التقرير أن “استخدام 0.071 ٪ فقط من مساحة البلاد لتوليد الطاقة الشمسية سيلبي الطلب الحالي على الكهرباء في باكستان”.
وأعربت السعودية في عام 2019 عن اهتمامها بإنشاء مصفاة لتكرير النفط والقيام باستثمارات أخرى تبلغ قيمتها الإجمالية 10 مليارات دولار في باكستان، لكن نجيب قال إن باكستان ستحتاج إلى “تجديد مجلس استثمارها” وجلب “موارد بشرية متخصصة وحوافز” من أجل الاستفادة من هذا الانفتاح.
وقال مستشار وزارة المالية السابق إن إعادة ضبط العلاقات مع السعودية سيكون مفيدًا لإسلام أباد وقد يكون بمثابة جرس إنذار، حيث ولت أيام الحصول على المال السهل بالنسبة لباكستان.
للإطلاع على المادة الأصلية من (هنا)